جورجيا وروسيا

04:41 صباحا
قراءة دقيقتين

بعدما تفككت الإمبراطورية السوفييتية عام ،1991 وجميع ملحقاتها من الدول، تسعى روسيا الى أن تجد لنفسها مكاناً جديداً في المجتمع الدولي، بعيداً عن كل تركات المرحلة السوفييتية المطبوعة بالاكفهرار والقسوة والتزمت، غايتها في ذلك أن تكون أحد العناصر الفاعلة في مجتمع الدول، وبما يعطيها مساحة متميزة من الرفاه والنمو، بعد عقود طويلة من النظام الشمولي بكل قسوته. وجمهورية جورجيا، وتحديداً بعد استلام (ادوارد شيفارنادزه) رئاستها عام ،1991 تسعى بجهد مكثف لأن تتميز عن كل ما لحق بها أيام الفترة التي كانت فيها جزءاً من الإمبراطورية السوفييتية، رغم أن -شيفارنادزه- كان لسنوات خلت وزيراً للخارجية السوفييتية وعضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي، وأحد رجالات الإمبراطورية المتميزين، لكن كل ذلك بات في خبر كان بعدما استدارت جورجيا بالكامل نحو الغرب، وتحديداً نحو الولايات المتحدة الامريكية، مدشنة سياسة لا تخلو من انتهازية وذرائعية واضحة، تستهدف حماية نفسها من المفاجآت الروسية التي لم تبددها كل عبثية يلتسين وأيامه الفوضوية، خاصة بعد صعود بوتين إلى سدة الرئاسة ومشروعة النهضوي الهادف إلى إنهاض روسيا من كبوتها للعب دورها الدولي المستحق والمطلوب.

إن وجود القواعد العسكرية الروسية في جورجيا، مع تأثيرات الدور الذي تقوم به مقاطعتا أبخازيا وأوستينا المتمتعتان بالحكم الذاتي والمغرمتان بالهوى الروسي، تشكل ضواغط على حكام تبليسي، من دون أن نسقط من الاعتبار بقايا مؤثرة من رجالات الحقبة السوفييتية، المتطلعة والساعية لإعادة إنتاج شكل قريب لتلك المرحلة الرفاقية. هذه الحالة تواجهها حالة معاكسة، أقدمت عليها جورجيا بعد صعود ساكشفيلي الى موقع الرئاسة، من خلال ما قدمه من تسهيلات عسكرية ولوجستية للولايات المتحدة الأمريكية، بحجة محاربة الإرهاب، مع سعيه للانضمام إلى حلف الناتو، من خلال الارتباط بكل مسارات الفلك الأمريكي، مؤكداً بأفعاله السياسية المشاكسة أن تلك الوقائع ما هي إلا ضواغط على الجانب الروسي، لغرض الإشغال والحماية ومن ثم النفوذ في لعبة القوة في مسرح العلاقات الدولية.

لذلك فالتأزم الحاصل بين روسيا وجورجيا في هذه الأيام وما قبلها، ما هو إلا انعكاس لمستوى وحدود القوة التي يملكها الطرفان الأساسيان، الروس والأمريكان، على أرض الواقع، وهو بالتالي أحد أشكال الصراعات القائمة التي لا يخلو منها مجتمع الدول المتقاطعة فكرياً وسياسياً، رغم ما تفرضه كل قيود الحتمية الجغرافية على الدول من تهدئة ونزوع نحو السلام الإقليمي الثابت.

كاتب وأكاديمي عراقي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"