ظلاميون يفجرون في عاصمة النور

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق
عثمان النمر
إذا كان الإرهاب بأبسط معانيه يعني السعي لتحقيق أهداف سياسية عبر العنف، فإن الهجمات الدامية التي يشنها «داعش» في أوروبا لن تحقق له أي أهداف سياسية، وهي هجمات إجرامية ترويعية لا معنى ولا مبرر لها.

الاعتداءات المتزامنة في باريس مساء الجمعة والتي سقط فيها مئات القتلى والجرحى، واستهدفت تجمعات لأناس يمارسون حياتهم العادية، هي جرائم عمياء هدفها القتل والقتل المروع فقط، ونفذها مجرمون لا صلة لهم بالإنسانية أو الأخلاق أو الدين أو أي مشروع سياسي.
تنظيم «داعش» الذي تبنى الهجمات السبع على مواقع مختلفة في العاصمة الفرنسية باريس، كان حريصاً على تأكيد بصمته بترديد منفذي الاعتداء للتكبير والقول إن هذه الهجمات إنما هي رد على ما يحدث في سوريا المحتربة والمحترقة منذ 2011.
إنها المعركة الخطأ في المكان الخطأ. ففرنسا ليست هي التي تقتل الشعب السوري، و«داعش» ليست حركة وطنية سورية ولا هي فصيل إسلامي سوري له قضية، بل هي جماعة إجرامية متخلفة الفكر تحركها نوازع شريرة وشهوة مفتوحة للقتل وسفح الدماء، وليس لديها مشروع سياسي أو ديني يعول عليه، وتتحرك في فراغ جغرافي يخلو من المعنى ولا يؤسس لشيء يمكن أن يرسخ أو يبقى.
اعتداءات «داعش» في فرنسا أعمال ترويعية منقطعة، مثل أي عمل إجرامي ينتهي بتصفية المجرمين الذين ارتكبوه أو جلبهم إلى العدالة. والسيىء في الأمر أن هذه الأعمال ترتكب باسم الإسلام والمسلمين، وتضر بقضية المسلمين الأوروبيين، وتضعهم في موضع الشك والاتهام، وتنسف كل المكاسب التي حققها المسلمون المهاجرون في المجتمعات الأوروبية.
في فرنسا أكبر عدد من المسلمين في أوروبا، ويصل عددهم إلى نحو خمسة ملايين نسمة، وهم مواطنون فرنسيون، يعيشون ويعملون في فرنسا، ويحظون بالحقوق كافة كمواطنين، وتعمل تجمعاتهم واتحاداتهم ومجالسهم على تحقيق أكبر قدر من الاندماج في مجتمعهم الحر المنفتح المتسامح. ومع تكرار اعتداءات المنقطعين، فإن المتضرر الأكبر هم المسلمون في المجتمعات الأوروبية، الذين قد يوصمون ب«الإرهاب» لأن قلة معزولة منهم ترتكب مثل هذه الجرائم المروعة العمياء التي لا غاية منها ولا مبرر.
فرنسا حتى الآن ليست الرقم الكبير في الحرب على «داعش»، ومشاركتها في التحالف الدولي لمكافحة التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق بقيادة الولايات المتحدة «رمزية» وليست واسعة النطاق كماً ونوعاً، فلماذا اختارها التنظيم هدفاً لاعتداءاته؟
هجمات «الدواعش» في باريس لا تخلو من رمزية، فخفافيش الظلامية يستغلون مناخات الحرية والتسامح والانفتاح لشن اعتداءاتهم العمياء التي استهدفت مدنيين أبرياء يمارسون حياتهم المعتادة، يتناولون الطعام في المطاعم في أجواء من الألفة والحميمية، ويتذوقون الأعمال الفنية في قاعة مسرحية، ويشجعون فريقهم الوطني لكرة القدم في مباراة مع ألمانيا في استاد فرنسا، ويتنزهون في الحدائق العامة، ويتسوقون، ويقطعون الطرقات ذهاباً وإياباً لقضاء حوائجهم.
الاعتداءات على الناس في هذه الأماكن في عاصمة النور والفن والثقافة والانفتاح، وموئل الثورة التي أرست قيم المواطنة والحرية والإخاء، تؤشر إلى الطبيعة الظلامية التي تحرك التنظيم الإرهابي المعادي للتاريخ وللإنسانية وقيمها وللحياة الحرة على إطلاقها، وللفكر والأخلاق.
صُدم المسلمون في فرنسا قبل غيرهم من هذه الاعتداءات الإجرامية، لأنها تستهدفهم قبل غيرهم، ولأنها تقدم المبررات لليمين الأوروبي المعادي للهجرة للادعاء بصدق مواقفه وتحذيراته من المسلمين في أوروبا باعتبارهم خطراً على أمن القارة ودولها، ومخزوناً لتفريخ الإرهابيين المناهضين للحرية والعقل والتسامح والإنسانية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"