الفرق بين الحمد والمدح

01:33 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

يقول أهل اللغة: الحمد ضد الذم لذلك يقال: حمدت الرجل على إنعامه وعلى شجاعته، أي أثنيت عليه.

فالحمد هنا هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري نعمة كان أو غيرها، بخلاف الشكر فإنه يكون على النعمة فقط، ويكون بالقلب واللسان والجوارح، وقديماً قال الشاعر:

أفادتكم النعماء مني ثلاثة

       يدي واللسان والضمير المحجبا

والفرق بين الحمد والمدح عند ابن القيم: أن الحمد إخبار عن محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه، فلابد فيه من اقتران الإرادة بالخير، بخلاف المدح فإنه إخبار مجرد (راجع بدائع الفوائد).

والفرق الآخر أن المدح أوسع، فيكون للحي والميت والجماد، والحمد أعم، فيقال: كل حمد مدح، وليس كل مدح حمد، ويقال: فلان محمود إذا حمد، ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة.
ويرى بعض العلماء أن المدح يكون قبل الإحسان وبعده، وأما الحمد فلا يكون إلا بعد الإحسان.
ثم إن المدح قد يكون منهياً عنه لقوله تعالى: (... فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) (الآية 32 من سورة النجم).
وأما الحمد فمأمور به مصداقاً لقوله تعالى: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ) (الآية 59 من سورة النمل).
ونعلم بعد هذا أن مدح الله تعالى واجب على عباده وهو حق من حقوقه عليهم، وفي الحديث: (.... ولا أحد أحب إليه المدح من الله، ولذلك مدح نفسه) (رواه البخاري ومسلم).
ويقول عالم اللغة العربية الزجاج: «سميت الفاتحة بالمثاني لاشتمالها على الثناء على الله وحمد الله وتوحيده وملكه».
والمدح في حق الرسول صلى الله عليه وسلم واجب أيضاً، لأن الله قال: (وإنك لعلى خلق عظيم) (الآية 3 من سورة القلم).
لكن ينبغي ألا يرتبط مدحه بزمن دون زمن، ولا يكون فيه غلو، قد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله) (رواه البخاري).
والمدح مثل ما يجوز في حق الله تعالى وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، يجوز في حق العبد، إلا أنه لا يقطع بالمدح لأحد، لأن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، لذلك فإنه إذا مدح أحد أحداً لزم أن يقول: «أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحداً).

ومما ينبغي أن يعلم أن كلمة المدح لم ترد في القرآن الكريم، وقد وردت كلمة الحمد، ومن الفروق بين الحمد والمدح أن الحمد تتضمن الإجلال والتعظيم والمحبة، لذلك فإنه لا يكون إلا لمن يستحقه وهو الله تعالى في المرتبة الأولى، وإذا جاز أن يحمد العبد عبداً، فإنه ينبغي أن يكون أهلاً لذلك الحمد.

ويقول أهل اللغة أيضاً في الفرق بين الحمد والشكر: إن الحمد يكون لمن أحسن إليك ولمن أحسن إلى غيرك، لأنه يثني على عمل محمود صادر عنك عامة.

وأما الشكر فلا يكون إلا للمشكور نفسه، لأنه وجه إليك شيئاً خاصة فشكرته، فهو إذاً قام لك بعمل خاص بك، تقول له: أشكرك، وليس في ذلك تعظيم وإجلال.
أما إذا عمل عملاً نال استحسان الجميع، فإنك تحبه في قلبك، وتعظم منه ذلك العمل، فتحمده عليه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف وشاعر وخطيب. صاحب كلمات النشيد الوطني الإماراتي، ومن الأعضاء المؤسسين لجائزة دبي للقرآن الكريم. شارك في تأليف كتب التربية الإسلامية لصفوف المرحلتين الابتدائية والإعدادية. يمتلك أكثر من 75 مؤلفا، فضلا عن كتابة 9 مسرحيات وأوبريتات وطنية واجتماعية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"