سنة أوروبا الحاسمة

03:08 صباحا
قراءة 4 دقائق
يوشكا فيشر
يقال إن أزمة اليورو قد انتهت وإن الهدوء عاد إلى الأسواق المالية مع تطمينات قوية من سلطات الاتحاد الأوروبي - وخاصة البنك المركزي الاوروبي- بأنه سوف تتم المحافظة على الاتحاد النقدي ولكن اقتصادات جنوب أوروبا لا تزال تعاني الكساد ومنطقة اليورو بشكل عام تعاني توقف النمو والضغط الانكماشي علماً أن دول الازمة تعاني استمرار بطالة عالية .
ونظراً لعدم قدرة سلطات الاتحاد الأوروبي الواضحة على إنهاء تلك المصاعب لم يكن من المفاجئ أن تفقد العديد من الدول الأعضاء صبرها مع التقشف وفي الحقيقة بعض الدول تواجه اضطرابات سياسية .
عندما تأتي الاضطرابات، فإن من المرجح أن تنطلق شرارتها -كما كان الحال في أزمة اليورو-في اليونان والتي سوف تعقد انتخابات رئاسية يبدو من غير المرجح أن تأتي بفائز فلو لم ينتخب البرلمان رئيساً جديداً بأغلبية الثلثين في الجولة الثالثة والأخيرة الأسبوع المقبل فإنه سوف يتم حل البرلمان والدعوة لعقد انتخابات مبكرة وهناك خطر أن يصل "حزب سيريزا" وهو حزب اشتراكي ينتمي إلى أقصى اليسار للسلطة .
وحتى يفوز "حزب سيريزا" فإن عليه إما أن يضلل ناخبيه فيما يتعلق بخياراته أو الإصرار على أنه سوف يعيد التفاوض فيما يتعلق بشروط السداد المفروضة على اليونان من قبل ما يطلق عليه الترويكا (المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) وهذا كله مع اتخاذ تصرف فردي لو فشلت عملية إعادة التفاوض، ولكن من غير شك فإن أية عملية لإعادة التفاوض بعد انتصار سيريزا سوف تؤدي إلى عاصفة سياسية كبيرة في جنوب الاتحاد الأوروبي سوف تطيح بالتقشف وتعيد إشعال أزمة منطقة اليورو .
بالطبع فإن اليونان نفسها صغيرة جداً لتشكل خطراً حقيقياً على منطقة اليورو ولكن نتيجة الانتخابات في أثينا يمكن أن تتسبب بذعر في الأسواق المالية مما يهدد بنشوء أزمة قد تمتد إلى إيطاليا ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو ومع بعض التأخير فإن فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في تلك المنطقة .
إن معجزة يمكن أن تحدث: أن يتم انتخاب رئيس جديد في أثينا الأسبوع القادم أو أن لا يربح "حزب سيريزا" الانتخابات البرلمانية المقبلة، ولكن للأسف أياً من تلك النتائج قد تؤخر فقط الأزمة التي تتسبب بها السياسة في الاتحاد الأوروبي علماً أنه في إيطاليا كذلك هناك دلائل تشير إلى عاصفة مقبلة وهي عاصفة سوف تؤثر ليس فقط في التقشف ولكن أيضاً وبشكل متزايد على اليورو نفسه وبعد أن تضرب العاصفة إيطاليا فإن فرنسا يمكن أن تكون التالية .
لقد أصبح الصراع حول التقشف متفجراً من الناحية السياسية لأنه يتحول الى صراع بين ألمانيا وإيطاليا والأسوأ من ذلك أنه يتحول لصراع بين ألمانيا وفرنسا وهو التجانس الذي كان وراء الاندماج الأوروبي لستة عقود وهذا يحصل في وقت تفرض فيه القوى القومية المعادية لأوروبا نفسها في ألمانيا على مستوى البرلمان الوطني والبرلمانات في الولايات-وفي الشارع- مما سوف يحد بشكل كبير من قدرة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على التوصل لحلول وسط، وهكذا فإن المعركة بين المدافعين عن التقشف ومعارضيه تهدد بتمزيق ليس فقط منطقة اليورو ولكن الاتحاد الأوروبي ككل .
إن الأزمة في منطقة اليورو ورفض أية مقاربة أوروبية حقيقية لإحياء النمو قد ساهمت - ليس حصرياً ولكن بشكل كبير- في انبعاث القومية مجدداً ضمن الاتحاد الأوروبي . إن قوة هذا التوجه السياسي أصبحت واضحة بشكل كامل في مايو/أيار 2014 وذلك عندما أدى الشعوبيون المعادون لأوروبا بشكل جيد في انتخابات البرلمان الأوروبي ولقد استمرت النزعة القومية من دون انقطاع منذ ذلك الحين .
إن هذا يبدو غريباً فالواقع أن أياً من المشاكل التي تواجه أوروبا أو سوف تواجهها في المستقبل لا يمكن حلها بسهولة أكثر لوحدها وعلى المستوى الوطني مقارنة بالحلول ضمن الاتحاد الأوروبي وخلال إطار المجموعة السياسية والتي تتجاوز الحدود الوطنية . إن العداء للأجانب هو مفهوم مناف للعقل وسخيف وخاصة إذا نظرنا للواقع الديموغرافي فأوروبا والتي يزيد فيها عدد كبار السن تحتاج بشكل عاجل إلى المزيد من المهاجرين وليس إلى التقليل منهم .
إن من المدهش كذلك محدودية الشعور بالصدمة في أوروبا على الدعم الذي تلقته الأحزاب القومية الأوروبية الجديدة والقديمة من روسيا، ومن الأمثلة على هذا الدعم قيام حكومة الرئيس فلادمير بوتين بالمساعدة في تمويل الجبهة الوطنية الفرنسية من خلال قرض بعدة ملايين من اليورو مسحوب على بنك روسي . يبدو أن القيم السلطوية مع وجهات النظر العالمية للقوميين (إضافة إلى حس قوي بمعاداة أمريكا) تخلق روابط .
ليس من المبالغة في شيء القول إن الاتحاد الاوروبي مهدد داخلياً وخارجياً بالقومية الرجعية ولهذا السبب فإن أزمة اليورو المقبلة سوف تأتي على شكل أزمة سياسية، وبالتالي لماذا السلطات في برلين وبروكسل وغيرها من عواصم الاتحاد الأوروبي لا تزال غير قادرة على تغيير سياستها والتي من الواضح أنها تركت وضعاً سيئاً ليصبح أكثر سوءاً؟ إن مراقبة الاتحاد الأوروبي من الخارج يشبه مراقبة اصطدام قطار بالحركة البطيئة وهو اصطدام تم الإعلان عنه في المحطة .
وهناك أيضاً المملكة المتحدة والتي تقترب بثبات وبتصميم واضح من الخروج من الاتحاد الأوروبي . إن هذا الخطر يتجاوز سنة 2015 ومع ذلك فإن هذا الأمر هو عنصر مهم من الصورة العامة المتعلقة بالأزمة التي توشك على الحدوث في الاتحاد الأوروبي وبغض النظر عما إذا كانت المملكة المتحدة سوف تنفصل سياسياً في نهاية المطاف عن القارة فإن السنة المقبلة سوف تكون بمثابة نقطة تحول لأوروبا .

* وزير الخارجية ونائب المستشار في ألمانيا من سنة 1998 إلى سنة 2005 وعمل أيضاً رئيساً لحزب الخضر الألماني لمدة عشرين سنة تقريبا والمقال ينشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكت"

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"