الانسداد الرئوي المزمن يسبب الوفاة

01:40 صباحا
الصورة
يؤذي التدخين الجهاز التنفسي بشكل كبير، وتتعرض الرئتان بالتحديد للكثير من الأمراض الخطرة والقاتلة، ومرض الانسداد الرئوي المزمن هو أحد هذه الأمراض.
ويعد الانسداد الرئوي التهاباً مزمناً؛ حيث تضيق فيه الشعب الهوائية، وتفقد الحويصلات الهوائية مرونتها وقدرتها على طرد هواء الزفير بشكل كامل، ومن ثم يحدث تناقص في أداء الرئتين، وصعوبات في التنفس مع أقل مجهود.
يشبه الانسداد الرئوي المزمن مرض الربو في صورته الحادة إلا أن العلاج لا ينفع معه كما يهدئ الربو، وتلتهب الشعب الهوائية عند المصاب بالانسداد الرئوي المزمن؛ حيث تضيق ممرات الهواء، وبالتالي تقل قدرة الهواء على التدفق داخل الرئة، وخاصة في الزفير، فيبقى جزء من هواء النفس السابق المحمل بثاني أكسيد الكربون. ونتناول في هذا الموضوع مرض الانسداد الرئوي المزمن بالتفصيل، ونبين الأعراض التي تظهر؛ نتيجة الإصابة به، وكذلك نعرض طرق الوقاية الممكنة وأساليب العلاج المتبعة والحديثة.

السير يصبح مجهداً

تتضخم الرئة لدى مريض الانسداد الرئوي المزمن؛ بسبب زيادة كمية الهواء بها، وتضعف كمية الأكسجين الواصلة إلى الدم، وتزيد نسبة ثاني أكسيد الكربون في الدم، ويؤدي انخفاض مستوى الأكسجين في الدم إلى انقباض الأوعية الدموية وضيق الشرايين.
ويشعر المصاب بصعوبة في التنفس عند بذل أي مجهود، ويزداد المرض تدريجياً حتى لا يعود المريض قادراً على السير في طريق ممهد، فكل حركة تحولت إلى مجهود شاق مع نقص وصول الأكسجين للخلايا.
ويشيع مرض الانسداد الرئوي المزمن في سن الأربعين بعد سنوات من التدخين، وإن لم يكن السبب الوحيد للإصابة، فمختلف طرق التعرض للغازات والأدخنة الضارة والمركزة يؤثر في مجرى الهواء داخل الجسم.

التبادل الغازي

يمد الجهاز التنفسي الجسم بما يحتاج إليه من الأكسجين، ويمر الهواء من خلال الأنف والفم متجهاً إلى القصبة الهوائية ومروراً بالشعب الهوائية، التي تتفرع إلى شعب أصغر فأصغر وصولاً إلى الحويصلات الهوائية أو الأسناخ الرئوية، وهي حلقة الوصل بين الهواء والدم؛ إذ تستخلص الأكسجين من هواء الشهيق، وتخلص الدم من ثاني أكسيد الكربون، وتطرده مع هواء الزفير.
وتتم عملية التبادل الغازي تلك عبر بطانة الحويصلات الهوائية الرقيقة التي تسمح بنفاذ الغازات من وإلى الشعيرات الدموية؛ حيث يسير الدم المحمل بالأكسجين إلى كل الجسم؛ ليمده بحاجته من الطاقة.
وتشبه الرئة كيساً إسفنجياً مرناً يسحبه الحجاب الحاجز، فيشفط هواء الشهيق حتى يمتلئ ثم يدفعه؛ فيخرج الهواء مرة أخرى من خلال الزفير، والرئة اليمنى أكبر من اليسرى التي يقبع القلب أمامها.

