بوتين الجديد الشجاع

05:09 صباحا
قراءة 3 دقائق
بعد ثلاثة أشهر من تمكن المحتجين من الإطاحة بالرئيس الأوكراني فكتور يانكوفيتش وحكومته والذي أطلق العنان لموجة من الاضطرابات والفوضى، انتخبت البلاد رئيساً جديداً ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أرسل القوات لضم القرم عندما لاحت له الفرصة يبقى اللاعب الرئيسي في تشكيل مستقبل أوكرانيا وهو مستمر في دفع أوكرانيا، باتجاه طريق أخطر بكثير من الحرب الباردة الجديدة .
لقد سهّل بوتين مهمة أولئك الذين يسعون لفهم لروسيا عن طريق وضع نفسه بشكل حازم في مقعد القيادة فيما يتعلق بمستقبل روسيا، وفي واقع الأمر فإن أعماله تسترشد بهدف وحيد وهو ليس الطموح الامبريالي الذي عادة ما يعتقد أنه يحدد أفعال بوتين، وعوضاً عن ذلك فإن كل سياسة هي في واقع الأمر سياسة تتبع هدف بوتين الأسمى وهو حكم روسيا طوال فترة حياته .
لو نظرنا للأمر من هذا المنظور، فإن استراتيجية بوتين في أوكرانيا تعتبر متجانسة ومنطقية في جميع مراحلها، فلقد رأى في الاحتجاجات في ميدان الاستقلال في كييف إمكانية لأن تتجاوز أوكرانيا النظام السلطوي الفاسد لمرحلة ما بعد الشيوعية والذي يمثله نظامه . لقد خشي بوتين أن يكون تحرك أوكرانيا في اتجاه نموذج أوروبي من المنافسه الاقتصادية والسياسية تشجيعاً لمطالبات مماثلة في روسيا .
ومن أجل منع مثل هذه النتيجة كان يتوجب خنق الثورة ضد يانكوفيتش المعروف بفساده الكبير في مهدها وتشويه صورتها في أعين الشعب الروسي، ولقد كانت هذه الأهداف واضحة في الكلمة التي ألقاها بوتين في جمع من النخب السياسية الروسيه في مارس/آذار لاحقاً لضم القرم .
لكن أفعال بوتين في أوكرانيا قد عملت أكثر من إذلال الديمقراطيين في روسيا، فعن طريق التركيز على الأغلبية العرقية الروسية في القرم والإعلان عن الحق في "حماية" المنتمين إلى العرقية الروسية في الخارج، فإن أسطورته التي تم إضفاء الشرعية عليها تشمل الآن دور المخلص الوطني الذي يمكن أن يؤهله للاحتفاظ بالسلطة إلى إجل غير مسمى .
بالطبع فإن هناك أسطورة أخرى دعمت صعود بوتين لسلم السلطة وهي أسطورة ضابط شاب قوي من ال "كي جي بي" قادر على وقف تفكك الاتحاد الروسي عن طريق "إغراق" الشيشان وتحقيق الاستقرار للاقتصاد واستخدام ثروات البلاد من الموارد الطبيعية الضخمة في تعزيز الرخاء ولكن هذه الأسطورة قد بدأت بالتلاشي الآن .
لقد رأى بوتين بنفسه كيف يمكن أن تنهار الأسطورة الحاكمة، فلقد تمت استدامة الاتحاد السوفييتي عن طريق إيمان الناس بالشيوعية كوسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية وعندما تفككت الأسطورة تفكك الاتحاد كذلك .
ومنذ بداية حكمه سنة 2000 كان بوتين مصمماً على ألا يعمل الخطأ نفسه وبمساعدة وسائل الإعلام الروسية فهو يأمل في إعادة تشكيل نفسه كمنقذ روسي مما سيجبر أبناء جلدته من نفس العرقية في كل مكان على دعم قيادته ولغاية الآن يبدو أن هذا الأسلوب يحظى بالنجاح، فضم القرم حاز دعماً واسع النطاق في روسيا .
إن قبول كلا الطرفين خلال الحرب الباردة "للتدمير المؤكد المتبادل" أدى إلى اعتبار الأسلحة النووية كرادع مما عمل على تدعيم الاستقرار الاستراتيجي، وعلى النقيض من ذلك فبالنسبة لبوتين فإن التهديد باستخدام مثل هذه الأسلحة هو تكتيك منطقي جداً . لو أخذنا في الاعتبار جيشه التقليدي فإن بإمكانه فرض سلطته الدولية فقط عن طريق إطلاق يده في كامل الفضاء لمرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي وإزعاج الغرب بحرب نووية محدودة (والتي من المؤكد أنه يشعر أن بإمكانه تحقيق الانتصار فيها) لو تدخل أحد بطموحاته .
لقد ثبت أن هذه استراتيجية رابحة، فالرد المباشر للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على ضم روسيا للقرم كان إعلان أن التدخل العسكري "مستبعد تماماً" نظراً لأن أوكرانيا ليست عضواً في الناتو .

اندريه بيونتكوفسكي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"