ويأتي ذلك كرد فعل تحسسي لهذه المادة، ولا يسبب التهاب الجلد التحسسي أي عدوى، وكذلك لا يمثل خطورة على حياة الأشخاص الذين يصابون به؛ لكن هذا لا يعني أنه يمر مرور الكرام؛ بل إنه يسبب إزعاجاً شديداً لمن يعانيه. وتختلف المواد التي تسبب «التهاب الجلد التماسي» من شخص لآخر، وتعد أبرز المواد المتعارف على أنها تسبب الحساسية؛ هي: الصابون؛ ومستحضرات التجميل؛ وأيضاً العطور أو بعضها؛ والمجوهرات؛ وبعض النباتات.
نتناول في هذا الموضوع مرض «التهاب الجلد التماسي» بالتفصيل، مع تقديم العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه المشكلة، وكذلك الأعراض التي تظهر، مع كشف طرق الوقاية الممكنة، وأساليب العلاج المتبعة والحديثة.
الرعاية الذاتية
يجب تحديد سبب الإصابة بـ«التهاب الجلد التماسي» بدقة، حتى تتم عملية المعالجة بشكل سريع وفاعل؛ لأن تجنب السبب يعد الخطوة الأولى في طريق العلاج،
وتأتي بعد ذلك عملية تخفيف الأضرار، إلى أن يتم الشفاء التام، فإذا تم ذلك فإن الحالة سيتم شفاؤها من «التهاب الجلد التماسي» في غضون 2 إلى 4 أسابيع على الأكثر.
وتعد المعالجة الموضعية ذات أثر فاعل في تخفيف الآلام؛ مثل: استخدام كمادات باردة ومبللة على موضع الإصابة، وكذلك استخدام الكريمات التي تساعد على تحمل الألم وتخفيفه، وإزالة الشعور بالحكة؛ وهو ما يُسمى بـ«الرعاية الذاتية من المصاب نفسه».
طفح جلدي أحمر
يحدث هذا النوع من الالتهاب؛ نتيجة ملامسة أجزاء من الجسم للمادة المسببة للحساسية، ومن أمثلة ذلك: ملامسة باطن الساق للبلاب السام أو ملامسة اليد.
ويتطور الأمر مسبباً مجموعة من الأعراض، التي تتمثل في الطفح الجلدي الأحمر السريع، الذي يحدث في غضون دقائق أو أكثر، ويمكن أن يستمر الأمر لمدة تصل إلى شهر.
وتشمل أعراض «التهاب الجلد التماسي»، إضافة إلى الطفح الجلدي الأحمر، شعور المصاب بالحاجة للحكة بصورة مزعجة وشديدة، مع جفاف الجلد وتشققه وظهور قشور عليه.
ويمكن أن تظهر نتوءات وبثور على الجلد، وأحياناً أخرى تتكون قشرة، كما يصاحب ذلك حدوث التورم والحرقان والإيلام؛ نتيجة التلامس المسبب للالتهاب التماسي.
ويجب على المصاب أو المسؤول عن رعايته عند ظهور هذه الأعراض اتخاذ الخطوات اللازمة؛ للتعامل مع «التهاب الجلد التماسي».
آلاف المواد
يرجع السبب في «التهاب الجلد التماسي» إلى مادة يتعرض لها الجلد، تؤدي إلى تهيجه وتثير رد فعل تحسسي، وهذه المادة غير محددة بنوع واحد؛ بل من الممكن أن تكون واحدة من آلاف المواد المثيرة للحساسية المهيجة لها.
وتسبب بعض هذه المواد «التهاب الجلد التماسي» والتحـسسي أيضاً، فالتهاب الجلد التهيجي هو النوع الأكثر إصابة؛ حيث يحدث رد الفعل الجلدي غير التحسسي، عندما تتلف مادة الطبقة السطحية التي تقوم على حماية الجلد.
ويكون لدى بعض الأشخاص رد فعل تجاه المواد المهيجـة القوية؛ بعد التعرض لها لمرة واحدة، وربما يعاني الآخرون الالتهاب بعد عدة مرات من التعرض المتكرر لنفس المادة، فالأمر يختلف من شخص لآخر.
