تصنيف اليسار في أمريكا اللاتينية

04:56 صباحا
قراءة 4 دقائق

في شهر يناير/ كانون الثاني من عام ،2006 وبعد بضعة أيام من انتخاب إيفو موراليس رئيساً لبوليفيا، توقع الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز أن تكتسح موجة جديدة من الحكومات اليسارية مختلف بلدان أمريكا اللاتينية . وبعد مرور خمسة أعوام، فقد حان الوقت لنسأل عن مدى حسن أداء الإدارات اليسارية في أمريكا اللاتينية . فهل نجحت في الوفاء بوعودها بجلب قدر أعظم من المساواة، وتقليص الفقر، وتعزيز الديمقراطية؟ باختصار، هل أصبحت البلدان التي تحولت إلى اليسار أفضل حالاً مما كانت عليه من قبل؟

رغم أن التفاوت في الدخول لم يطرأ عليه تغير كبير في عهد شافيز، فقد أصبحت فنزويلا واحدة من بين ست دول في أمريكا اللاتينية، إلى جانب شيلي وأوروغواي والمكسيك وكوستاريكا والأرجنتين، صاحبة القدر الأعظم في إتاحة واتساع توزيع الخدمات الأساسية مثل التعليم والإسكان . كما كانت حكومة شافيز ناجحة أيضاً في الجهود الرامية إلى الحد من الفقر، كما اعترف البنك الدولي: فمنذ عام 2000 انخفضت نسبة الأسر الفقيرة من 40% إلى 21%، كما هبط معدل الفقر المدقع من 20% إلى 8% .

ولكن كشف الحساب في ما يتصل بتعزيز الديمقراطية لم يكن طيباً بنفس القدر، فقد جاء التقدم على الصعيد الاجتماعي الاقتصادي على حساب تآكل الفصل بين السلطات واستقلال وسائل الإعلام . كما أصبحت القوات المسلحة مسيسة على نحو متزايد، واضطرت بعض منظمات المجتمع المدني الرئيسة إلى إغلاق أبوابها . والواقع أن انتخابات الكونغرس الأخيرة، التي عززت من قوة المعارضة، قد تكون بمثابة العلامة على السخط العام إزاء الترتيبات المؤسسية الحالية في فنزويلا وإزاء تدهور ديمقراطيتها .

أما المؤشرات الاقتصادية الاجتماعية في نيكاراغوا تحت حكم أورتيغا فكانت أقل تبشيراً . إن ما يقرب من 48% من سكان نيكاراغوا يعانون فقراً مدقعاً، حيث يعيش نحو 9 .79% منهم على أقل من دولارين في اليوم . وتعيش البلاد بالكامل على التحويلات المالية من الخارج والمساعدات الاقتصادية الدولية .

فضلاً عن ذلك فإن سجل نيكاراغوا في ما يتصل بتوطيد الديمقراطية كان أيضاً هزيلاً: فقد كانت الانتخابات البلدية في عام 2008 موضعاً للانتقاد الشديد من قِبَل المراقبين والمعارضة بسبب ما شابها من تزوير، كما أصاب الضعف الشديد عملية الفصل بين السلطات بسبب رغبة أورتيغا في البقاء في السلطة بعد انتهاء فترة ولايته في عام 2012 .

ولم تتحسن بوليفيا أيضاً على الصعيد الاجتماعي الاقتصادي في ظل تولي اليسار للسلطة: فقد ظلت واحدة بين البلدان الأسوأ أداءً فيما يتصل بالتنمية البشرية (حيث احتلت المرتبة 104 بين 174 دولة، طبقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي) . فكان معدل الفقر يتراوح بين 59% إلى 61%، حيث يعيش ما يقرب من 25% من السكان في فقر مدقع .

ولم تتحسن مؤشرات المساواة كثيراً أيضاً، فالحكومة التي جاءت إلى السلطة على وعد بخلق الوحدة الوطنية تبدو الآن في حيرة من أمرها في مواجهة الانقسامات الإقليمية والعرقية والاقتصادية العميقة . وخلافاً لفنزويلا ونيكاراغوا، فقد حاول موراليس فرض الحكم النظيف، ولقد نجح في ذلك إلى حد كبير .

من الصعب أن نعمم، فبعض المحليين يعتقدون أن النفط ساعد شافيز على تقديم نتائج اجتماعية اقتصادية أفضل من مثيلاتها التي تحققت في نيكاراغوا وبوليفيا . ولكن العديد من الحكومات السابقة في فنزويلا كانت تشرف على طفرات رواج سابقة مماثلة، ولم نر إلا من قِلة منها أي قدر من استثمار الموارد في المشروعات العامة والمبادرات الاجتماعية كما فعل شافيز . ومن خلال التحليل الفني وليس الإيديولوجي فسوف يتبين لنا ما إذا كانت حركة الاستثمار هناك مستدامة في الأمد البعيد، وما مدى تأثيرها في أداء الاقتصاد الكلي .

وبهذا المعنى فإن هذه الحالات الثلاث وفنزويلا بشكل خاص تعكس بوضوح النموذج الكوبي الذي بات الآن يبدو أقل قدرة على الاستدامة، على الرغم من نجاحه بشكل كبير في تقليص الفقر وتوفير الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم . لقد أصبح تدهور هذا النموذج واضحاً إلى الحد الذي دفع حكومة راؤول كاسترو إلى إجراء تخفيضات كبيرة في بيروقراطية الدولة والسماح بعدد محدود من الشركات الخاصة . ومن المرجح أن ينتقل ما تمر به كوبا اليوم إلى نيكاراغوا وفنزويلا وبوليفيا في المستقبل غير البعيد جداً .

بطبيعة الحال، لابد من إجراء تقويم مماثل لأداء حكومات اليمين في أمريكا اللاتينية، وأظن أن المؤشرات في كولومبيا والمكسيك وبيرو وشيلي لن تكون أكثر تفاؤلاً، وأن الوعود التي بذلتها حكومات هذه البلدان أيضاً لم توف . ويبدو أن الحكومات في هذه البلدان ربما باستثناء شيلي ضحت بالأهداف الاجتماعية وضرورة تعميق الديمقراطية في مقابل توفير مستويات أعلى من الأمن .

لقد أصبحت أعداد الفقراء والمهمشين في ازدياد مستمر في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية . ورغم ذلك فقد ظل أبناء هذه الفئة من الناس بعيدين كل البعد عن كونهم أولوية في نظر حكوماتهم، ولا يختلف هذا الأمر كثيراً على طرفي النقيض الإيديولوجي .

أستاذة العلوم السياسية لدى جامعة لوس أنديس في بوغوتا بكولومبيا . والمقال ينشر بترتيب مع بروجيكت سنديكيت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"