بين واشنطن وموسكو

03:32 صباحا
قراءة 3 دقائق
عوني صادق
بعد أن أهدرت السلطة الفلسطينية ما يقرب من (23) عاماً قضتها متمسكة بوحدانية «الوسيط الأمريكي النزيه»، اعترفت خلالها أكثر من مرة ب «عبثية» المفاوضات التي تقودها وترعاها الولايات المتحدة فيما سمته «عملية السلام في الشرق الأوسط»، وطرحت خلالها أكثر من «حل ومبادرة» كان آخرها ما عرف باسم «حل الدولتين»، راحت تطفق بين العواصم العربية والعالمية تبحث عن «وسيط» يحل محل الوسيط الأمريكي أو يدفعه إلى «التحرك الجاد»! فمرة تنزل في القاهرة، ومرة تتبنى «مبادرة» باريس، وأخيراً حطت رحالها وصارت تحلم بوساطة تأتي من موسكو ويرعاها القيصر فلاديمير بوتين.
وقد كثرت التسريبات في الأيام الأخيرة حول اتصالات تتم من أجل عقد قمة بين الرئيس محمود عباس ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في موسكو لبحث سبل إعادة التفاوض بين الحكومة «الإسرائيلية» والسلطة الفلسطينية. حدث ذلك بعد أن كشف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن استعداد روسيا لاستضافة «قمة سلام» في عاصمة بلاده. وقالت صحيفة (يديعوت أحرونوت) «الإسرائيلية»، نقلاً عن مصادر وصفتها بأنها «مطلعة»، إن القمة المذكورة ستعقد في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، من دون أن تشير من سيحضر هذه القمة. ويذكر في هذا الصدد أن هذه التسريبات جاءت بعد عودة وفد «إسرائيلي رفيع المستوى» من «زيارة خاصة قام بها إلى القاهرة، وانتهت في 21 من شهر أغسطس/آب الماضي، لبحث هذا الموضوع.
وتعليقاً على هذه التسريبات، صرح الناطق بلسان الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، قائلاً: إن الفلسطينيين «مستعدون للمشاركة في كل مبادرة إقليمية أو دولية هدفها الوصول إلى حال شامل وعادل». وأضاف أن «الجهود العربية والدولية، وكذلك المبادرة الفرنسية، كلها تسير في اتجاه تعزيز فرص حل الدولتين والالتزام بالمرجعيات التي ستؤدي في نهاياتها إلى قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية» (وفا- 29/8/2016). من جانبه، نقل عن رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو قوله: إنه مستعد للقاء الرئيس محمود عباس في أي زمان ومكان ومن دون شروط مسبقة»!
أول ما يتبادر إلى الذهن إزاء هذه التسريبات والتصريحات، سؤال يتعلق بجدية الرئيس الروسي في سعيه ليكون «وسيطاً» في قضية يعرف أنها ليست من السهولة خوضها دون توقع الفشل بسبب المواقف «الإسرائيلية» المتعنتة. ولأن بوتين يريد أن يثبت أنه «قوة عظمى» أصبحت تلعب دوراً مهماً في القضايا الدولية، يصبح مؤكداً أنه لن يقبل التورط في قضية يمكن أن تأتي عليه بمردود سلبي وعكس ما يتطلع إليه. من هنا، يمكن أن يقال سلفاً ومنذ الآن إن ما يريده بوتين ليس أكثر من عقد اللقاء الذي سيحقق له جزءاً مما يتطلع إليه دون الذهاب إلى أبعد من ذلك. أما ما يريده نتنياهو من اللقاء، فيتلخص بدفع «المبادرة الفرنسية» إلى الخلف لتصبح مجرد محاولة تضاف إلى المحاولات الأمريكية والروسية. هذا أولاً، وثانياً يريد نتنياهو أن يستبق ما يشاع من أن الرئيس الأمريكي قد يقدم «مبادرة» على شكل مشروع قرار في مجلس الأمن، قبل أن يغادر البيت الأبيض، ويريد نتنياهو أن يكون بوتين إلى جانبه لو حدث ذلك.
كانت صحيفة (معاريف- 7/6/2016)، وأثناء زيارة نتنياهو لموسكو، قد نشرت مقالاً بقلم دانا سومبرغ، نقلت فيه عن السفير «الإسرائيلي» السابق في موسكو، تسفي ميغين (وهو الآن باحث كبير في معهد بحوث الأمن القومي)، قوله: «إنه لن يتفاجأ إذا ما تحول بوتين في مؤتمر إقليمي وسيطاً بديلاً عن المبادرة الفرنسية»! لكن ميغين أضاف قائلاً: إنه لا يهم بوتين أن تنجح مبادرته، المهم أن يطرح نفسه كوسيط ولاعب دولي، مستغلاً الفشل الأمريكي وانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة.
طبعاً نحن نعرف أن الولايات المتحدة لم تفشل لأنها كانت عاجزة بل لأنها في الأصل منحازة للكيان الصهيوني، ولم تفكر يوماً في ممارسة ضغط حقيقي عليه. ونعرف أيضاً أن القيادات «الإسرائيلية» سعت دائما لإفشال أي تدخل دولي لأنها أرادت أن يتم التفاوض بشكل ثنائي لتستفيد من الاختلال الكبير في ميزان القوى. وإلى جانب هذين الموقفين، الأمريكي و«الإسرائيلي»، نعرف أن صراع الشعب الفلسطيني مع الكيان الصهيوني هو صراع قوة وصراع إرادات. لقد نجحت القيادات «الإسرائيلية» ليس فقط لأنها امتلكت «الدهاء»، بل لأنها اعتمدت القوة أساساً، ولأن القوى الدولية لن تساعد الضعيف، مهما ادعت صداقته، لذلك فأي وساطة، مهما صدقت، لن تكون لصالح الشعب الفلسطيني ما لم يملك القوة اللازمة لإجبار «إسرائيل» أولاً على الاعتراف بحقوقه الوطنية. لذلك، فإن «مبادرة بوتين لن تكون أفضل من المبادرة الفرنسية».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"