نافخ الكير

04:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

الاتفاق الأمريكي الأخير لرفع سقف الدين جعل العالم يتنفس الصعداء، لأن الاقتصاد العالمي مرتبط إجبارياً باقتصاد الولايات المتحدة، وتخلف واشنطن عن سداد ديونها كان سيتسبب في كارثة اقتصادية جديدة للعالم . والتخوف من أزمة جديدة أشعل الأسعار بعد تراجع الدولار ما حدا بالمستثمرين إلى اللجوء إلى الذهب كملاذ آمن فارتفعت أسعاره بشكل جنوني، وأثر ذلك في الاقتصاد العالمي بشكل عام .

لا نعلم ما الذي يجبر دول العالم على ربط عملاتها بالدولار، أو تهافتها على شراء السندات الأمريكية، أو حتى تخزين احتياطياتها من الذهب في الولايات المتحدة بالرغم من أن واشنطن هي الأكثر استدانة في العالم، وتتجاوز ديونها 14 تريليون دولار، والنمو ضعيف فيها، والبطالة تتجاوز ال9 في المئة، ولا نعلم تحت أي بند تعتبر الاقتصاد الأول في العالم .

رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفنزويلي هوغو شافيز كانا محقين عندما وصفا أمريكا بالطفيل، فهي تعيش على الديون والقروض التي تثقل بها كاهل الدول الأخرى والمؤسسات الاقتصادية الدولية، وليس ضمن إمكاناتها المادية، والأرقام الفلكية في موازناتها، وبخاصة الدفاع، ليست واقعية أو من عرق جبينها بل هي أموال الدول الأخرى، أو مما تستولي عليه من خيرات الدول التي تحتلها .

واشنطن كنافخ الكير، إن لم نكتو بحروبها يصلنا شرر أزماتها، لا رجاء فيها، ولن تصنع يوماً شيئاً لخير البشرية، بل ما يهمها هو مصالحها الخاصة إن لم نقل مصالح المتنفذين فيها الذين هم أصحاب رؤوس الأموال أيضاً، فهي التي خلقت الأزمة العالمية التي بدأت عندها وصدرتها إلى بقية العالم الذي ما زال يعاني منذ بدء أزمة الرهن العقاري فيها عام 2008 .

حروب واشنطن لم تكد تتوقف منذ مطلع القرن الماضي بعدما ظهرت كقوة يعتد بها في الحرب العالمية الثانية، واحتلالها العديد من دول العالم ما زال متواصلاً، وانتهاكها لسيادة الأمم كان وما زال، وليس آخرها تقنيات الطائرات بلا طيار التي تقتل الأبرياء في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن .

ولكن إذا ما أخذنا بنظرية ابن خلدون حول نشوء الأمم واندثارها، فإن الولايات المتحدة الآن في طور الانحدار، وظهر جلياً في السنوات الأخيرة أنها بحق نمر من ورق، فهي تغرق في وحل أفغانستان وتحاول تخليص نفسها للهروب، وهربت بعض الشيء من العراق، وطردت من الصومال قبل ذلك، ولم تعد تتصدر المشهد العسكري في العالم كما كانت في السابق .

سياسة الهيمنة التي تتبعها واشنطن بعضها نابع من عقيدتها الداخلية، والبعض الآخر يأتي من الفرصة التي تمنحها الدول لها للهيمنة عليها، أو لخضوع الكثير من الدول لسياسات واشنطن، تماماً كما مقولة من فرعنك يا فرعون؟ . على أرض الولايات المتحدة أكبر احتياطي عالمي من الذهب يزيد على الثمانية آلاف طن، ويثير الاستغراب أن هذه الاحتياطيات ليست ملكاً لأمريكا، وإنما لنحو 36 دولة لجأت لتخزينها في مكان شديد التحصين في نيويورك، فهل واشنطن وحدها القادرة على بناء التحصينات، أم أن ذلك نتيجة التبعية والرضوخ التي سيطرت على العقول؟

الرسالة التي نود إيصالها هنا أنه يجب على العالم أن يتعظ مما جرى للاقتصاد الأمريكي المتهلهل قبل أن يسقط ويسقط الجميع معه .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"