هل يمكن تجنّب سباق التسلّح النووي؟

03:37 صباحا
قراءة 4 دقائق
كريستين موتونين*

أعلنت الولايات المتحدة رسميّاً في الآونة الأخيرة، أنها ستخرج من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، وهي اتفاقية جرَت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في عام 1987 لإزالة فئة كاملة من الأسلحة النووية التي كانت قد نُشرت في أوروبا، ووَضعت القارة قابَ قوسيْن أو أدنى من حرب نووية.
وفي الوقت ذاته، من المقرَّر أن تنتهي معاهدة «ستارْت» التي تحِدُّ من عدد الأسلحة النووية الاستراتيجية الأمريكية والروسية، في وقت قريب، دون أن يلوح تجديدها في الأفق.
ويبدو أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تتعمّدان التراجع عن أجندات الحدّ من التسلح النووي التي وُضعت في أوائل حقبة ما بعد الحرب الباردة، وتعزّزان بدلاً من ذلك، ترساناتهما النووية وتقومان بتوسيعها. وسوف تحذو حذْوَهما دول مسلّحة نوويّاً أخرى.
ويتعارض ذلك مع الرأي العام، الذي يعارض على نحو ساحق، سباق التسلح النووي، والتلويح بالأسلحة النووية والتهديد بها، سواء كان ذلك سافراً أو مقنّعاً، من الرئيسيْن بوتين وترامب. وعلى الرغم من ذلك، من الصعب للغاية على المجتمع المدني أن يؤثر بشكل مباشر على السياسة النووية الروسية أو الأمريكية.
ويشير ذلك إلى عجزٍ في الديمقراطية في كلتا الدولتيْن. كما يشير أيضاً إلى الحاجة إلى إجراءات مباشرة يمكن للبرلمانات، والمدن والمواطنين أن يتخذوها لوقف التعدّي على معاهدات الحدّ من الأسلحة، ومنع سباق تسلح نووي جديد.
ومن أجل هذه الغاية، بعث رؤساء بلديات وبرلمانيون وممثلون لمنظمات المجتمع المدني من 40 دولة- أغلبها في أوروبا وأمريكا الشمالية، بما في ذلك رؤساء بلدياتٍ من 18 مدينة أمريكية - نداءً مشتركاً إلى الرئيسيْن ترامب وبوتين، دعَوْهُما فيه إلى الحفاظ على معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، وحلّ النزاعات المتعلقة بالأسلحة النووية والأمن من خلال الحوار لا مِن خلال الاستفزاز العسكري. فهل سيُغيّر النداء رأيَيْهما؟ ذلك مستبعَد. ولكنّه أُرسِل أيضاً إلى زعماء اللجان البرلمانية الأمريكية والروسية، المسؤولة عن القوات المسلحة (الدفاعية) والعلاقات الخارجية. وهو يدعوهم إلى رفض ترخيص أو تخصيص تمويل لأنظمة الأسلحة النووية التي تحظرها معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، وعلى سبيل المثال، الصواريخ النووية متوسطة المدى، المنصوبة على الأرض، أو أنظمة الأسلحة التي يمكن أن توفر قدرات مماثلة، وتكون مزعزعة للاستقرار بطريقة مشابهة، مثل صواريخ كروز المسلحة نوويّاً، التي تُطلق من الجوّ أو البحر.
ويرسم النداء أيضاً معالم التزام رؤساء البلديات والبرلمانيين الموقعين عليه، ببناء الدعم في المدن والبرلمانات في الدول المسلحة نووياً والحليفة (بما فيها دول حلف الناتو) لإجراءات الحدّ من الخطر النووي مثل سياسات «عدم اللجوء إلى الاستعمال الأول».
وقد تمّ بالفعل تقديم قرارات تعكس هذه النداءات في مجلسيْ الشيوخ والنواب في الولايات المتحدة، وعلى سبيل المثال، «قانون منع سباق التسلح لعام 2018 (اس. 3667)، وقانون «عدم الاستعمال الأول» الذي تم تقديمه في الأسبوع الماضي من قِبل السناتورة اليزابيث وارين، وعضو الكونجرس آدم سميث، رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب.
وتمّ تبنّي قرارات مماثلة من قِبل مجلس ولاية كاليفورنيا، وثلاث مدن أمريكية على الأقل، وهنالك المزيد من القرارات المنتظَرة في ثمانية من مجالس الولايات الأمريكية الأخرى.
وهذه مجرد البداية لنهج ممارسة السلطة من أسفل- أي القيام بعمل منسق إزاء الحدّ من الخطر النووي ونزع الأسلحة النووية، في المجالس التشريعية الفدرالية، ومجالس الولايات والمدن.
وهو مشابه للإجراءات التي اتخذها أكثر من 700 من حكام الولايات ورؤساء البلديات الأمريكيين الذين تعهّدوا بتطبيق اتفاقية باريس المناخية، على الرغم من انسحاب إدارة ترامب منها. وفي كلتا الحاليْن يتمتع مسؤولو الولايات والبلديات بسلطة للتأثير على النتيجة العالمية. وفي الولايات المتحدة، فإن العمل على نزع السلاح النووي من قِبل حكومات المدن، يتم دفعُه قُدُماً من قِبل الفرع الأمريكي لشبكة «رؤساء بلديات من أجل السلام»، وهي شبكة عالمية تضمّ أكثر من 7 آلاف مدينة، و«مؤتمر رؤساء البلديات في الولايات المتحدة»، وهو شبكة تضم أكثر من 1400 مدينة أمريكية كبرى.
وقد حثّ واشنطن مراراً على تولّي زمام المبادرة في منع الحرب النووية. وعلى سبيل المثال، في يونيو/ حزيران 2018، تبنّى رؤساء البلديات في الولايات المتحدة بالإجماع قراراً قدّمه «فرانك كوني»، رئيس بلدية مدينة «دي موين» في ولاية ايوا، ونائب رئيس شبكة «رؤساء بلديات من أجل السلام»، مع رعاية 25 رئيس بلدية آخر، ويدعو القرار الإدارة الأمريكية والكونجرس إلى خفض التوتر النووي مع روسيا، وإعادة توكيد معاهدة القوى النووية متوسطة المدى، وتبني مبدأ «عدم الاستعمال الأول»، وإعادة توجيه تمويل الأسلحة النووية لتلبية الاحتياجات الإنسانية، وحماية البيئة.
وفي أوروبا، يتقدم التعاون بين البرلمانيين لدعم خفض المخاطر النووية، والحدّ من الأسلحة وإجراءات نزع الأسلحة، من خلال الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
وهكذا، فإنه قد لا يعود الموضوع برمته إلى ترامب وبوتين. فهنالك طرق قوية للتأثير يمكن للبرلمانات، والمدن، والمجتمع المدني، استعمالها لوقف انهيار نظام الحدّ من التسلح ومنع سباق التسلح، وعلى نحو متزايد، سوف تستخدمها.
وكما قال الرئيس الأمريكي، دوايت آيزنهاور، «إن الشعوب شديدة الرغبة في السلام، إلى درجة أنه من الأفضل للواحدة من حكومات هذه الأيام، أن تتنحى عن الطريق، وتدع الشعوب تحصل عليه».

* عضوة سابقة في البرلمان النمساوي، شغلت منصب رئيسة الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في الفترة من 2016 إلى 2017.
موقع: تروث آوْت

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"