معضلة أوروبية

04:19 صباحا
قراءة دقيقتين
عثمان النمر

تطرح أزمة اليونان الاقتصادية العديد من الأسئلة الجديدة حول قضايا قديمة، كانت دول العالم الثالث هي التي دفعت ثمنها من استقرارها وأمنها ومستقبل شعوبها.
كانت الدول النامية والفقيرة لا تملك إلا الرضوخ والإذعان لشروط صندوق النقد الدولي وتنفيذ وصفاته الموحدة والتقليدية، لتقديم قروض عاجلة لهذه الدول التي تعاني اختلالاً في ميزان مدفوعاتها. وتتلخص هذه الوصفة في خفض الإنفاق العام والمنصرفات الحكومية وبيع المؤسسات الحكومية وخفض معدل تبادل العملة الوطنية مع العملات الأخرى.... إلخ.
الوصفات القاسية للمؤسسات النقدية الدولية والممولين والدائنين للضغط على الدول الفقيرة والمدينة، أدت إلى حرمان قطاعات واسعة من الشعوب من خدمات التعليم والصحة والإسكان ومشاريع البنية التحتية. ولم تخدم الوصفات استعادة العافية الاقتصادية بل أسهمت في المزيد من الفقر والإفقار والاضطرابات الاجتماعية والأمنية.
اليونان أتيحت لها فرصة لم تحظ بمثلها أية دولة نامية أو ناشئة، ويعود ذلك إلى أن الجزر الهيلينية دولة أوروبية وعضو في منطقة اليورو، وما ينطبق على فقراء العالم لا ينطبق عليها ولا يصلح لها. وحظيت اليونان بخطتي إنقاذ بقيمة إجمالية 240 مليار يورو. لكن حكومة أقصى اليسار برئاسة الكسيس تسيبراس طرحت قبول خطة الدائنين من عدمها على الاستفتاء الشعبي الذي أيد رفض الخطة.
المعضلة الحالية أن اليونان تريد قرضاً عاجلاً لمساعدتها على سداد ديون وفوائدها مقابل خطة إصلاح توازن بين اقتراح المؤسسات الأوروبية والدولية ونتائج الاستفتاء والموقف المشترك للأحزاب اليونانية، من أجل التوصل إلى اتفاق قابل للتنفيذ. لكن هل المسائل مثل هذه تترك لرغبة الشعوب وطموحات الحكومات من غير نظر إلى الواقع الرأسمالي وعماده المال.
الخيارات المطروحة أمام الاتحاد الأوروبي صعبة، فألمانيا ودول شمال منطقة اليورو وشرقها مع طرد اليونان من المنطقة النقدية، وفي المقابل تبدي فرنسا ودول جنوب أوروبا مرونة وليونة حيال أثينا وتريد مد اليد إليها وعونها حتى إخراجها من أزمتها وأزمة الاتحاد الأوروبي.
الموقف اليوناني المتشدد سواء كان عناداً طفولياً أو تعالياً على طريقة «حسنة وأنا سيدك»، قد يكون بداية شرخ في منطقة اليورو قد يتمدد ليصل إلى دول مثل إيرلندا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وهي الدول التي أذعنت بدءاً لوصفات التقشف مقابل العون الأوروبي المركزي.
يبقى أمام اليونان التحدي الأكبر، فكل الأحزاب السياسية التي حكمت اليونان سواء كانت من اليمين أو اليسار كانت تدغدغ الشعب بالرخاء العميم مع الانضمام للاتحاد الأوروبي، ووصلت إلى الحكم ببرامج الرفاهية، مثل التقاعد المبكر والضرائب المنخفضة والإنفاق الواسع على الخدمات. وتصادم الإرادات بين الوطنية في أثينا والفوق قطرية في بروكسل يحتم على الأحزاب اليونانية أن تتحمل النتائج وأن تقدم الخطط البديلة للأسوأ.
اليونان موئل الفلسفة والديمقراطية في العالم، والأساس الثقافي والحضاري لأوروبا، وجدت قبل أن يكون هناك اتحاد أوروبي، ومؤسسات مالية مثل صندوق النقد الدولي، ولا شك أنها ستبقى بعدهما أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"