حذار من حرب باردة جديدة

05:29 صباحا
قراءة 3 دقائق
في منتصف فبراير/شباط، وبينما كان أنصار حرب باردة جديدة في الولايات المتحدة يعبرون عن سخطهم إزاء رفض إدارة أوباما (حتى الآن على الأقل) تسليح "حلفاء" أمريكا المزعومين في أوكرانيا، عاد واحد من حكماء الحرب الباردة إلى الظهور في واشنطن . فعندما رعت "اللجنة من أجل الجمهورية" (التي شكلتها مجموعة نخبوية من مسؤولين سابقين في واشنطن رداً على مغامرات السياسة الخارجية للرئيس جورج بوش) ندوة سياسية في واشنطن، ألقت كلمة استغرقت نحو ساعة دعت فيها المجتمعين إلى عدم النظر إلى العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في إطار الأزمة الأوكرانية على أنها صراع بين قوة خير وقوة شر .
إن الحديث عن "حرب باردة جديدة" إنما هو حديث "أخرق" . فالحرب الباردة كانت سجالاً أيديولوجياً عالمياً بين قوتين متكافئتين عسكرياً نسبياً . واليوم، الظروف تغيرت طبعاً، ولكن هناك شيء خاطئ عندما يعتقد لاعبون نافذون في واشنطن أن تسليح أوكرانيا هو خيار سياسي من دون عواقب، لأنهم ينظرون إلى روسيا على أنها "قوة إقليمية" وهذا خطأ جسيم: "إن دولة تملك صواريخ نووية عابرة للقارات لا يمكن بأي حال اعتبارها قوة إقليمية" .
يتعين على الولايات المتحدة أن تجد "نمط تعايش" مع روسيا على الرغم من الأزمة الأوكرانية، وهذا الموقف ليس نابعاً من أي عداوة تجاه أوكرانيا . "أنا أعرف أوكرانيا وأحترمها . أعرفها، وأعرف شعبها وآدابها، ولكن يتعين علينا نحن في الغرب، وخصوصاً في الولايات المتحدة، أن ندرك أنه بالنسبة لروسيا، أوكرانيا ذات أهمية وجودية" .
إن اصل الأزمة الراهنة هو توسع حلف الاطلسي . فابتداء من قمة قادة دول الأطلسي في مدريد (1994)، التي أعلن خلالها الحلف أنه سيبدأ عملية ضم دول أعضاء جديدة، وحتى قمة الأطلسي في بوخارست (2008)، التي أعلن خلالها الحلف الغربي أن "جورجيا وأوكرانيا سوف تصبحان عضوين في حلف الاطلسي"، كانت الولايات المتحدة تنكث بوعد الرئيس جورج هيربرت بوش لغورباتشيف في قمة مالطا (1989) بعدم توسع حلف الأطلسي باتجاه الشرق .
إن جميع الدول الأعضاء في الحلف تقريباً في ذلك الوقت كرروا وعد بوش بعدم توسع الحلف شرقاً مقابل انسحاب سلمي ومنظم للقوات السوفييتية من أوروبا الشرقية . إن ما يبدو أن القادة الغربيين اليوم لا يدركونه هو أن أوروبا "موحدة وحرة" لن توجد، ولا يمكن أن توجد "ما لم تكن روسيا جزءاً من المنظومة" . غير أن الولايات المتحدة اتبعت خلال العقدين الماضيين سياسات تجاه روسيا لا يمكن إلا اعتبارها سياسات إقصائية . وقرار حلف الأطلسي بضم بولندا، والمجر وتشيكيا كأعضاء جدد عام 1999 (وهو العام ذاته الذي صادف أن حلف الأطلسي شنّ خلاله حملة القصف الجوي ضد صربيا حليفة روسيا، تسبب بضرر كبير في العلاقات الأمريكية - الروسية . ثم ازدادت الأمور سوءاً في عهد جورج دبليو بوش (الابن) .
إن الرئيس فلاديمير بوتين كان أول زعيم عالمي اتصل بالرئيس بوش في أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ليؤكد له دعم روسيا . وكان رد بوش على تلك البادرة هو قرار إدارته بانسحاب الولايات المتحدة من معاهدة "أيه بي إم" الأمريكية - السوفييتية حول الحد من امتلاك صواريخ مضادة للصواريخ . وبدلاً من أن تعمل إدارة بوش لتبديد الارتياب المتبادل بين الولايات المتحدة وروسيا، فإنها اتبعت سياسات كانت في الواقع تعمق الارتياب المتبادل .
إن هذه المقاربة كانت النقيض تماماً لمقاربة رئيسه السابق ريغان: فعلى الرغم من أخطائه العديدة، كان ريغان يدرك أنه طالما أن هناك "انعدام ثقة" بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فسوف يكون من المستحيل إيجاد أرضية مشتركة في مسائل متعددة، مثل الحد من التسلح، والانتشار النووي، والبيئة والهجرة .
وخلافاً لسابقيه، فإن ريغان "لم يحاول أبداً تشويه سمعة أي قائد سوفييتي بالاسم . . وكان يتعامل معهم باحترام" . أما اليوم، فلدينا رئيس وكونغرس يهينان القائد الروسي بصورة روتينية .
إذا كنت تريد حل أزمة، فيجب ألا تدخل في مبارزة علنية" .

جاك ماتلوك
* مستشار سابق في وزارة الخارجية الأمريكية وعمل سفيراً في موسكو من العام 1987 إلى العام 1991 (موقع "ذي نيشن")

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"