البطالة.. وأثرها الاقتصادي والاجتماعي

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
مشكلة البطالة هي من أخطر المشكلات التي تواجه اقتصادات العالم لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فالبطالة من الأمراض الاجتماعية السيئة بما تحمله من شرور تؤدي بالنهاية إلى تفكك المجتمع وتشويه القيم الأخلاقية وخاصة إذا كانت تنتشر بين الفئات العمرية القادرة على العطاء والتي تمتلك مخزوناً من الطاقة الإنتاجية؛ حيث إن الإحصاءات العلمية توافقت على أن للبطالة آثارها السيئة على الصحة النفسية والجسدية من حيث إن العاطلين عن العمل يشعرون بالفشل والإحساس بانخفاض قيمهم الاجتماعية مقارنة بالذين يزاولون أعمالاً وأنشطة إنتاجية وتشعرهم بالنقص.
فالبطالة تبدأ من أنظمة غير مستقرة ولا تتمتع بنوع من الهدوء تحكمه أمزجة فردية لا تعير الاقتصاد أي نوع من الاهتمام، وينعكس ذلك بالتالي على تدهور اقتصادي، الذي يؤدي بالنهاية إلى البطالة، التي بدورها تؤدي إلى الفقر والعداء تجاه المجتمع ثم الانحراف والسلوك الإجرامي بسبب تعرض العاطل عن العمل بعدم الرضا والضغوط النفسية التي تسببها الضائقة المالية.
إن شبح البطالة ألقى بظلاله على قطاعات واسعة من المجتمع بحيث تنجم عن تلك البطالة المظاهر السلبية مثل انتشار دائرة الفساد المالي والإداري وانخفاض مستوى التعليم كماً ونوعاً، وتزايد ظاهرة عمالة الأطفال وترك مقاعد الدراسة مبكراً كنتيجة طبيعية لتدني الحياة المعيشية وانتشار الفقر وخسارة المجتمع لجزء من قوة العمل، هذا عدا عما يصيب الشباب المتعطل من إحباط نفسي يدفعه إلى الإقدام على ممارسات سلوكية ضارة بالمجتمع.
إن السياسات الاقتصادية السليمة هي البداية الواجب تبنيها للقضاء على البطالة، ولتمكين المجتمع من الاستمرار في طريق التطور والتقدم وتحقيق المعدلات الاقتصادية.
إن معالجة هذه الظاهرة تتطلب التعاون من جميع القطاعات مثل دعم وتشجيع القطاع الخاص ليأخذ دوره بالمشاركة في تقليل نسب البطالة عن طريق مساهمته في خلق فرص عمل تتناسب ومقدراته والتوسع في التدريب والتأهيل للقوى البشرية العاملة والارتقاء بمستوى التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية كما أن إصدار القوانين الخاصة بجذب الاستثمار الأجنبي الذي يؤدي إلى نتائج إيجابية على البطالة وليس الاستثمار الذي يهتم فقط بفوائده الربحية والاستفادة من الامتيازات الممنوحة له.
كما أن إصدار قوانين تسهل انتقال اليد العاملة من جهة إلى أخرى تساعد على سد فراغ المهن المطلوبة والفائضة بمكان آخر.
من جهة أخرى، إن الاعتماد على استيراد وعدم السعي إلى التصنيع يؤديان إلى نقص فرص العمل ويفاقم المشكلة؛ لذا التشجيع على الاستثمار في الصناعات المحلية يساهم في تقليل حجم العاطلين عن العمل. تشجيع العمل الحر للابتعاد عن النظرية السائدة إن الحكومات هي مسؤولة عن تشغيل الخريجين.
وحتى الدول الأوروبية المتطورة تضع معيار البطالة واحداً من أهم المؤشرات لتقييم الأداء الحكومي وبناء القرارات الاستراتيجية وعلى سبيل المثال شهدنا ذلك في الاستفتاء لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ حيث عانى البريطانيون من المهاجرين الأوروبيين، الذين اتهموا بأنهم استحوذوا على فرص الوظائف في البلاد.
هناك أنواع من البطالة مثل البطالة الموسمية، التي تحدث نتيجة الظروف الاقتصادية أو المناخية وخاصة في البلدان السياحية التي تعتمد على السياحة في مواسم معينة من السنة، والبطالة الهيكلية التي تحدث بسبب تغير هياكل وأساليب الإنتاج لتحل التقنيات المتطورة محل العمالة اليدوية، والبطالة المقنعة التي تتسبب في تكديس عدد كثير من العمال الذين ليس لهم نية في العمل في مجالات لا يرغبون في العمل بها وهذا أخطر أنواع البطالة.
ولكن هناك بطالة إجبارية التي لا اختيار للإنسان بها وإنما فرضت عليه أو ابتلي بها كأسباب أنه لم يتعلم مهنة في الصغر ويفتقد إلى رأس المال وعدم معرفته بالتجارة أو لا يريد أن يعمل بمحض إرادته.
إن خير مثال للحلول تجربة الاقتصادي البنجلاديشي الدكتور محمد يونس والحائز جائزة نوبل للسلام؛ لأنه ابتدع ما يسمى بنك الفقراء، ويتلخص مشروعه في إعطاء قروض صغيرة للفقراء لعمل مشروعات صغيرة تفيد مجتمعهم وتخرجهم من البطالة والفقر.
قد لا تكون هذه هي كل الحلول ولكنها تسهم بشكل كبير في انخفاض البطالة. إن مكافحة البطالة ليست شأناً خاصاً؛ بل هو مجتمعي شامل والحل الجذري هو المطلوب.
* سمارة محمود سمارة
خبير مالي عضو جمعية المحاسبين ومدققي الحسابات
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"