العيد وأعاصير المال

04:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
العيد يعيد للأذهان التوافق، كما للميزان التوازن، ويمنح الوجوه بسمة مهما كانت مكفهرّة وعابسة، فنجد المفلس والمليونير معاً في ملابس جديدة ويجلسون حول أطباق شهية، الثري والفقير يبتسمان معاً في صفوف المعيدين، فالعيد يرسم لذوي الأعصاب المنهارة هدنة سواء كانوا ضحايا الانهيارات المالية او المائية أو الاثنين معاً أو ضحايا أعاصير مثل تسونامي المائي وليمان براذرز المالي، فمهما كانت الصدمات فالأعياد توفر للمصدومين فترة للراحة.

فأهلاً بكم في عيد الفطر المبارك، الذي يصادف في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول في معظم البلدان الاسلامية.

والأعياد كالبحر، فيه غواصون من الانتهازيين والتجار الجشعين الذين ينتشرون في الاسواق المحلية والبقالات والجمعيات التعاونية ويرفعون الاسعار على المستهلكين البسطاء.

أما في العالم، وخصوصاً في الولايات المتحدة فحدث ولا حرج، فهناك الرأسمالية الجشعة التي تمسك بتلابيب العالم وتقوده إلى حتفه ليس عسكرياً فحسب، إنما مالياً واقتصادياً جراء الجشع وانعدام الشفافية والمضاربات فالانهيار المالي الأمريكي بمضاعفاته وآثاره الجانبية القاتلة بات يهدد عالمنا واقتصادنا اللذين لا ناقة لهما ولاجمل بما حصل ويحصل من إعصار مالي هناك.

وها هي سترة نجاة وهمية أرسلتها الحكومة الأمريكية إلى الكونجرس بخطة إدارة الرئيس جورج بوش لمكافحة الأزمة المالية قد تكلف 700 مليار دولار وتمتد لعامين. حيث جاء أخيراً في اقتراح تشريعي، قدم إلى الكونجرس وقيادتي الحزبين الجمهوري والديمقراطي ان صفقة إنقاذ المؤسسات المالية الأمريكية التي تقترحها إدارة بوش ستبلغ تكلفتها 700 مليار دولار. وتدعو الخطة إلى زيادة سقف الاقتراض الأمريكي إلى 315.11 تريليون دولار. ويقوم وزير الخزانة الامريكي بتقديم تقرير للكونجرس خلال 3 أشهر بعد ان تستخدم الحكومة الجديدة صلاحياتها.

الخطة الأمريكية لإنقاذ وول ستريت ب 700 مليار دولار، والتي تهدف إلى تخفيف اسوأ ازمة مالية منذ الركود العظيم والتي يناقشها الكونجرس، لم تواجهها إلى الآن خطط واضحة لصناديق الخليج السيادية التي خسرت المليارات في البنوك الغربية هذا العام والعام الماضي، والقيام بعمل إنقاذي مماثل رغم هبوط اسواق الأوراق المالية الخليجية إلى أدنى مستوى لها منذ 17 شهراً ومباشرة بعد انهيار ليمان براذرز. فرغم تجاوز سعر النفط لأول مرة في تاريخه 100 دولار للبرميل، لامستنا الآثار السلبية للعواصف الامريكية وأعاصيرها وأزمة الائتمان اكثر من انتعاش أسعار النفط وآثارها الايجابية في منطقتنا المصدرة والمنتجة الاولى للنفط في العالم.

لكن ولله الحمد، جاءت الآراء ووجهات نظر القيادات الخليجية التي اجتمعت اخيراً في الأممم المتحدة متوافقة، فدول الخليج العربية التي خسرت استثمارات بمليارات الدولارات في بنوك غربية مضطربة، اتفقت على ان هناك حاجة ملحة لتنسيق الجهود للحيلولة دون المزيد من الركود، كما ابلغ المسؤولون الخليجيون الجمعية العامة للأمم المتحدة ان هذا الجهد لا بد وأن يتضمن اجراءات لمعالجة نقاط الضعف وإعادة الاستقرار إلى النظام المالي ومنع تكرار مثل هذه المواقف مرة اخرى.

فكان لسمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الامارات العربية المتحدة رأي الواضح والمتوافق مع آراء إخوانه المسؤولين الخليجيين بشأن الحاجة الملحة لآلية عالمية مشتركة، إذ قال سموه انه لابد من إقامة قواعد شفافة تطبق بشكل جيد لتنظيم الاسواق المالية الدولية. كما قال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي انه لا توجد منطقة في العالم لم تتأثر بمضاعفات أزمة الائتمان الامريكية، التي كان لها تأثير في النظام المالي الدولي ومن ثم تقويض الاقتصاد العالمي، وانه يخشى قرب حدوث ركود عالمي اذا ادت هذه الازمة إلى اتخاذ الدول المتقدمة اجراءات قد تحد من حرية التجارة الدولية وخفض تدفق الاستثمارات، واضاف أنه لن يكون من الإنصاف ان نحمل البعض اعباء تتجاوز قدراتهم ونتساهل مع البعض الآخر الذين كانوا اكثر اسهاماً في تفاقم المشكلة وهم اليوم اكثر قدرة على تحمل الاعباء، كما وافقه الرأي وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن احمد آل خليفة بتأكيده أن الأزمة التي واجهها القطاع المالي العالمي في الآونة الأخيرة كادت أن تؤدي إلى كارثة اقتصادية عالمية، وانها كشفت مدى هشاشة النظام العالمي، وأن أي اتفاقية عالمية لابد أن تؤمن نظاماً مالياً يتيح فرصاً متساوية لكل الأطراف.

هذه الوقفة الوفاقية في وجه الإعصار المالي تمثل أجمل هدية وأغلى عيدية لشعوب المنطقة والعالم، وهي رسالة مفادها أن منطقتنا بقياداتها بخيراتها واقتصاداتها لن تركع لغير الله الذي اعطاها النفط والرجال، فليبق نفطها بيد رجالها. وعساكم من عواده.

[email protected]

www.unipex.org

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب إماراتي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"