الاستيطان الصهيوني والنفاق الدولي

05:46 صباحا
قراءة 4 دقائق

كلما طرق سمعي مصطلح المجتمع الدولي استبدت بي رغبة شديدة في الضحك، وكلما سمعت أحداً يراهن على المجتمع الدولي لإحقاق حق أو إبطال باطل، أو ينتظر ذلك من الشرعية الدولية، استغرقتني حالة من الكآبة تصل حد الرغبة في البكاء . وقد مررت في الحالتين قبل أيام، عندما سمعت وقرأت عن تقرير لجنة ليفي الإسرائيلية حول الاستيطان في الضفة الغربية، ومواقف المجتمع الدولي منها .

لقد انتهت لجنة ليفي، التي عينها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، برئاسة القاضي إدموند ليفي، لإعداد تقرير يستبدل به تقرير القاضية الإسرائيلية تاليا ساسون الذي كان قرر أن البؤر الاستيطانية العشوائية غير شرعية، والذي قبلته الحكومة الإسرائيلية في حينه، إلى أن إسرائيل ليست سلطة احتلال في الضفة الغربية، وأن الضفة ليست أرضا محتلة، ولا تنطبق عليها قيود الاستيطان فيها والذي لا يتعارض مع القانون الدولي . ولقد اعتبرت المحامية الإسرائيلية، تاليا ساسون، تقرير لجنة ليفي متناقضا بصورة فظة مع كافة التشريعات الدولية والقانون الدولي . وقالت القاضية تاليا شوشان: إذا كانت لجنة ليفي تهدف من وراء تقريرها إلى جر الحكومة للقول إن القانون الدولي لا يسري على المناطق المحتلة، فإنها بهذا تكون قد وضعت إسرائيل في مواجهة مع العالم .

والحقيقة أن نتنياهو منافق كبير، وهو أمر بتشكيل لجنة ليفي لتقول ما قالته في تقريرها، وليس صحيحا أن اللجنة تريد أن تجر حكومة نتنياهو إلى القول بأن الاستيطان لا يتناقض مع القانون الدولي، كما ذهبت تاليا شوشان . لكن النفاق الذي مارسه نتنياهو لم يكن من اختراعه، بل هو أصلا من اختراع المجتمع الدولي والشرعية الدولية . وفي تاريخ القضية الفلسطينية، عشرات بل مئات الأدلة على هذا النفاق، وقد أصبح معروفاً منذ زمن بعيد جداً أن دوافع الأوروبيين لإقامة وطن يهودي في فلسطين لم تكن لأنهم كانوا يؤمنون بالأساطير الصهيونية التي خلقوها هم قبل أن تخلقها الحركة الصهيونية، ولا لأن الذين بذلوا أكبر الجهود من أجل إقامة هذا الوطن كانوا مؤمنين بالتوراة وما جاء فيها من أساطير، حيث كان أبرزهم ملحدين ولا ساميين أيضا . وبالتأكيد لم تكن تتعلق بالشفقة على اليهود الذين تعرضوا للاضطهاد على أيديهم، بل بالرغبة في التخلص منهم، إلى جانب أهداف استعمارية معروفة كانوا يسعون إليها .

ويجدر بنا، أولا، أن نتساءل عن مصير عشرات القرارات التي اتخذها المجتمع الدولي بشأن القضية الفلسطينية منذ العام ،1947 على الأقل، وما الذي جرى تنفيذه منها، لنقف على حجم النفاق الذي مارسه وهو يزعم أنه يفعل ذلك حرصا على إرساء العدل وإحلال السلام في المنطقة والمحافظة على السلام والأمن الدوليين . وفيما يتعلق بموضوع الاستيطان، نذكر أنه منذ ما يقرب من العامين توقفت أكبر عملية نفاق مارسها هذا المجتمع باسم عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين، بسبب الاستيطان ورفض الحكومة الإسرائيلية الحالية تجميد العمليات الاستيطانية . فماذا فعل المجتمع الدولي في هذا السبيل؟

على سبيل المثال وليس الحصر، أكد الاتحاد الأوروبي في إبريل/نيسان الماضي، في تقرير له، أن إسرائيل تنفذ سياسة منهجية لضم القدس وتعزيز طابعها اليهودي، وبشكل يسد الطريق أمام حل الدولتين . لكنه لم يقدم على أكثر من إصدار بيانات تسجل مواقف خجولة في إطار عملية النفاق المتواصلة .

وفي 22 مارس/آذار الماضي، وافق مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على إنشاء أول لجنة تحقيق دولية مستقلة بشأن تداعيات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية . وفي السادس من يوليو/تموز الجاري عين المجلس ثلاثة خبراء كأعضاء في هذه اللجنة للقيام بمهمة التحقيق . ولكن ما الذي سيفعله المجلس بعد ذلك؟ الجواب تقرير آخر، أو بيان آخر يضاف إلى مجموعة التقارير والبيانات التي صدرت منذ يونيو/حزيران ،1967 والتي لم توقف أو حتى تؤخر عمليات الاستيطان الصهيوني .

في الوقت نفسه، نددت موسكو بتوصيات لجنة ليفي، وقالت في بيان للخارجية، نقلته وكالة نوفوستي للأنباء، إن التوصيات والاستنتاجات التي أوصت بها لجنة ليفي تمثل تقويضا لاحتمالات التوصل إلى التسوية السلمية للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي . واعتبر البيان الاستيطان غير قانوني . جاء هذا التنديد بعد زيارة فلاديمير بوتين الأخيرة إلى الكيان الصهيوني بأيام، هذه الزيارة التي قرأ فيها بوتين تاريخ الشعب اليهودي على حائط البراق .

أما موقف الولايات المتحدة، فجاء على لسان الممثل الأمريكي في مجلس حقوق الإنسان، والذي كرر ما تقوله دائما الخارجية الأمريكية، بأن: الموقف الأمريكي من المستوطنات واضح ولم يتغير . إن الجميع يعرفون حقيقة هذا الموقف الذي يتلخص بعدم الاعتراف بشرعية الاستيطان قولا والتغطية عليه عملا، وهو ما سمح للحكومات الإسرائيلية بإقامة 151 مستوطنة في الضفة الغربية منذ ،1967 تضم نحو نصف مليون من المستوطنين . وقد تولت صحيفة (نيويورك تايمز- 11-7-2012) شرح حقيقة الموقف الأمريكي عندما وصفت توصيات لجنة ليفي بأنها أداء سيئ، وسياسة سيئة، ودبلوماسية سيئة، لأنها تقود إلى صرف الأنظار عن الملف النووي الإيراني، وإعادة تركيز الضوء على القضية الفلسطينية، والاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية .

لقد كانت القوة دائما هي الطريق إلى تحقيق العدل، والدفاع عن الحق، أما الضعف، والرهان على الآخرين، خصوصا إذا كانوا يسمون المجتمع الدولي، فلا يعدو كونه رهانا على السراب، وهذا أيضا شكل من أشكال النفاق .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"