إلى الغرب در . .

05:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
موجة عاتية من الهجرة عبر البحار شهدها العام ،2014 فيها سجل حافل بالضحايا، تسوده أسماء النساء والأطفال، وتغمره الدموع والدماء، وعنوانه البحث عن "عالم الأحلام"، الذي ظل بعيداً إلى الأبد .
ومن قُدرّ له النجاة من رحلة الموت، علق في شباك القوانين والأنظمة البعيدة عن العقل والضمير، والتي لم يحسب لها المنكوبون حساباً . أو هم قد جرى تضليلهم عن سابق قصد، بهدف الاتجار بآلامهم .
وعوضاً عن عالم الأحلام، مكث الكثير من هؤلاء، مع أطفالهم، في معسكرات الاحتجاز إلى أجل غير مسمى . وقليل فقط هم الذين خرجوا منها دون طول عناء وبلاء . ولكن حتى هؤلاء لا شيء مؤكد يضمن مستقبلهم .
إن الهجرة غير الشرعية عبر البحار تمثل اليوم إحدى الصوّر الأكثر خطورة ومجازفة في مسيرة الفرار من الرمضاء إلى الرمضاء . وغالباً إلى الهاوية . إنها مسيرة الدموع والآلام، والسير في النفق المجهول .
هو شرق يحترق بنار الاضطرابات الأمنية والسياسية والاجتماعية، التي لا أفق قريب لحلها أو تسويتها . وغرب يزداد تحصيناً ومنعة في وجه المهاجرين، وتزداد أسواره الحصينة متانة وارتفاعاً .
وبين شرق وغرب، ثمة سوق مزدهر لتجارة البشر . أو لنقل التجارة بالدموع والآلام وأنين الثكالى .
وقد عرّفت الأمم المتحدة "تهريب المهاجرين" على أنه تدبير الدخول غير المشروع لأحد الأشخاص إلى دولة، ليس ذلك الشخص من مواطنيها، أو من المقيمين الدائمين فيها . وذلك من أجل الحصول، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على منفعة مالية، أو منفعة مادية أخرى . ويُقصد بتعبير "الدخول غير المشروع"، عبور الحدود دون تقيّد بالشروط اللازمة .
ويلجأ المهربون على نحو متزايد إلى ابتزاز المهاجرين بحيث يطلبون منهم أن يدفعوا مبالغ أكثر من تلك المتفق عليها، وفي كثير من الأحيان يتم ذلك عن طريق احتجازهم خلال الطريق، أو حتى عند وصولهم إلى الوجهة المقصودة .
وتفيد تقارير الأمم المتحدة، بأنه خلال الطرق الطويلة في نظام "ادفع أولاً بأول"، لا يعرف المهاجرون عادة سوى المهربين الذين يأخذونهم في المحطة الأولى في رحلتهم . وبعد ذلك، ربما يسافرون بمفردهم لجزء من الطريق أو يتم تسليمهم من مهرب لآخر من خلال ما يجري تعريفه بأنه "سلاسل غير رسمية" أو "تحالفات فضفاضة"، تختلف عن الشبكات الأكثر تنظيماً المعهودة في عمليات الاتجار في البشر .
وقد أوصى "بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية"، الذي بدأ سريانه عام ،2003 بعدد كبير من الإجراءات الواجب على الدول اعتمادها للقضاء على تجارة البشر، ومعالجة أسبابها المادية والثقافية .
أما حقوق اللاجئين، الذين وصلوا إلى وجهاتهم المستهدفة، فقد جرى تنظيمها في عدد كبير من المواثيق الدولية، منها اتفاقية جنيف لعام ،1949 واتفاقية حقوق اللاجئين لعام ،1951 والتي دعمت ببروتوكول عام 1967 . وذلك بالطبع، فضلاً عن بنود عديدة وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر في العاشر من كانون الأول ديسمبر 1948 .
على صعيد المعطيات الجديدة الخاصة بالهجرة، تفيد بيانات الأمم المتحدة بأن العام 2014 قد شهد ارتفاعاً كبيراً في معدّلات النزوح الجماعي جراء الحروب والصراعات، التي تواجه مناطق مختلفة حول العالم .
وفي يونيو/ حزيران الماضي، أعلنت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أنّ عدد النازحين قسراً بلغ على صعيد عالمي 51 .2 مليون نازح . وهو مستوى غير مسبوق في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية . وتستقبل الدول النامية المجاورة لمناطق الصراع تسعة من كل عشرة لاجئين في العالم تقريباً .
وفي بيان أصدرته، في الأول من إبريل/ نيسان ،2014 بمناسبة اليوم العالمي للمهاجرين، أفادت المنظمة الدولية للهجرة أن ما لا يقل عن 2360 مهاجراً لقوا حتفهم، وهم يحاولون عبور الحدود خلال العام الماضي، كذلك، لقي أكثر من ثلاثة آلاف مهاجر مصرعهم في البحر الأبيض المتوسط منذ مطلع العام ،2014 أغلبهم قدم من سوريا ودول عربية وإفريقية، وفقد حوالي 22 ألف مهاجر حياتهم خلال عبورهم المتوسط منذ العام 2000 .
ويقدم البحر المتوسط نموذجاً لمسارات الهجرة المحفوفة بكافة أشكال المخاطر، والمجازفة بالحياة .
وتشير الصورة الراهنة للهجرة من الشرق الأوسط إلى أوروبا إلى مستوى متعاظم من تدفق الأفراد والأسر عبر الحدود الشائكة والوعرة . وتعبر هذه الصورة، في أحد مضامينها، عن حالة الاضطراب الأمني والسياسي التي باتت تعيشه عدد من دول المنطقة .
على صعيد الطرق البرية، هناك مساران رئيسيان لحركة الهجرة من الشرق الأوسط باتجاه أوروبا: الأول، يشمل السفر من أفغانستان وباكستان وإيران والعراق وسوريا، عبر تركيا، إلى بلغاريا أو اليونان، ثم إلى دول البلقان وإيطاليا . وفي نهاية المطاف إلى بلدان مختلفة في أوروبا الغربية، وفي المسار الثاني، يعبر المهاجرون رومانيا إلى هنغاريا والنمسا وسلوفاكيا والتشيك، وفي نهاية المطاف إلى ألمانيا .
وفي كلا المسارين تكون تركيا الجسر البري بين الشرق والغرب، والنقطة التي يختارها المهاجرون لمواصلة الرحلة عبر بلغاريا أو اليونان .
وعلى صعد تداعيات هذا الوضع على سلامة المهاجرين، قدرت الأمم المتحدة عدد الأشخاص الذين يعتقد أنهم غرقوا قبالة السواحل الليبية في محاولتهم عبور البحر المتوسط هذا العام ب 217 شخصاً، وذلك حتى منتصف يوليو/ تموز 2014 .
وقبل عام من الآن، قال رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات، في تصريح يعكس حالة التشاؤم السائدة حيال التحرك الأوروبي لمعالجة قضية الهجرة المقبلة من الشرق: "واقع الأمر أننا، مع استمرار الوضع الراهن، إنما نبني مقبرة في بحرنا المتوسط" .
ورأى موسكات أنه لن يحدث أي تقدم حقيقي إلى أن يعود النظام على طول الساحل الإفريقي . و"حتى يتحقق حل دائم، أو على الأقل طريقة أفضل للتعامل مع مشكلة الهجرة غير الشرعية، لا بد من خلق الاستقرار في ليبيا" .


عبدالجليل المرهون

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"