وتشمل المواد المثيرة للحساسية المذيبات وكحول التطهير والكلور، وكذلك المنظفات والشامبو ومستحضرات التجميل، والمواد المنقولة جواً؛ مثل: نشارة الخشب أو غبار الصوف، وبعض النباتات والسماد ومبيدات الآفات، وغيرها من المواد ذات التأثير على بشرة الأشخاص.
النوع الثاني
أما النوع الثاني من التهاب الجلد وهو التحسسي، الذي يحدث نتيجة تأثير مادة مثيرة للحساسية، وتؤدي إلى رد فعل مناعي في الجلد.
ويقتصر تأثيرها على المنطقة التي تعرضت للملامسة، وهذا لا يعني أن الحساسية من هذا النوع لا تكون إلا بعامل خارجي؛ حيث إنها تأتي من داخل الجسم أيضاً؛ وذلك من خلال الأطعمة والأدوية التي يتعرض لها الشخص، وتؤدي إلى رد الفعل المناعي المسبب للحساسية.
وتشمل كذلك مثيرات الحساسية الشائعة النيكل، الذي يستخدم في أغراض عدة، ومنها: صناعة الحلي والأحزمة، وهناك كريمات المضادات الحيوية، ومضادات الهيستامين الفموية، ومن النباتات المسببة للحساسية السماق السام والمانجو وغيرها.
مرات الإصابة
تنتج الحساسية من خلال المثيرات التي تتسبب فيها، وتختلف هذه المثيرات من حيث القوة في التأثير والضعف؛ حيث تصيب الحساسية الشخص من مثير قوي، مثل السماق السام؛ بعد التعرض له لمرة واحدة.
وتعد هذه علامة قوة المسبب للحساسية في التهاب الجلد التماسي، أما إذا كان المسبب ضعيف التأثير، فإن الأمر يستلزم التعرض للملامسة مرات متكررة.
وتشمل الأشياء التي تسبب «التهاب الجلد التماسي» التعرض للحفاضات بالنسبة للصغار؛ وذلك لأن الأطفال يصابون بهذا النوع من الالتهاب؛ نتيجة تكرار التعرض للحفاضات، وكذلك مستحضرات الوقاية من الشمس أو الملابس ذات أزرار الكبس أو الصبغات وغيرها.
ظروف مواتية
يأتي في مقدمة خطوات تلافي الإصابة بـ«التهاب الجلد التماسي» الابتعاد عن مواطن التعرض للإصابة، وهنا يظهر جلياً أن هناك بعض الظروف التي تعد مناطق عرضة للإصابة، ويجب التنبيه إليها؛ لرفع درجة التحصن والوقاية؛ لكي لا تتفاقم الأمور. وتعرض بعض الوظائف والهوايات أصحابها إلى «التهاب الجلد التماسي»، ومن أمثلة ذلك الذين يعملون في مجالات الصحة والرعاية الطبية، وكذلك طب الأسنان.
ويدخل في ذلك عمال الصناعات المعدنية إلى جانب العاملين بمجال البناء والتشطيبات، الذين يحتكون مع مختلف المواد المهيجة للحساسية، ما يسبب «التهاب الجلد التماسي».
الطهاة وعمال النظافة
تشمل دائرة التعرض لهذا المرض فنيي إصلاح السيارات وغيرها من المركبات، إضافة إلى الغواصين والسباحين الذين يلزمهم ارتداء أدوات خاصة تسبب الحساسية، كالبدلات المطاطية والنظارات، وأقنعة الوجه.
ويعد من الفئات المعرضة للإصابة بهذا المرض أيضاً عمال النظافة وعمال البستنة والزراعة الذين تلزمهم طبيعة عملهم التعامل مع العديد من النباتات السامة منها وغير السام، وكذلك الطهاة ومن يتعامل مع إعداد الأطعمة؛ لأن ذلك يتطلب منهم أكثر من غيرهم أخذ أكبر قدر من الحيطة والحذر، والتزود بالمعرفة لأنواع المواد المسببة للحساسية أو الالتهاب نتيجة التماس.
