أوروبا.. والأزمات المتلاحقة

02:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

سمارة محمود سمارة *

فكرة الاتحاد الأوروبي تعود إلى 50 سنة ماضية بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية والمعاناة الإنسانية التي تسببت فيها هذه الحرب، وخلفت شعوراً بضرورة بناء علاقات دولية قوية تحول دون تكرار تلك الكوارث.
التحديات التي تعيشها أوروبا كبيرة بالإضافة إلى ما تواجهه من أزمات مالية رغم إجراءات التقشف التي اتخذتها معظم دول الاتحاد الأوروبي إلاّ أن الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة يمثلان تهديداً لوحدة الكتلة الأوروبية.
انعكس هذا سلباً على ما تم الاتفاق عليه لتشكيل الاتحاد حتى أصبح يعاني من الأزمات التي دفعت بعض الدول مثل بريطانيا لوضع شروط من أجل البقاء فيه قبل أن يتم الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي وبدأت الإجراءات الفعلية للانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي.
الأزمات تتوالى في القارة الأوروبية بما فيها الهجمات الإرهابية ومشكلة المهاجرين والنازحين عدا عن الجوانب السياسية.
الانقسام الحاصل بين المتشددين القوميين، المناهض للمشروع الأوروبي، الذين يدعون إلى إغلاق الحدود الوطنية وإعادة العمل بإجراءات الرقابة والتفتيش كان له دور في هذا الانقسام، ومن الأسباب أيضاً التباين في مواقف الدول الأوروبية من الحرب ضد الإرهاب وهي الأزمة التي تعد الأخطر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية والسجال القائم بين الدول الأوروبية حول أولوية الأمن على حساب الحريات الفردية وحقوق الإنسان ولا تخفي زعامات الأحزاب التقليدية والليبرالية خشيتها على مستقبل الاتحاد الأوروبي والديمقراطية المهددة.
الأحزاب اليمينية في فرنسا على سبيل المثال كانت وعلى رأسها زعيمة الحزب لوبان قد اتهمت الاتحاد الأوروبي بالوقوف وراء جميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها فرنسا واعترضت النقابات العمالية على سياسة التقشف التي تتبعها الحكومة الفرنسية والبطالة التي يعاني منها عمال فرنسا واتهام الاتحاد بأنه وراء تدفق العمال من دول منطقة الاتحاد الأوروبي وطالبوا بوقف الهجرة الشرعية.
إن فكرة الاتحاد الأوروبي تعود إلى 50 سنة ماضية بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية والمعاناة الإنسانية التي تسببت فيها هذه الحرب وخلفت شعوراً بضرورة بناء علاقات دولية قوية تحول دون تكرار تلك الكوارث.
بعد تبلور فكرة الاتحاد ثم تأسيسه واعتماد العملة الأوروبية المشتركة «اليورو» للمرة الأولى عام 1999 من قبل 11 من الدول الأعضاء وبدأت المشاكسات من بدايتها عندما تأخرت اليونان سنتين من قيام الاتحاد بسبب شروط الانضمام في ذلك الوقت ورفضت كل من الدنمارك والسويد وبريطانيا الانضمام إلى العملة الموحدة.
أدى الإخفاق في العديد من الدول الأعضاء في منظومة اليورو بالالتزام بالمعايير التي وافقت عليها فيما يخص حجم الدين الحكومي إلى وقوع أزمة مالية كبيرة عام 2009.
وفي هذا السياق الجميع يذكر أن الأزمة المالية اليونانية عام 2010 والتي على أثرها وافق صندوق النقد الدولي على سلسلة برامج إنقاذ بلغت مليارات اليورو بعد أن هددت اليونان بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي إذا لم يساندها الاتحاد وتلتها مباشرة إيرلندا والبرتغال.
لكن تلك الإجراءات لم تفلح في إعادة الثقة بالأسواق؛ حيث كانت الديون المترتبة على إسبانيا وإيطاليا وقبرص تثير قلق المنظومة الأوروبية وبدأ بالتصدع ظاهراً، مما دعا ألمانيا وهي الممول الرئيسي للاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى فرنسا لاعتماد سياسات تقشف، علماً أن زعماء الاتحاد الأوروبي اتفقوا على الإشراف على إغلاق المصارف الخاسرة في دول الاتحاد الأوروبي.
في الوقت الذي تم الانضمام إلى الاتحاد هناك دول تعاني أساساً من خانقة اقتصادية لتزيد العبء على دول الاتحاد مثل التشيك وبلغاريا ورومانيا واستونيا والمجر وغيرها وتدفق المهاجرين إليها بأعداد لم يسبق لها مثيل عندما قررت أعداد هائلة من البشر أن تخاطر بحياتها للتوجه إلى أوروبا هرباً من الحروب الأهلية والإرهاب في إفريقيا والشرق الأوسط.
وكما يرى المراقبون من المتوقع أن يبقى الاتحاد الأوروبي مقتصراً على 28 دولة للسنوات الخمس المقبلة لأن أياً من الدول المرشحة ليست بصدد إتمام آلية الانضمام عدا عن أن عمليات الاستفتاء على الانشقاق والتي بدأت في إقليم كتالونيا الإسباني ومقررة في اسكتلندا وربما غيرها. مذكرين بلحظات سعيدة عاشتها أوروبا عند توحيد الألمانيتين وفي المقابل أسوأ اللحظات هو خروج بريطانيا من الاتحاد.
وكان تصريح لأبرز مسؤول في الاتحاد الأوروبي جاي فدهو فستاف أن الاتحاد الأوروبي «يمكن أن يختفي» يعكس واقع الحال في المنظومة الأوروبية.

* خبير مالي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"