الإطار الاستراتيجي الأمريكي - الروسي

05:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

تكتسب قمة أوباما - ميدفيديف أهمية بالغة بعد تراجع العلاقات الروسية - الأمريكية في عهد الرئيس السابق جورج بوش. ثمة ملفات استراتيجية كبرى تنتظر المعالجة، بدءاً من العلاقات البينية والمصالح المتبادلة وصولاً إلى الأسلحة الاستراتيجية والأمن الدولي.

ما الذي تبدل في الإعلان الروسي الأمريكي المشترك تحت عنوان من أجل إطار استراتيجي، الذي أعلنته قمة بوش بوتين في ابريل/ نيسان من العام الماضي؟

ما يبرر طرح مثل هذا السؤال وجود إدارة أمريكية جديدة تعتمد سياسة الحوار والدبلوماسية المرنة في العلاقات الخارجية، ناهيك عن الأزمات الدولية المتلاحقة حول الأمن الأوروبي والأمن الروسي، والأزمة المالية والاقتصادية الراهنة التي تضرب النظام العالمي. في القمة السابقة، أكد الجانبان على العمل معاً لمنع انتشار الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وعلى ضرورة أن يقتصر البرنامج النووي الإيراني على جوانب (تطبيقية سلمية). وفي القمة الجديدة إصرار على معالجة الملفين النوويين الإيراني والكوري، علماً بأن الملف النووي الإيراني سلمي بينما يحمل الملف الكوري تحدياً نووياً حقيقياً بعد إجراء التجارب الفنية وإطلاق الصواريخ البالستية. ومن المتوقع أن تتكثف الضغوط على طهران وبوينغ يانغ من دون أن تصل إلى مرحلة المواجهة المسلحة.

في القمة السابقة، إشارة إلى إرادة مشتركة لتقليص الترسانة النووية إلى أدنى مستوى من دون التوصل إلى اتفاق محدد في هذا المجال. اليوم يعاد البحث بعقد اتفاق جديد بخصوص الأسلحة الاستراتيجية بعدما تعطل تنفيذ اتفاقية ستارت 2 الموقعة في العام ،1993 والداعية إلى تخفيض الترسانة النووية الأمريكية إلى 3500 رأس نووي، والترسانة النووية الروسية إلى ثلاثة آلاف رأس نووي، على أن ينجز مضمون هذه المعاهدة في نهاية العام 2003.

من المتوقع أن يعمد الطرفان إلى وضع آلية تنفيذ لاتفاقية ستارت 2، خاصة أن مفاعيل اتفاقية ستارت 1 تنتهي في العام الجاري ما لم يتفق الطرفان على تمديدها أو التوصل إلى اتفاقية بديلة. في مجمل الأحوال، الترسانة المتبقية لدى كل طرف كافية لتدمير العالم في حرب نووية. وهذا ما يطرح أكثر من سؤال حول شعار يرفع في المناسبات الأممية: نحو عالم غير نووي.

إلى ذلك، ستتمسك موسكو برفض التوسع الأطلسي نحو أوروبا الشرقية، ورفض نصب شبكة الدرع الصاروخية الأمريكية في بولونيا وتشيكيا. في المقابل، تحرص إدارة أوباما على فتح صفحة جديدة في العلاقات مع روسيا، وتجاوز التراجع الخطير في العلاقات الروسية الأمريكية الذي حصل في العهد الثاني للرئيس بوش. أوباما يريد استعادة أجواء الثقة، بيد أنه لن يسلم بمجمل المطالب الروسية المطروحة. في (الإطار الاستراتيجي) قبل أكثر من سنة إشارة إلى اهتمام بإنشاء نظام دفاعي مشترك مضاد للصواريخ مع أوروبا تشارك فيه الأطراف الثلاثة: الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوروبي. قد يعاد البحث بهذا النظام وسط خلافات دولية على غير مستوى منها:

1- الرغبة الأمريكية في تنويع مصادر الطاقة، في مقابل إصرار موسكو على تأمين أمن الطاقة من خلال قدراتها وطرق الإمداد إلى أوروبا.

2- ثمة اجتهادات مختلفة حول مكافحة الإرهاب، خاصة بعد اعتراف الإدارة الأمريكية الحالية بفشل الإدارة السابقة في هذا المضمار. والقيادة الروسية الحالية تسمح للأمريكيين بالوصول إلى أفغانستان من دون أن تشارك واشنطن في برنامج مكافحة الإرهاب، ولا في تصنيف الإرهابيين.

3- لم يعد انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية مسألة مطروحة كما كانت في القمة السابقة. هناك متغيرات كبرى في النظام العالمي على مستويات الاقتصاد والطاقة والنظام النقدي، تحت وطأة الأزمة العالمية. وقد تقود إلى مراجعات فكرية وسياسية، وربما قانونية للتجارة العالمية والنظام الاقتصادي العالمي.

في مجمل الأحوال، روسيا اليوم تختلف عما كانت عليه في عهد الرئيس الأسبق بوريس يلتسين. لقد تجاوزت أزمات الداخل في الاقتصاد والأمن والاجتماع نسبياً، وهي تسعى لاستعادة بعض الإرث الامبراطوري. هذا ما تدركه الإدارة الأمريكية التي أنهكتها حروب مكافحة الإرهاب، فضلاً عن أزمتها المالية الضاغطة. والاتحاد الأوروبي لم يعد مندفعاً نحو أمن أوروبي بمعزل عن روسيا، أو بالتناقض مع السياسة الروسية. ثمة مصالح مشتركة روسية أوروبية في طليعتها أمن الطاقة الذي يعتبر موضوعاً مستمراً وضاغطاً على هذه المصالح.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"