أدخنة متعددة

يؤثر تكرار استنشاق الأدخنة الكثيفة شيئاً فشيئاً في الرئتين، فتتحولان من اللون الوردي إلى الأسود ويقل أداؤهما، وتتعدد أنواع الأدخنة التي تصيب الإنسان بمرض الانسداد الرئوي المزمن، فلا تقتصر على السجائر والنرجيلة أو الشيشة، والسيجار والماريجوانا؛ ولكن تمتد لإشعال الفحم أو الخشب أو روث الحيوانات المجفف لأغراض الطهي، أو التدفئة في أماكن مغلقة أو سيئة التهوية.
وهذه الأماكن المغلقة تزيد من نسبة الأدخنة المستنشقة من هواء الغرفة، وكذلك كثرة التعرض للغبار والأبخرة الكيميائية والأدخنة والعوادم في المصانع والمناجم وغيرها.
وتزيد احتمالية إصابة الأجنة بالمرض إذا كانت الأم الحــــامل مدخنة، وتلعب الجينات والوراثة دورهــــمــــــا، فتزيـــــد احتمــــالية إصــــابة أقارب المريض بالمرض، كما أن مصابي الربو من المدخنين أكثر عرضة من غيرهم من المدخنين للإصابة بالانسداد الرئوي المزمن، ويعرض التدخين السلبي بالجلوس وسط المدخنين واستنشاق أدخنة سجائرهم صاحبه للمرض.
ولا يرتبط مرض الانسداد الرئوي ارتباطاً مباشراً بالهواء الملوث في المدن المزدحمة بالسيارات أو المصانع، صحيح أنه يفاقم المرض؛ لكن لا دليل على أنه يسببه.

الهواء غير كاف

يكون السعال المزمن الذي يتكرر لأكثر من ثلاثة أشهر أكثر من مرة أول أعراض المرض، وتظهر أعراض أخرى فتفرز الرئتان الكثير من السائل المخاطي، والذي يخرج في صورة بلغم لا تفسير آخر لحدوثه.
ويتراكم البلغم أثناء نوم المريض، وبالتالي يحتاج إلى تنظيف حنجرته فور استيقاظه، ويميل لون البلغم للأخضر، ويصعب عليه التنفس، ويشعر أنه يحتاج إلى بذل جهد ليتنفس أو يشعر أن الهواء الذي يحصل عليه غير كاف، وهذا نتيجة لضيق الشعب الهوائية.
ويتكرر كثيراً تعرض مريض الانسداد الرئوي المزمن لنزلات البرد التي تطول، وسرعان ما تتطور إلى التهاب رئوي، ويسمع صوت الأزيز أو الصرير أثناء تنفسه.
ويصعب عليه صعود السلالم أو ممارسة الرياضة، ويصبح ضعيفاً متعباً أكثر فأكثر، ويتجهم وجهه؛ نتيجة مرضه ويكثر سقوطه، ويلاحظ عليه زرقة في شفتيه وتعرضه لنوبات حادة تتفاقم فيها هذه الأعراض عدة أيام.

اكتئاب وأزمات قلبية

يفاقم المرض من احتمالية حدوث عدوى الجهاز التنفسي، وهي مجموعة أمراض تصيب أجزاء الجهاز التنفسي بالالتهابات والفيروسات، ومنها: الأنف والجيوب الأنفية والحنجرة والبلعوم والقصبة الهوائية والشعب الهوائية، خاصة الإنفلونزا بأنواعها مما يعني أن مريض الانسداد قد يتعرض لالتهابات الجيوب الأنفية أو الحلق أو إنفلونزا الطيور أو غيرها من أمراض العدوى التنفسية.
ويكون مريض الانسداد الرئوي المزمن عرضة للإصـــابة بالاكــتئاب، ويســــــــاعد المرض على حدوث ارتفاع ضغط الدم الرئوي وأزمات قلبية، وزيادة الفرصة للإصابة بأمراض القلب عموماً؛ نتيجة نقص الأكسجين الواصل إلى الدم.
ويحدث كذلك قصور كلي في جانب القلب الأيمن، ويكون الشخص معرضاً لحدوث ورم من السوائل المجمعة «وذمة»، مما يزيد من تراجع أداء الرئتين وبالطبع فالمريض معرض للإصابة بسرطان الرئة.
ويزيد تلف الرئة عند مصاب الانسداد الرئوي المزمن مكوناً في بعض الحالات حالة مرضية تُسمى «النفاخ الرئوي»، فمع فقدان الرئة لمرونتها وقوامها الإسفنجي ذي الثقوب الصغيرة، التي هي الحويصلات الهوائية؛ نتيجة دمار عدد كبير منها.
وتتفتح تلك الحويصلات الهوائية على بعضها كأنها عنقود عنب تحول إلى كرة واحدة مما يتسبب مباشــرة في عدم خروج كل الهواء مع الزفير، فتأثـــير ضغط الحجاب الحاجز على تلك الكرات الكبيرة نســـبياً يختلف عن تأثيره على الحويصـــلات الصغيرة السليمة، وإذا ما تفتحت تلك الكرات الهوائية داخل الرئة على بعضها كونت فقاعة هوائية داخل الرئة، ربما يصل حجمها في الحالات الشديدة إلى نصف الرئة.

