هل المصالحة الفلسطينية مستحيلة؟

03:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
إلياس سحّاب

مرت العلاقات بين حركتي فتح وحماس بامتحان صعب قبل أيام، سقطت فيه العلاقات بين المنظمتين سقوطاً مروعاً، يوحي وكأن المصالحة بين المنظمتين مستحيلة.
فمنذ أن تسلم إسماعيل هنية منصب الرجل الأول في حركة حماس، قبل عامين ونيف، وهو يبذل عدة محاولات، باءت كلها بالفشل، للحصول على إذن من الدولة المصرية، للسماح له بأن يجتاز أراضيها، للقيام بجولة للعلاقات الدولية. وقد منيت كل هذه المحاولات بالفشل، حتى جاءت نهاية العام 2019 المنصرم، وحدثت على ما يبدو تحولات معينة متعلقة بالدور الذي تلعبه مصر، الموقعة على اتفاقيات كامب ديفيد مع دولة الاحتلال، في لعب دور دبلوماسي، ينجح مرة ويفشل مرات، لتنظيم اتفاقات التهدئة بين قطاع غزة ودولة الاحتلال. ويبدو أن هذه التحولات منحت هنية لأول مرة الإذن في عبور أراضيها للانطلاق في جولة لبعض الدول.
وما إن بدأ هنية جولته، حتى انتصبت في وجهه، حيثما توجه، الحواجز السلبية التي أقامتها بوجه رحلته السلطة الفلسطينية، أي حركة فتح، وخصوصاً من جانب سفراء فلسطين.
ولو عدنا إلى عمق هذا الخلاف المستفحل الذي يحول دون أن تنعكس الوحدة الوطنية على العلاقات بين المنظمتين الكبيرتين فتح وحماس، لاكتشفنا أن هذا الخلاف يعود إلى نشأة وتطور كل من هاتين الحركتين.
فحركة فتح، كانت أم منظمات المقاومة الفلسطينية التي قامت في أواخر الستينات رداً على هزيمة عام 1967، وسرعان ما قفزت إلى زعامة منظمة التحرير الفلسطينية، بعد مرحلة عابرة لقيادة أحمد الشقيري. وكانت المحرك الأساس وراء صياغة ميثاق وطني لهذه المنظمة، كان يضع هدف تحرير فلسطين التاريخية، من البحر إلى النهر، هدفاً مركزياً لمنظمة التحرير، وينص صراحة على استخدام المقاومة المسلحة أسلوباً وحيداً لتحقيق هذا الهدف، بعد أن اعتبرت أن الجيوش العربية، قد فشلت في تحقيقه.
لكن تحولات كبيرة حصلت، أهمها، الغزو «الإسرائيلي» للبنان في العام 1982، حيث تمركزت منظمة التحرير بكل حركاتها إلى المنفى في تونس.
بعد ذلك، وبقيادة الزعيم التاريخي ياسر عرفات لكل من منظمة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، حصل التحول السلبي التاريخي، بالتنازل عن الأهداف الأساسية للميثاق الوطني، ودخلت القضية الفلسطينية منذ ذلك اليوم، وحتى يومنا هذا، في نفق اتفاقيات أوسلو، تحت الشعار الفضفاض الذي رفعه ياسر عرفات «أعطوني شبراً واحداً من فلسطين لأحرر الباقي».
تنفيذاً لهذا الشعار الفضفاض، دخلت القضية الفلسطينية في مسار مستمر منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، لمزيد لا نهاية له من التنازلات الأساسية في الأهداف العامة، وفي وسائل تحقيق هذه الأهداف. ودخلت السلطة الفلسطينية في الفخ التاريخي للتنسيق الأمني مع الاحتلال، بعد مرحلة المقاومة المسلحة لهذا الاحتلال.
في هذه الظروف التاريخية، ولدت كل من حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، في قطاع غزة بشكل أساسي، مستعيدة هدف تحرير فلسطين، وأسلوب الكفاح المسلح، بعد أن تنازلت حركة فتح، والسلطة الفلسطينية في رام الله عن الاثنين.
يبدو للوهلة الأولى وكأن حدوث اللقاء بين هذين الطريقين المتناقضين أصبح أمراً مستحيلاً: فإما الإجماع على الأول وإما على الثاني.
لكن بعد حدوث تحولات نسبية في حركة حماس، يبدو أنه ليس من المستحيل إعادة النظر العميقة من كلا الحركتين (فتح وحماس) في المسيرة المستحيلة التي وصلت إليها قضية فلسطين، مع تفاقم الاحتلال، وشموله وسيطرته على كل أرض فلسطين التاريخية، للعمل بأوامر الوحدة الوطنية لشعب فلسطين، وإعادة الاتفاق على برنامج جديد موحد للعمل الوطني الفلسطيني، بعد تحديد دقيق وتفصيلي للحقوق الأساسية لشعب فلسطين التي لا يجوز التنازل عنها، وتوسيع بيكار مختلف الأساليب (السياسية والشعبية والعسكرية) لتحقيق هذه الأهداف، بعد الاتفاق الجماعي عليها.
من دون الوصول الصعب، ولكن غير المستحيل، لهذا البرنامج الفلسطيني الوطني الجديد، تبدو لي أن المصالحة الوطنية بين فتح وحماس، ستظل مستحيلة، كما بدت في رحلة إسماعيل هنية الدولية الأخيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"