ميدفيديف والدرع الصاروخية الأمريكية

04:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

ما من شك أن الأشهر الأخيرة من عهد الرئيس الروسي السابق، فلاديمير بوتين، كانت طويلة بالنسبة لسكان البيت الأبيض الأمريكي الذين كانوا يريدون أن يروه خارج مبنى الكرملين، بعدما أسمعهم فيها الكثير من النغمات التي يكرهون. وبالرغم من أن بوتين لم يبتعد كثيراً، وبالرغم مما كان معروفا سلفا عن طبيعة العلاقة بينه وبين الرجل الذي رشحه وحل محله، ديمتري ميدفيديف، إلا أن آمال أمريكا والغرب كانت، ولا تزال، تراهن على أن يتمرد الطالب على أستاذه فيتخلص من تأثيره وسطوته عليه ويخلص أكثر لما يقال عن "ليبراليته"، لكن حظوظ هذه المراهنة لا تبدو مشجعة، وقد تكون نهايتها "مخيبة للآمال" إذا ما توقف المرء أمام ما صدر عن الرئيس الروسي من تصريحات في الفترة القصيرة التي انقضت على تسلمه مهام منصبه.

ولعل قضية الدرع الصاروخية الأمريكية، التي بدأت الولايات المتحدة نشرها في بعض دول أوروبا الشرقية، هي القضية الخلافية الساخنة الأولى التي ورثها ميدفيديف عن سلفه بوتين. وهذه القضية ليست في نهاية الأمر إلا عنواناً لعلاقة روسية أمريكية متوترة تزداد توتراً كلما مر الوقت وتكشفت النوايا الأمريكية، وكلما تأكد القادة الروس أن روسيا استعادت عافيتها فعلاً وأصبحت قادرة على ممارسة دورها كدولة عظمى لها حصتها في رسم السياسة الدولية، وتأكدت قدرتها على الدفاع عن مصالحها الخارجية بهذه الصفة. هذا الهدف الذي بذل بوتين سنوات حكمه الثماني جاهداً لتحقيقه، وحقق منه ما يستحق عليه الإشادة، يعتبر في نظر الاستراتيجيين الأمريكيين "سلوكاً سلبياً" يتوجب على واشنطن التصدي له بسرعة وبحزم. ولهذا السبب تضمنت الاستراتيجية الأمريكية للأعوام 2007-،2012 التي نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية، إشارات واضحة تحذر من أزمات أكبر ستواجه العلاقات مع موسكو، وتشدد على أهمية التصدي لهذا "السلوك السلبي" على مختلف المستويات.

وفي الثامن من يوليو/ تموز الجاري قامت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس بزيارة للعاصمة التشيكية براغ وقعت خلالها اتفاق نصب منشأة للرادار في إطار الدرع الصاروخية حيث ينتظر أن يبدأ تشغيله في العام ،2014 وبهذه المناسبة قالت رايس: "الاتفاق مهم باعتباره حجر الزاوية ليس فقط لأمن الولايات المتحدة وجمهورية التشيك، وإنما لأمن دول حلف شمال الأطلسي وأمن المجتمع الدولي كله". وما قالته رايس يكشف بسهولة كذب الادعاءات التي طالما بررت بها واشنطن إنشاء هذا النظام الصاروخي، فمنذ البداية كان الأمريكيون يزعمون أنه لمواجهة صواريخ "الدول المارقة"، وكانت تذكر بالاسم إيران وكوريا الشمالية، لكن نصف هذه الادعاءات سقط قبل البدء في المشروع حيث وافقت بيونج يانج على تفكيك وتدمير برنامجها النووي. أما النصف الثاني من الادعاءات فكان يمكن أن يسقط لو استجابت واشنطن لاقتراحات موسكو بإقامة رادار وتعاون مشترك لهذا الغرض. وقد أدى إصرار واشنطن على موقفها إلى انسحاب موسكو من معاهدة الأسلحة التقليدية، وإعلانها عن تطوير ترسانتها النووية والصاروخية رداً على ذلك، الأمر الذي اعتبره البعض فتحاً جديداً لسباق تسلح جديد واستئنافاً متوقعاً لحرب باردة جديدة.

لقد سمع صوت ميدفيديف، بعد توقيع رايس الاتفاق في براغ، محذراً من هذا الإجراء ومهدداً بأن بلاده سترد "عبر الوسائل التقنية العسكرية وليس من خلال البيانات الدبلوماسية". وتعتبر كلماته تكراراً لما كان بوتين قد قاله في يونيو/ حزيران الماضي بأن رد بلاده على الدرع لن يكون "عادياً". لكنه عاد فأعلن بلهجة أكثر هدوءا: "سنفكر في خطوات انتقامية ومستعدون لمزيد من المفاوضات، وسنواصل ذلك". لكن الخطوات الأمريكية ستعود لاستفزاز الروس وستفرض على ميدفيديف استعادة مواقف بوتين أكثر وأكثر بدلا من الابتعاد عنها، وكان قد قال: "روسيا ستدافع عن مصالحها الخارجية، وكما فعل سلفي، لن نساوم في سياستنا تجاه الغرب. روسيا أصبحت أقوى وقادرة أكثر من أي يوم مضى على تحمل مسؤولياتها في حل المشاكل الإقليمية والدولية. لم يستتب بعد ميزان قوى حقيقي بعد انتهاء الحرب الباردة، والاتجاه نحو اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية ازداد، والترتيبات الأمنية في أوروبا قد تزول إذا واصلت الولايات المتحدة مشروعها في نشر منظومة صاروخية في أوروبا الشرقية".

هكذا لا تزال كلمات ميدفيديف تمثل رجع الصدى لكلمات بوتين، وهي تكشف في الوقت نفسه أن صراع روسيا على مكانتها الدولية ومصالحها كدولة عظمى مستمر، إلى جانب أن الروس يرون الدرع الصاروخية الأمريكية موجهة ضدها وضد أمنها القومي وسيادتها، وأيضا ضد طموحاتها التي تراها مشروعة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"