حدوث الوفاة

ويتم تشخيص المرض بجهاز مقياس التنفس الذي ينفخ فيه المريض فيتمكن الجهاز من تحديد كم النقص في هواء الزفير عن الطبيعي، ولكن هـــذه الطريقــة لا تصلح مع المرض في مراحله المبكرة، حـــينما يكون النقص طفيفاً وغير ملحوظ، وفي هذه الحالة يفــــيد الطبيب التعـــرف إلى تاريخ مريضه، وسابق تعرضــه للأدخنة الكثيفــــــة في تشخيصه، ويقوم الطبيب باختبارات تستبعد الأمراض الأخرى.
ويظهر «النفاخ الرئوي» بوضوح في الأشعة السينية، فيكون الصدر منتفخاً للأمام في التصوير الجانبي ويكون الحجاب الحاجز مسطحاً.
ويتسبب الانسداد الرئوي المزمن في الوفاة إذا لم يتوقف المدخن عن التدخين، وفي الحقيقة فإن التوقف عن التدخين هو الحل الوحيد لإبطاء تفاقم المرض حتى لو في مراحله المتأخرة.
وتوجد برامج وأدوية تحتوي على بدائل النيكوتين تساعد المريض في التوقف عن التدخين، وعلى عمال المناجم والمحاجر والمصانع مراعاة وسائل السلامة وأهمها ارتداء قناع التنفس.

رئة أصغر

لا يوجد علاج شاف لمرض الانسداد الرئوي المزمن، لكن توجد طرق تسيطر على أعراضه وتمنع نوباته وتفاقمه، بشرط إيقاف التدخين والتعرض للأدخنة والغبار والهواء الملوث.
كما أن تحسين نوعية الهواء المتنفس في الأماكن المغلقة والمفتوحة ضروري لتخفيف هذه المشكلة؛ وذلك بتقديم الأكسجين الإضافي للمريض، مع إعطائه لقاحات الإنفلونزا السنوية والتطعيمات والمضادات الحيوية؛ لمنع حالات عدوى الجهاز التنفسي.
وتفيد أدوية توسيع الشعب الهوائية؛ رغم ضعف نتيجتها مقارنة بأدائها مع مرضى الربو، ويفيد تخفيض الوزن في حالات اقتران المرض مع السمنة في تخفيف الضغط على الرئتين.
ويساعد التدخل الجراحي في الحالات المتأخرة، بإزالة الأجزاء المدمرة من الرئة، فيصبح للمريض رئة أصغر؛ ولكنها أقدر على العمل والتمدد، ويتم في أحيان زراعة رئة أخرى من شخص متبرع.

نتيجة التدخين

تشير دراسة حديثة إلى أن مرض الانسداد الرئوي المزمن يصيب نحو 10% من سكان العالم، ممن تجاوزوا سن الـ 40 عاماً، والنسبة في ازدياد خلال الأعوام الماضية، لذلك فهي مرشحة للزيادة مستقبلاً نظراً لزيادة عدد المدخنين خاصة في العالم النامي، ويؤدي المرض لوفاة نحو 2.5 مليون نسمة سنوياً.
ويعتبر الانسداد الرئوي المزمن رابع سبب رئيسي للوفاة في عدد من الدول، ويصل عدد المدخنين في العالم إلى لنحو 933 مليون نسمة.
تصل نسبة المصابين بمرض الانسداد الرئوي المزمن نتيجة التدخين ما بين 80% إلى 90%، في حين تسبب بقية أنواع أدخنة المصانع والطهي والتدفئة بالإضافة لغبار المناجم والمحاجر نسبة من 10% إلى 20% من المصابين بالمرض، و20% من المصابين بالمرض نتيجة التدخين هم في الحقيقة مدخنون سلبيون اعتادوا الجلوس مع المدخنين واستنشاق دخان سجائرهم.
يعالج المرضى بالأكسجين إذا قلت نسبة تشبع الدم بالأكسجين عن 88% إلى 90% والنسبة الطبيعية ما بين 95% و100% وتتسبب عدة أمراض في انخفاض النسبة بالدم.
يتجاوز عدد الحويصلات الهوائية الـ 300 مليون حويصلة، ويعمل مرض الانسداد الرئوي على تدميرها واحدة تلو الأخرى حتى يحدث النفاخ الرئوي والفقاعات الرئوية وتناقص أداء الرئتين.