من بنما إلى أوكرانيا

03:41 صباحا
قراءة دقيقتين
عصف انشقاق ببلد صغير وضعيف عسكرياً بعد أن رفضت حكومته توقيع اتفاقية مع قوة أجنبية . وبدعم سري من قوة عظمى مجاورة، استولت فئة متمردة في هذا البلد المضطرب على شريحة من الأرض وأعلنت استقلالها . وسارعت القوة العظمى إلى ارسال قوة عسكرية إلى المنطقة الانفصالية لضمان نجاح انفصالها . إذا كنتم تعتقدون أنني أتحدث عن الأحداث التي مرت بها أوكرانيا، البلد الأوروبي الشرقي الواقع عند الطرف الجنوبي الغربي لروسيا، فأنتم مخطئون .
طبعاً، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرسل آلاف الجنود إلى منطقة القرم في أوكرانيا فور إعلان استقلالها وطلبها الالتحاق بروسيا . ولكنني أتحدث هنا عن سلسلة الأحداث التي أدت إلى نشوء دولة بنما عام 1903 . ففي ذلك الحين، كانت بنما إحدى محافظات دولة كولومبيا، وعندما رفضت الحكومة الكولومبية توقيع اتفاقية كانت ستسمح للولايات المتحدة بشق قناة عبر أراضيها لربط المحيطين الأطلسي والهادي، ثم تدبير مؤامرة لفصل بنما وإعلانها دولة مستقلة .
وقد أرسلت الولايات المتحدة، وكانت في حينه قوة عظمى صاعدة، سفناً حربية إلى المنطقة لمنع كولومبيا من أرسال تعزيزات لنجدة قواتها المحاصرة في محافظة بنما . والولايات المتحدة لم تضم بنما، ولكنها مارست عليها سيادة فعلية طوال 97 سنة .
وتقع بنما في الفناء الخلفي الاستراتيجي للولايات المتحدة . وهي ضمن دائرة نفوذ أمريكا، تماماً كما أن القرم ضمن الدائرة الروسية . وأنا لا أقول هذا لكي أبرر السلوك الامبريالي لأي من القوتين العظميين، وإنما لكي أظهر أن هذا ليس أمراً جديداً، ولا غير متوقع .
وعلى مدى القرن الأخير، كلما كانت قوة عظمى تسيء السلوك في دائرة نفوذها، كانت الأخرى تشجب أعمالها .
وفي تلك الأثناء، كانت الولايات المتحدة توسع دائرة نفوذها، وتتدخل في شؤون دول النصف الغربي للكرة، من المكسيك إلى الأرجنتين، وفي بعض الأحيان، كان الرؤساء الأمريكيون يستخدمون القوة العسكرية، وفي أحيان أخرى كانوا يلجأون إلى العمليات السرية .
وعندما وافق بوتين على ضم القرم، قال إنه تصرف من أجل إبقاء حلف الأطلسي خارج الفناء الخلفي لروسيا .
وفي عام ،1912 رفع الرئيس الأمريكي وليام ثافت حجة مماثلة، وقال: "ليس بعيداً ذلك اليوم الذي سيرتفع فيه علمنا عند ثلاث نقاط متساوية البعد لتحديد منطقتنا: واحدة في القطب الشمالي، وثانية في قناة بنما، وثالثة في القطب الجنوبي، النصف الغربي للكرة برمته سيكون لنا فعلياً" .
في الحقيقة، ليس هناك ما يوحي بأن الولايات المتحدة اليوم مستعدة للتخلي عن سعيها للهيمنة في فنائها الخلفي، تماماً كما تمارس روسيا الآن هيمنتها في جوارها .

دي واين ويكهام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"