القبضة المفككة

05:09 صباحا
قراءة 4 دقائق

أوصاف عديدة أُطلقت على قمة الناتو التي انعقدت يومي 20 و21 من الشهر الجاري في ولاية شيكاغو الأمريكية، من بينها أنها استثنائية وأنها الأولى التي تعقد في الولايات المتحدة منذ عشرة أعوام، والغائب في كل ما قيل هو تسميتها الحقيقية، بكونها قمة الـ مساعدة للولايات المتحدة للخروج بماء الوجه من الوحول الأفغانية .

القمة شارك فيها 50 وفداً للدول الأعضاء في حلف الناتو ودول وُصفت بالصديقة وكان الموضوع الرئيسي لانعقادها أفغانستان ما بعد 2014، أي ما بعد اكتمال انسحاب القوات الدولية، كما هو معلن من الولايات المتحدة التي لها منذ غزو هذا البلد قوات ضخمة بعددها وعتادها الحربي تشاركها دول أخرى بقوات مساعدة وبعض آخر لها قوات شبه رمزية .

بحسب إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما تبدأ المرحلة الثانية بعد أن كانت الأولى المساعدة في بناء الجيش الأفغاني بما يمهد لانسحاب القوات الدولية عام 2014 .

القمة أعطت أولوية في أفغانستان للمسائل العسكرية والأمنية، وعلى هذا أُعلن على أن تعاون الناتو مع أفغانستان سيمتد لأمد طويل بعد 2014 .

وإذا ما أشرنا إلى أن القمة سبقتها قمة أفغانية ألمانية جمعت في برلين الرئيس الأفغاني حامد قرضاي والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل وتمخض عنها اتفاقات تعاون في طائفة من المجالات؛ فإن اللافت في هذه التطورات تفكك القبضة الحديدية العسكرية والأمنية والسياسية والدبلوماسية التي أحكمتها الإدارة الأمريكية على هذا البلد منذ غزوها؛ فما هي الأسباب التي قادت إلى هذه النتيجة؟

نظرياً كان الرئيس الأمريكي قد وضع من بين أبرز أهداف حملته الانتخابية الرئاسية التي خاضها وفاز فيها في جولتها الأولى، سحب القوات الأمريكية من العراق ووضع نهاية للحرب في أفغانستان في فترة قصيرة بدت في الأجواء الإعلامية أنها ستكون في غضون أشهر قليلة .

لكن عملياً، كما جرت الأمور، كشفت من جهة، غياب الرؤية لبلوغ هذا الهدف وهذا ما بدا بالتخبطات في شأن القوات الأمريكية في أفغانستان وسحب أعداد منها على طريق تقليصها، وقبل أن تبدأ هذه بالانسحاب يجري إرسال أعداد إضافية وتفوق تلك التي انسحبت، ومن جهة ثانية تزايدت وتيرة تداعيات الغزو والاحتلال .

ودونما الخوض في الخسائر المادية والبشرية وهي في الأولى تحسب بالمليارات وفي الثانية تصاعد الأرقام، يمكن القول إن أفغانستان ريفاً ومدينة باتت بيئة مناهضة للوجود العسكري الأجنبي وبخاصة الأمريكي، وهذا يعود إلى طبيعة وجود هذه القوات وإلى وسائلها وأساليبها الوحشية، بالإضافة إلى أن هذا البلد كان مقبرة للغزوات الاستعمارية والأمريكية والذين أخطأوا كسابقيهم حين اعتقدوا أن تصفية طالبان من أجهزة السلطة لن يقيم لها بعدها قائمة، لأن هذه الحركة استعادت وجودها في فترة قياسية ومواجهتها لهذه القوات متواصلة ومتزايدة، وهذه القوات وحلفاؤها باتت أمام قرابة 125 جماعة أفغانية مسلحة .

على هذه الوضعية التي فشلت فيها الآلية العسكرية في الحسم وعجزت المحاولات الدبلوماسية والسياسية الأمريكية، ومن ذلك المفاوضات مع طالبان لاحتوائها، كان اللجوء إلى هذا الخيار الذي يسعى الرئيس الأمريكي استثماره انتخابياً من زاويتين، الأولى الخروج من المستنقع الأفغاني بمترتباته، والثانية البقاء الأمريكي في أفغانستان تحت مظلة الناتو لإدارة الأمور في سياق الاستراتيجية الأمريكية في هذه المنطقة .

هل هذه خطة بديلة؟، إذا سارت الأمور من دون مستجدات وانسحبت القوات الأمريكية في موعدها سيكون الحديث عن جهد بذله أوباما لخروج القوات الأمريكية من أفغانستان بماء الوجه، أما غير هذا فالأحداث والتطورات لن تمضي بالمشيئة الأمريكية، ولو لم يكن الأمر كذلك لما كانت الولايات المتحدة تقدمت تجاه دور الناتو وتراجعت عن فرض قبضتها الحديدية على أفغانستان .

وفي قمة شيكاغو كان هناك ما هو لافت، وهو غياب الرئيسين الروسي والصيني عن القمة، وبينما كان الأول مثار تعليقات بل وردود أفعال أمريكية غاضبة، برر بوتين غيابه بموعد تشكيله وحضوره لقاء مع وزراء الحكومة الروسية الجديدة، ولأن الأمريكيين لم يستسيغوا هذا التبرير رغم أن بوتين أبلغ أوباما بقراره قبل أسبوع من انعقاد قمة الناتو، كان إعلان الإدارة الأمريكية إن أوباما لن يحضر قمة الأبيك التي ستعقد في سبتمبر/ايلول المقبل، وبررت هذا الإعلان بازدحام جدول أعماله بسبب الحملة الانتخابية الرئاسية التي يخوضها في جولة ثانية .

أهمية حضور بوتين يقود إلى تنامي حضور روسيا في المسرح الدولي، وهي دولة ليست كبيرة وحسب، بل لديها إمكانية التأثير في الأحداث والتطورات المتسارعة، والرغبة الأمريكية خاصة والغربية عموماً في مشاركة بوتين في القمة تعود إلى كونها تعنى بالشأن الأفغاني الدولة الجارة لروسيا .

لماذا لم يحضر بوتين قمة الناتو في شيكاغو؟

هناك في الواقع أسباب مختلفة، فالرئيس الروسي بطبيعته السياسية متشدد تجاه الغرب ربما بالقدر الذي يدفع الغرب للتدخل في شأن روسيا، والدوائر الغربية الناشطة خاضت معركة مناهضة ضد بوتين أثناء خوضه الانتخابات الرئاسية وذهبت وزيرة الخارجية الأمريكية إلى التشكيك بنتائج الانتخابات التي فاز فيها بوتين وطالبت بإلغائها، ومصادر روسية تشير إلى أن الأمريكيين قدموا أموالاً لجماعات روسية للتأثير ليس على الانتخابات فقط بل والحياة السياسية في روسيا .

طائفة الخلافات الروسية الأمريكية والغربية عميقة ومتسعة، والأبرز ما تعتبره روسيا لعبة خلط الأوراق لهذه الدول بين حق الشعوب في الانعتاق من الاستبداد وبين محاولاتها إعادة إنتاج الاستعمار بالتدخلات السافرة تحت ذرائع المساعدة .

على أن ما هو جدير بالإشارة إليه هو أن بوتين لم يذهب إلى قمة شيكاغو حتى لا يصير شاهد زور على الدور المستقبلي لالناتو في أفغانستان ومطلوب منه المباركة والمساعدة ليس لأفغانستان بل لاستراتيجية الغزو .

كاتب وصحفي من اليمن

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"