هل الاقتصاد في خدمة السياسة أو العكس؟

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق
سمارة محمود سمارة

الاقتصاد مرآة تعكس السياسة، فكل تطور اقتصادي يشهده أي بلد لا بد من أن يؤثر في وضعه السياسي، فكل منهما يخدم الآخر سلباً وإيجاباً
التساؤل دائم عن علاقة الاقتصاد بالسياسة، وفي الوقع إنك لا تستطيع الفصل بينهما حسب المقولة: إن الاقتصاد والسياسة توأمان لا ينفصلان.
فالعلاقة الوثيقة جداً بين الاثنين ركن أساسي في عمل ومبادئ أي دولة بأهداف محددة، بحيث إن أي تصرف خاطئ يؤتي بكارثة رغم الإمكانات الاقتصادية الجيدة لأي بلد، علماً أن هناك بلداناً تضع الهدف الاقتصادي هدفاً أساسياً لتجعل السياسة في خدمته، وقد اتبعت دول أوروبية وآسيوية هذا النهج واستطاعت بذلك النجاح في تجنب الصراعات السياسية.
ورغم التقدم في الفكر السياسي وتطوره إلا أن بعض دول العالم دفعت تكاليف باهظة مادياً وبشرياً وجعلتها تعيد النظر بسياساتها عندما لم تتحمل الخسائر، وأدت بها إلى انهيار مالي واقتصادي، وفي نفس الوقت من حق أي دولة الدفاع عن مصالحها وبناء علاقات اقتصادية مميزة، بحيث تكون وسيلة نجاح، لا تتغلب السياسة على الاقتصاد أو العكس، لأنه لا يمكن للاقتصاد أن يتحرر أو يتطور دون الوصول إلى نمو اقتصادي في ظل سياسات متخبطة، فالنمو يتطلب سياسات واضحة ومدروسة.
فالاقتصاد مرآة تعكس السياسة، فكل تطور اقتصادي يشهده أي بلد لا بد من أن يؤثر في وضعه السياسي، فكل منهما يخدم الآخر سلباً وإيجاباً.
في الأنظمة الرأسمالية، الاقتصاد يدير السياسة، حيث العلاقة متشابكة مثيرة للاهتمام، فعندما تعصف مشاكل سياسية في بلد ما سيكون التأثير الأول الأكبر وبشكل واضح في الأداء الاقتصادي لهذا البلد. فعلم الاقتصاد السياسي أصعب من غيره، وهناك اختلاف في وجهات النظر بين الاقتصاديين حول هذا التعريف، ويظهر هذا التناقض عندما يتم اتخاذ القرارات المهمة، ولما لذلك من انعكاسات، مثلاً فإن العجز السياسي في اليونان كان سبباً في تفاقم المشاكل الاقتصادية، وفي إيطاليا حيث استطاع رئيس وزراء إيطاليا في عام 2012 إبعاد شبح الاضطرابات المالية ببراعته السياسية.
إذاً، كلما كان أي بلد مستقراً سياسياً، ساعد ذلك على زيادة النمو الاقتصادي، فعنصر الأمن والأمان في أي بلد هو حجر الزاوية في تفعيل الوضع الاقتصادي وجلب الاستثمارات، فإذا أخذنا قطاع السياحة على سبيل المثال لدولة تعد السياحة مصدراً أساسياً للدخل القومي والعملة الصعبة إذا تعرضت هذه الدولة لعدم استقرار نتيجة أحداث سياسية معينة، فسيتأثر قطاع السياحة مباشرة جراء عدم وجود الأمن للسائحين وتعرض الأمن للانحدار.
ونلاحظ في بعض الأحيان كيف يقع المحللون بحيرة عندما يقيّمون الوضع الاقتصادي لفترة قادمة بناء على معطيات سياسية غير واضحة.
الولايات المتحدة الأمريكية بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً، لا أحد يعلم كيف ستكون، وما التغيرات والأوراق السياسية التي سيلعب بها والتي ستكون حتماً متلازمة مع الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة، علماً أن تصريحات الرئيس ترامب رجل الأعمال تصب في أغلبيتها على وتر الملعب القادم منه، وهو الاقتصاد.
كوريا الجنوبية تتعرض حالياً لعقوبات اقتصادية من الصين، مما عرّض اقتصادها إلى أضرار كبيرة بسبب معاداتها لكوريا الشمالية حليفة الصين، ونشر نظام صواريخ أمريكية لمواجهة أي هجمات تقوم بها كوريا الشمالية، وقد أغلقت الصين فروعاً لشركات كورية تجارية كبرى، وهذا تدمير اقتصادي بسبب مواقف سياسية.
البلدان النامية عندما تقع في فخ المديونية الخارجية ويبلغ حجمها مستويات حرجة، ستؤثر بالطبع في الوضع السياسي، بالإضافة إلى الوضع الاجتماعي، وبعض أسبابها ناتج عن سوء إدارة وتفشي الفساد.
فعندما تسنّ دولة ما قوانين وتشريعات تحظر التعامل الاقتصادي مع خصومها من دول أخرى رغبة في الضغط لاتخاذ مواقف معينة تريدها، فهنا يكون القرار الاقتصادي نتيجة قرار سياسي مباشر. فالعلاقة أزلية بين السياسة والاقتصادي، وكل منهما يوجه ويتأثر بالآخر، فالنظام السياسي هو الذي يحدد مدى التطور في القطاعات الأساسية لدولة ما، وخاصة القطاعات الإنتاجية.
فلا إدارة ناجحة للاقتصاد بغير تمرس في السياسة، فهما وجهان لعملة واحدة.

خبير مالي
عضو جمعية المحاسبين ومدققي الحسابات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"