على ساكاشفيلي أن يقرأ شيئاً من التاريخ

05:20 صباحا
قراءة 4 دقائق

يبدو جلياً أن تاريخ الحرب الباردة لا يُدرّس في كليات القانون في جامعة كولومبيا بنيويورك، وجامعة جورج واشنطن في العاصمة، وإلا فإن الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الذي درس في كلتا الجامعتين كان سيفكر مرتين في تشجيع الولايات المتحدة على هجومه المشؤوم على أوسيتيا الجنوبية الأسبوع الماضي.

ويمكن لساكاشفيلي أن يراجع التقارير الاذاعية المفعمة بالقوة والحيوية لإذاعة أوروبا الحرة التي تسيطر عليها ال سي.آي.ايه والتي كانت تشجع الهنجاريين و(المجريين) على أن يصدقوا أنهم، إذا ثاروا ضد الاحتلال السوفييتي، فإن قوات الناتو ستهب لمساعدتهم.

وكانت إذاعة أوروبا الحرة تبث برامج باللغة الهنجارية حول التطورات السياسية والعسكرية في بودابست مع نصائح لتكتيكات المقاومة المسلحة، وكان مدير العمليات في ال سي.آي.ايه فرانك ويزنر يأمل بحماس في التدخل، ولكن الرئيس آيزنهاور لم يكن لديه أي نية ولو ضئيلة في القيام بهذا العمل، وعانى ويزنر من أزمة نفسية حادة وانهار كلياً، وفي نهاية الأمر أقدم على الانتحار.

ويأتي درس آخر لساكاشفيلي من حقبة بدايات الحرب الباردة في عهد إدارة كينيدي، عندما تربص الكوبيون المنفيون - في سعيهم للإطاحة بكاسترو - في خليج الخنازير، انتظاراً للدعم من القوات الجوية الأمريكية والذي كانت ال سي.آي.أيه قد وعدتهم وتعهدت لهم به.

ورفض كينيدي إصدار الأوامر للقوات الجوية وأعلن الانقلابيون الكوبيون أنهم تلقوا طعنة في الظهر، ويعتقد البعض أنهم ثأروا باغتيال كينيدي بعد ثلاث سنوات.

ويوجد أمريكيون مرموقون بدوافع معروفة يشجعون ساكاشفيلي لكي يعتقد أن هجومه الضاري على اوسيتيا الجنوبية سيلقى دعماً أكبر بكثير من صيحات بوش الاحتجاجية على الروس.

ويرغب المرشح الجمهوري جون ماكين في مواجهات مفصلية مكشوفة مع أعداء الولايات المتحدة. وفي مثل هذه النوعية من النزاعات التي يحدق فيها كل خصم في عين غريمه بتحد يتبختر ماكين أمام الكاميرات مفاخراً بأنه المحارب الموسمي الذي يمتلك الخبرة، ولا يتخوف من قيادة أمريكا إلى حافة حرب نووية حاسمة. وهذه طريقة يعتمد عليها في الفوز بالانتخابات الرئاسية منذ هاري ترومان 1948.

ارتدى راندي شوينمان مستشار ماكين للسياسة الخارجية، قبعتين حتى وقت قريب، الأولى كمستشار السياسة الخارجية الرئيسي لماكين، والثانية كمناصر لجورجيا ضمن لوبي موالٍ لها.

وأظهرت ملفات حملة ماكين وتقارير طلبتها وزارة التجارة الأمريكية من كل اللوبيات التي تعمل لمصلحة حكومات أجنبية أنه في الفترة من 1/1/2007 حتى 15/5/2008 دفعت حملة ماكين لشوينمان ما يقارب 70،000 دولار، وخلال الفترة نفسها سلمت حكومة جورجيا لشركة شوينمان أوريون ستراتيجيز 290000 دولار أتعاب لوبي. وترك شوينمان شركة اللوبي منذ ظهور هذه التقارير.

والخلاصة أن شوينمان لديه بكل تأكيد أذني ساكاشفيلي وماكين معاً. ويمكن أن تخضع للتكهنات نوعية النصائح التي سيقدمها لهم، ولكن الأمر المؤكد أن أي مستشار لماكين سيأخذ في اعتباره أن ظهور أزمة حرب باردة وصراع بين أمريكا وروسيا يشكل فرصة إيجابية وإضافة جيدة لماكين، ومؤكد أن ماكين انتهز الظرف وشن هجوماً عاصفاً على روسيا.

ويوجد في فريق ماكين اعضاء من جماعة زبيجينو بريجنسكي وهو محارب حرب باردة مخضرم من حقبة رئاسة كارتر في السبعينات.

وتبجح بريجنسكي علانية بدوره عندما كان مستشار السياسة الخارجية في عهد كارتر في اغراء الروس لكي يقوموا بغزوهم البائس لأفغانستان ،1979 وبعد غزو الروس بعام، قاطعت الولايات المتحدة أولمبياد موسكو 1980 وانضمت لها الصين، وبريجنسكي (البولندي) متطرف في عدائه للروس وظل يرعد في برامج التلفزيون الجماهيرية التوك شو محذراً من عهد الظلام الذي سيحل على البشرية إذا سُمح لروسيا بأن تحجم أو توقف جورجيا.

وباحترافيته العالمية في رمي الطُعم والاغراء وموهبته في السرد البليغ بالأسانيد التاريخية على طريقة أرنولد توينبي، وفي مقدمة كتابه رقعة الشطرنج الكبرى الصادر في ،2004 يشير بريجنسكي بوضوح وحسم إلى أنه ومنذ أن بدأت القارات تتفاعل سياسياً قبل حوالي 500 عام، كانت يورو آسيا مركز القوة باستمرار، ويضيف إن مفتاح التحكم في يورو آسيا يكمن في السيطرة على جمهوريات آسيا الوسطى.

من جهته، شدد باراك أوباما لهجته الخطابية حول الأزمة الجورجية بعدما اتسمت تصريحاته في البداية بالاحتشام. وشبه بوتين بهتلر.

وبالرغم من ذلك أخذ فريق مساعدي أوباما للسياسة الخارجية ينعت ماكين في وسائل الاعلام بأنه متحمس للحرب الباردة، ولديه القابلية لتدمير الكون.

هل يندفع جمهور الناخبين لتأييد ماكين على أرضية أنه يمكنه الوقوف أمام الروس؟ من الممكن ان يحدث ذلك، مما سبق الإشارة إليه، لم يسبق لأي سياسي في الولايات المتحدة خسارة سباق ترشيحه إلا إذا لم يظهر تصميمه على مواجهة أي تهديدات محتملة للأمن القومي. ويبدو أن ماكين في طريقه لإعادة إشعال الحرب الباردة، لنرى تأثير ذلك في الناخبين في اكتوبر/ تشرين الأول.

وتتسمر شريحة ضخمة من الناخبين حالياً أمام شاشات التلفزة لمتابعة الأولمبياد، وذهنهم ليس مع روسيا، ولا يمكنهم الاهتمام بجورجيا أو أوسيتيا الجنوبية.

وبالنسبة لإدارة بوش الوقت متأخر جداً للعبة بوكر معقدة إلى جانب البريجنسكيين وتقول صحيفة هاآرتس انه في مايو/أيار الماضي حذرت الولايات المتحدة إسرائيل من الهجوم على إيران ورفضت إمدادها بأسلحة ومعدات كانت تحتاج إليها للقيام بهذا العمل، لا يرغب بوش في تعريض نفسه للهيب المدافع.

محرر مشارك في نشرة كاونتر بنش

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"