مجلس أمن أوروبي في «الميزان» الألماني

04:16 صباحا
قراءة 4 دقائق
أليكس جوركا*

هذا العام، لم تذهب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بسبب انشغالها الشديد بمعالجة المشاكل الداخلية، مثل الخلافات داخل الائتلاف الحاكم. وقد عانت انتكاسة خطيرة في أواخر سبتمبر، عندما فشل «فولكر كاودر» الذي رأَسَ المجموعة البرلمانية في حزب المستشارة، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وحزب حلفائه في بافاريا، حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، سنوات عديدة، في إعادة الانتخاب، أمام مُنافسه «رالف برينكهاوس»، غير المعروف نسبياً.
الضربة الثقيلة جعلتها تتمايل. فقد اعتمدت المستشارة على «كاودر» سنوات عدة، وكانت شنت حملة انتخابية قوية لإعادة انتخابه. واعتُبرت نتيجة التصويت عموماً صفعة على الوجه، وعلامة على أن المستشارة تفقد السيطرة على حزبها. ويعتقد كثيرون أن أنجيلا ميركل أصبحت بطة عرجاء (أي عديمة التأثير). ومن المرجح أن يفقد الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا، حليف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، أغلبيته المطلقة، للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، في 14 اكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عندما تجري الانتخابات المحلية. والسبب هو صعود حزب البديل المناهض للهجرة الذي يهدد الاستثنائية البافارية المرتبطة بحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي لعقود عدة.
ويمثل إصلاح الاتحاد الأوروبي، مشكلة حادة بالنسبة لألمانيا. وتحتل هذه القضية أولوية عالية على الأجندة السياسية الداخلية للبلاد. وتقديم المقترحات التي يدعمها الناخبون، هو الطريق إلى عكس الاتجاه، واستعادة الشعبية.
وفي الكلمة التي ألقتها أنجيلا ميركل في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي أثناء زيارتها إلى بلدة أوتوبيورين، (في بافاريا)، أيّدت المستشارة بقوة إنشاء مجلس أمن للاتحاد الأوروبي على أساس التناوُب. وقد جرى التعبير عن الفكرة لأول مرة أثناء المشاورات الحكومية الألمانية- الفرنسية، التي حدثت في يونيو/ حزيران 2018. وهي تفترض مقدَّماً وجوداً دائماً في هذا المجلس، للدول التي تقود الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وفرنسا، مع مجيء وذهاب الدول الأخرى بالتناوب. وستكون الهيئة الجديدة على غرار مجلس الأمن الدولي، حيث يتخذ الأعضاء الدائمون، قرارات رئيسية بشأن مصير العالم.
وبعبارات عامة، حظيت فكرة مجلس الأمن الأوروبي، بموافقة فرنسا وألمانيا في يونيو. وسيتمُّ تضمين إنشاء هذه الهيئة في جدول أعمال قمة الاتحاد الأوروبي في 18 أكتوبر الجاري . ويمكن إكماله في القمة الخاصة المكرسة لإصلاح الكتلة، التي ستُعقد في سيبيو، رومانيا، في 9 مايو/ أيار 2019. كما سيُصوّت القادة الوطنيون للاتحاد الأوروبي على اقتراح الرئيس «جونكر» للانتقال من التصويت بالإجماع إلى التصويت بالأغلبية المؤهلة في مجالات معينة من السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، لجعل الكتلة «فاعلاً عالميّاً» أقوى. وتتضمن الخطة ثلاثة مجالات محددة: هي حقوق الإنسان، والعقوبات، ومهام الأمن والدفاع.
وفي الوقت الحاضر، يَلزم اتخاذ قرار بالإجماع من قِبل جميع الدول الأعضاء ال28، للاستمرار في العقوبات المناهضة لروسيا، أو تخفيفها، أو رفعها، أو فرض عقوبات جديدة. وقد صوّتت جميع الدول الأعضاء حتى الآن، ، لمصلحة الاستمرار في الإجراءات العقابية، على الرغم من حقيقة أنّ بعض الدول، مثل النمسا واليونان، عبّرت عن رغبتها في رفع العقوبات، أو تخفيفها. وفي كل مرة تتعرض الحكمة من العقوبات للتشكيك فيها، يتمّ استخدام سياسة لَيِّ الذراع لتحقيق ما يُسمّى «الوحدة»، و»التضامن». واليوم، تُصرُّ إيطاليا على رغبتها في معارضة التمديد الآلي للعقوبات.
وكانت ميركل، في واقع الأمر، تتبنى على الدوام فكرة الانتقال إلى مرحلة أخرى من التكامل في ظل قيادتها المشتركة مع فرنسا. وترغب ميركل وماكرون كلاهما، في أن تمضي العملية بشكل أسرع. وهما يريدان وضع آلية لاتخاذ قرارات مُلزمة سريعاً، إلى جانب ميزانية مشتركة توفر التمويل للسياسة الأمنية والدفاعية المشتركة. وبصرف النظر عن صيغة عملية اتخاذ القرار، التي يتم الاتفاق عليها، ستكون ألمانيا وفرنسا، قائدتيْ الدفّة. وكانت المملكة المتحدة تشكل تحدّياً، ولكنها الآن في طريقها إلى الخروج. وليست إيطاليا ولا إسبانيا- وهما الاقتصادان الأوروبيان الكبيران التاليان لألمانيا وفرنسا، نِدّاً لهما، بسبب عبء الديون، والافتقار إلى النفوذ الجيوسياسي، بالمقارنة مع أيّ من الدولتين الزعيمتين.
وفي الوقت نفسه، لا ترغب بعض الدول مثل بولندا والمجر، في التخلي عن حقها في تطبيق سياسة خارجية مستقلة. ويصعب تطبيق سياسة مشتركة، بسبب اختلاف المواقف تجاه روسيا، والولايات المتحدة. ومع خروج بريطانيا، ستصبح بولندا زعيمة الكتلة الموالية للولايات المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي. وتريد دول عدة رفع العقوبات ضدَّ روسيا، وتغيير سياسة الهجرة جذرياً. ومن المتوقع أن يُحسّن المتشككون في الاتحاد الأوروبي موقعهم في البرلمان الأوروبي، وقد تكون ألمانيا تحت قيادة مستشار آخر في ذلك الوقت. وقد يتم تجميد عملية التكامل الأوروبي، أو حتى دفعها إلى التراجع، بدلاً من تحقيق خطوات واسعة إلى الأمام، كما تريد لها المستشارة الألمانية.
وتلك لحظة لا تحتمل الحلّ الوسط، بالنسبة إلى المستشارة، فإمّا النجاح التام، أو الفشل التام. وهي في حاجة ماسة إلى أفكار طازجة، ومبادرات جديدة للحفاظ على وضْعها. وإلاّ، فقد تصبح ولايتها، إضافة إلى كثير من الأمور الأخرى، مثل العقوبات المناوئة لروسيا، نَسْياً مَنْسِيّاً.

*محلل دفاعي ودبلوماسي
 موقع: ستراتيجيك كَلتَشر

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"