أزمة اقتصاد روسيا كما يراها بوتين

04:59 صباحا
قراءة 3 دقائق

* يوجين رامر

وصفت المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" الرئيس الروسي بأنه يعيش في "كوكب آخر" . ويمكن معرفة الطريقة التي ينظر بها "بوتين" إلى الأزمة التي تواجهها بلاده من خلال استقراء الوقائع من وجهة نظر صاحبها .
أولاً، لا بد أن دعوة الذين يحثونه لاعتماد نهج ليبرالي لصالح دولته أو رئاسته حتى، تذهب أدراج الرياح وكذلك دعوة الذين ينصحونه بالخروج من أوكرانيا . ولم يتضمن برنامج "بوتين" في يوم من الأيام مجرد التفكير في تخفيف قبضته على اقتصاد البلاد أو التراجع في أوكرانيا . والأرجح أنه سيركب رأسه وهذا قد يكون دليل ضعف لكنه يراه دليل قوة .
وقد رأى كثيرون في عزلته إبان قمة العشرين خسارة لروسيا في حين كان يتأمل في وجوه أقرانه بحثاً عن من خدم اقتصاد بلاده أكثر مما قدم خلال خمسة عشر عاماً . وقد يجد الكثير من الأمثلة التي تشجعه على مزيد من المعاندة . فالرئيس جورج دبليو بوش مثلا ترك بلاده بعد دورتين رئاسيتين تعاني من حروبها الخارجية وتواجه أعنف أزمة اقتصادية . أما "طوني بلير" فترك وراءه قضايا لا يزال يلاحق بسببها . وتلاحق رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق "سلفيو برلسكوني" فضائح لا حصر لها . ووحده "بوتين" لا يزال محتفظاً بسلطته نتيجة عملية ديموقراطية روسية النكهة حصل فيها على 80% من أصوات الناخبين . أما الاقتصاد الروسي فلا يبدو سيئ الأداء عندما يقارنه "بوتين" مع اقتصادات الدول الغنية . فأي اقتصاد كان أفضل خلال الخمسة عشر عاماً الماضية من الاقتصاد الروسي الذي زاد ناتجه الاجمالي المحلي ستة أضعاف وارتفع نصيب الفرد من الدخل القومي سبعة أضعاف . ولم يسبق لروسيا أن شهدت ازدهاراً كهذا . وكنز 200 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية لا يضر ناهيك عن رقم مثله في صناديق الاستثمار العالمية .
أما الجيش فأعيد بناؤه لينشر الرعب في أوروبا ويجبر الولايات المتحدة على اعادة النظر في قوته ويعزز مشاعر الفخر في روسيا .
صحيح أن هذه الأزمة خطيرة لكن روسيا مرت قبلها بأزمات خطيرة وتجاوزتها بسلام دون الحاجة للتقيد بنصائح "فاعل الخير" الغربي . وعندما أعارت آذانها لنصائحهم في التسعينات تعمقت أزمتها أكثر .
وماذا عن تنويع النشاط الاقتصادي؟ يدرك الرئيس الروسي أن بلاده عاجزة عن منافسة الصناعات الصينية وقطاع التقنية الهندي وأن قوة بلاده تكمن في ثروتها ومواردها الطبيعية من النفط والمعادن والأخشاب . ولهذا يحكم سيطرته على شركات النفط أكثر من غيرها من مكونات الاقتصاد .
وحتى العقوبات الغربية تقدم له خدمة لا تعوض . فهو يقول إن الغرب يسعى لتغيير الحكم في روسيا بهدف قلع أظفار الدب الروسي وأسنانه ودفعه للاستسلام . وهذه رسالة تجد صدى قوياً في الداخل . وعلى أي حال فالعقوبات تدفعه لمزيد من العمل وسوف ينتعش الاقتصاد قبل أن تقرر روسيا السماح لأوكرانيا بأن تسبح خارج الفلك الروسي .
وتتجاهل السياسة الغربية مشكلة أخرى هي أن العقوبات على روسيا لا تنفع أوكرانيا .
ولا تقتصر معاندة "بوتين" على رفض التخلي عن القرم أو شرق أوكرانيا بل يطالب بكامل التراب الأوكراني . ويعتقد أن تشديد العقوبات على كييف سوف يؤتي ثماره على الوجه الذي يريده .
وهناك دولة أخرى توسع اقتصادها خلال السنوات الخمس عشرة الماضية وحافظت على استقرارها وحسنت صورتها ووجودها على المسرح العالمي . إنها الصين التي يتعلم منها "بوتين" درساً مختلفاً عما يريد الغرب إملاءه عليه . ويتلخص الدرس الصيني في تبني الليبرالية محلياً دون الانحناء للغرب . وأياً كانت العبرة التي يتعلمها "بوتين" من الصين فلا بد أن تصب في صالح تعنته وثباته على نهجه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"