هل انتهى القرن الأمريكي إلى الأبد؟

03:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
باتريك بوكانان*

«السياسة تتوقف عند حافة الماء» (أي أن الخلافات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، يجب أن تبقى في الداخل، ولا تنعكس على السياسة الخارجية)، كان تقليداً يُراعيه- ليس قبل وقت طويل- كلا الحزبين، ولا سيّما عندما يكون الرئيس خارج البلاد، يتحدث باسم الأمة.
هذا التقليد، كان قد أعلنه السيناتور «ارثورفاندنبرغ» من ميتشغان في عام 1947، عندما تحرَّك العديد من الجمهوريين في الكونجرس لدعم قيادة الرئيس «ترومان» في الحرب الباردة ضدّ إمبراطورية ستالين.
واستمرّ هذا التقليد حتى أواسط ستينات القرن الماضي، عندما انقلب الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي بصرامة، بل وعنف، ضدّ الحرب في فيتنام والرئيس «ليندون جونسون».
وقد قاد الرؤساء الجمهوريون، «نيكسون» و«ريغان» و«بوش الأول» بدعم من الديمقراطيين المحافظين، أمريكا إلى النصر النهائي في الحرب الباردة.
ولكنْ باستثناء فترات وجيزة، مثل الالتفاف حول «جورج إتش. دبليو. بوش» (الأب)، بعد حرب الخليج عام 1991 و«جورج دبليو. بوش» (الابن) بعد 11 سبتمبر/‏ أيلول، لم تُسْتَعَدْ الوحدةُ الوطنية الحقيقية أبداً. والدليل على ذلك، إن كان ثمة حاجة إلى دليل، يوفره الأسبوع الأخير من فبراير/‏ شباط.
سافر الرئيس ترامب إلى «هانوي»، بفيتنام، للقاء زعيم كوريا الشمالية. وكان موضوع المفاوضات: أسلحة «كيم جونغ أوُنْ» النووية، بما في ذلك صواريخه التي قد تكون قادرة على الوصول إلى وطننا. فكيف عبَّر الحزب الديمقراطي عن أمنياته الطيّبة للقائد العام في مهمته من أجل أمريكا؟
خلال أول يوم كامل لترامب في هانوي، عَقدت لجنة في مجلس النواب الذي تترأسه «نانسي بيلوسي» جلسة استماع علنية، ضَمَّتْ محامي ترامب السابق «مايكل كوهين»، وهو حانِث بالقَسَم مُدان، ومذنب عَقَدَ صفقة مع الادّعاء لخفض العقوبة.
وقد أحَبَّتْ المدينة ذلك بشغف. وانطلقت التغطية الإخبارية له في شبكات التلفزة والكابل على مدار الساعة. وطغت شهادة «كوهين» على أخبار قمة ترامب وكيم.
كان العنوان الرئيسي الضخم في أعلى الصفحة الأولى في صحيفة واشنطن بوست: «كوهين يصف ترامب بأنه غير نزيه». وقد اقتُطِف تصوير كوهين لرئيسه القديم بخطّ بارز في أعلى الصفحة: «إنه عنصري. إنه محتال. إنه مخادِع». وكان العنوان الرئيسي في الصفحة الأولى من صحيفة نيويورك تايمز: «كوهين يتهم ترامب بممارسة الكذب والتسَتر». وكان العنوان الرئيسي الضخم في صحيفة فاينانشال تايمز: «كوهين يعلن ترامب عنصرياً، محتالاً وخدّاعاً». وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال في رأس صفحتها الأولى: «كوهين يقول إن ترامب قادَ التَسَتر».
ولا تكشف تلك العناوين الرئيسية الحكم الصحفي للمحررين فقط، بل أجندة النخبة التي تلجأ إليها أولاً كل صباح.
ومع ذلك فإن التحالف الذي يسعى إلى إسقاط ترامب هائل: مُسَرِّبو المعلومات في الدولة العميقة والمتواطئون في وسائل الإعلام؛ والحزب الديمقراطي ومجلس النواب؛ ومعظم المعلقين الصحفيين في أمريكا؛ والنخب الثقافية في الفنون، والأوساط الأكاديمية وهوليوود.
وفي المسرحية التي تتكشف، تأتي شهادة كوهين أمام لجنة مجلس النواب، باعتبارها المشهد الأول من الفصل الأول.
ويأتي بعد ذلك تقرير «مولر»، مع أنه يبدو أن «روبرت مولر» وفريقه، بعد التحقيق على مدى عامين، لم يجدوا أي تواطؤ بين ترامب وفلاديمير بوتين في اختراق حملة كلينتون.
..اليوم، يتساءل العالم الذي يراقب المشهد في أمريكا: إذا كنتم أيها الأمريكيون في حرب مع أنفسكم حول العِرق، والدين، والأخلاق، والثقافة والسياسة، وإذا كنتم لا تستطيعون توحيد أنفسكم، فكيف تستطيعون توحيد العالم؟ وحول ماذا؟ ربما يكون القرن الأمريكي قد انتهى حقّاً.

* مؤلف ومرشح سابق للرئاسة الأمريكية. موقع: صفحة الكاتب على الإنترنت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"