الإهمال يفاقم المشكلة
يحتاج الشفاء من التهاب الجلد التماسي إلى فترة بسيطة من الزمن، وكذلك خطوات بسيطة من العلاج حتى تنتهي المشكلة.
وينبغي عدم التمادي في تجاهل الأمر، أو الاستجابة غير المنضبطة للشعور بالحكة، فإن الأمر يتخطى حدود البساطة في أحيان كثيرة إلى التعرض للعدوى، والانتقال إلى أمراض أخرى لم تكن في الحسبان.
ويمكن أن تطول فترة العلاج، لهذا يجب تجنب الإهمال في معالجة المشكلة؛ وذلك بالذهاب للطبيب، والالتزام بالبعد عن المواد التي تسبب الالتهاب، واستخدام الأدوية المقترحة إلى أن تنتهى المشكلة وتمر بسلام.
إجراءات للوقاية
تتوفر بعض الخطوات الوقائية من هذه الحالة، ومنها تجنب المواد المهيجة للالتهاب، مع اتباع الخطوات الصحية المعتادة مثل غسل البشرة؛ لإزالة المواد المسببة للحساسية، وكذلك غسل الملابس التي تعرضت للمواد المسببة للحساسية؛ لكي لا تتجدد الإصابة من خلالها.
وتشمل الإجراءات الوقائية كذلك ارتداء القفاز والأقنعة، التي تحمي أجزاء الجسم المعرضة للمواد المسببة لـ«التهاب الجلد التماسي».
ويمكن أيضاً استخدام بعض أنواع الجل أو الكريمات العازلة؛ حيث تقوم بعض المنتجات العلاجية بعمل طبقة واقية للبشرة؛ لتحقيق الوقاية، وكذلك استخدام مستحضر ترطيب؛ حيث يمكن أن يساعد في حالة استعماله بانتظام في استعادة الطبقة الواقية للجسم.
ويجب الانتباه عند التواجد بجوار الحيوانات الأليفة، والتي من الممكن أن تحمل على أشعارها وأصوافها بعض المواد المسببة للالتهاب في الجلد.
سرعة التعامل
تأتي مرحلة العلاج بعد الإصابة سهلة وميسورة؛ لأن هذا النوع من الالتهاب يمكن التعامل معه بشكل فردي، إذا كان الشخص المصاب على دراية به أو من يقوم على رعايته، إذا كان المصاب طفلاً أو غير مدرك لأحواله الصحية.
ويقوم الشخص بالابتعاد عن مسببات الالتهاب، ثم يبدأ بعمل كمادات على الجزء المصاب، مع غسله بعناية واستخدام بعض الكريمات المرطبة والمضادة للحكة، والتي تنهي المشكلة. ويلجأ إلى الطبيب في حالة زيادة الطفح الجلدي والاحمرار؛ وذلك حتى لا يتحول الأمر إلى عدوى أو يتسبب في مضاعفات خارجة عن الحسبان.
ثاني الأمراض انتشاراً
تشير دراسة حديثة إلى أن معدل انتشار التهاب الجلد التماسي يبلغ حوالي 14 حالة لكل ألف شخص.
ويعد التهاب الجلد التماسي التحسسي ثاني أكثر الأمراض الجلدية انتشاراً، ونحو 3% من المرضى يحدث لهم التهاب الجلد التماسي.
ويقدر انتشار المرض في دولة السويد بنحو 2.7 حالة لكل 1000 شخص، وتشير إحدى الـدراسات بهولندا إلى أن نسبة انتشار التهاب الجلد التماسي باليد هي 12 حالة لكل 100 شخص.
ويكون انتشار المرض بنسبة أكبر بين الرجال، وأكثر الحالات تحدث بسبب الحساسية للنيكل، ويكون انتشار التهاب الجلد التماسي التحسسي؛ بسبب الأدوية الموضعية.
ويصبح أكثر انتشاراً عند المرضى فوق عمر الـ70 سنة، ويندر حدوث وفاة بسبب هذا النوع من الالتهاب، وكذلك لا يسبب أي اعتلالات مزمنة.