الحافلات المدرسية.. تسير فوق هموم أولياء الأمور

إشكاليات تتجاوز الرادارات وتحتاج إلى رقابة مستدامة

03:57 صباحا
الصورة
تحقيق: محمد إبراهيم

يعد النقل المدرسي إحدى ضروريات العملية التعليمية، إذ يسهل على الطلاب التنقل من مناطق سكنهم إلى مدارسهم، ويختصر المسافات البعيدة التي تشكل عائقاً أمام بعض الطلبة في مختلف المراحل العمرية ذهاباً، وإياباً للمدرسة.
وهنا تكمن الأسباب التي تدفع شريحة كبيرة من أولياء الأمور إلى الإقبال على الاشتراك في النقل المدرسي سنوياً، على الرغم من مبالغة بعض المدارس الخاصة في الرسوم، لدرجة أن رسوم الحافلات أصبحت تعادل أحياناً تكلفة تعليم طالب عاماً دراسياً كاملاً.
أجمعت آراء عدد من أولياء الأمور ل«الخليج»، على أن إشكاليات النقل المدرسي تجاوزت جميع الرادارات، وتحتاج إلى رقابة مستدامة، لا سيما ظاهرة المبالغة في رسوم حافلات بعض المدارس الخاصة التي تتصدر قائمة تحدياتهم كل عام دراسي، بسبب المغالاة التي تهدف إلى التربح، استغلالاً لحاجة أولياء الأمور، وعدم قدرتهم على اصطحاب أبنائهم من، وإلى المدرسة، لا سيما في المدارس التي لم تنجح في الحصول على الموافقة لزيادة رسومها الدراسية، مؤكدين أن الحافلات المدرسية تسير فوق همومهم الدراسية.
ولم تقتصر الإشكاليات على المبالغة في رسوم الحافلات فحسب، بل أكدت فئات مختلفة في الميدان التربوي، أن معظم الحافلات المدرسية تفتقر إلى وسائل الأمن والسلامة، فضلاً عن حاجة النقل المدرسي إلى ضوابط وآليات ممنهجة أكثر، للمحافظة على سلامة وأمن الطلبة في رحلاتهم من، وإلى المدرسة، لاسيما عقب حادث حريق الحافلة المدرسية الأخير في كلباء، وما سبقه من حوادث مماثلة نهاية العام الدراسي الماضي، فضلاً عن ظاهرة نسيان الأطفال في الحافلات التي تصدرت المشهد في الميدان التربوي خلال الأشهر القليلة الماضية.
واعتبر الميدان التربوي توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بإخضاع سائقي الحافلات المدرسية في مختلف إمارات الدولة إلى برنامج تدريبي متخصص للإطفاء والإسعافات الأولية، لإعدادهم وتدريبهم على التعامل مع المواقف الطارئة، وكيفية السيطرة على أي حريق قد يشب في حافلاتهم قبل أن يتفاقم، خطوة مهمة للحفاظ على سلامة الطلاب، والطالبات.
«الخليج» تناقش أبرز التحديات التي تواجه أولياء الأمور في النقل المدرسي، وتحاول مع المتخصصين إيجاد حلول جذرية تسهم في رفع المعاناة عنهم في ما يخص الرسوم المبالغ فيها، ووسائل الأمن والسلامة التي يبحث عنها المجتمع المدرسي خلال الفترة الأخيرة.


وقفة جادة


البداية كانت مع أولياء الأمور من مختلف إمارات الدولة «مها مروان، حسين عبدالله، شما آل علي، شيماء محمود، حمدان عامر»، إذ عبروا عن استيائهم من ظاهرة المغالاة في رسوم الحافلات المدرسية التي يشهدها الميدان التربوي مع بداية كل عام دراسي جديد، ولا سيما في المدارس الخاصة، من دون وجود وقفة جادة من المسؤولين في مواجهتها، بحسب تعبيرهم،لا سيما أن الرسوم وصلت في بعض المدارس إلى 10000 درهم، على الرغم من وجود مدارس أخرى تقدم الخدمات ذاتها، ولا تتجاوز أسعار خدمة النقل المدرسي فيها 2500 درهم.
وأفادوا بأن موجة الغلاء التي يشهدها الميدان التربوي غير طبيعية هذا العام، وجاءت في وقت لم تكد تهدأ جيوب الأهالي ويستقر حالها جراء تأمين المتطلبات المدرسية، حتى وافتنا المدارس الخاصة بضربات موجعة من خلال زيادة في رسوم الحافلات بنسبة 100%.
وأكدوا أن رسوم الطالب الواحد في بعض المدارس بلغت 5 آلاف درهم لاستخدام الحافلة، ولا يوجد تخفيض على تلك الخدمة في المدرسة، مطالبين بهيئة وطنية تقوم بدور الرقابة على النقل المدرسي، وضبط إيقاع الرسوم المحددة في كل مدرسة، ما يكبح الزيادة العشوائية التي تفرضها إدارات مدارس خاصة على أولياء الأمور سنوياً، ومن دون مبررات تدعو لذلك.


النسيان والازدحام


وأكد فريق آخر من أولياء الأمور يضم «إيهاب زيادة، وعلي عبدالله، وحمد آل علي، ونوال الملا»، أن الوقائع الأخيرة تعد دلالة واضحة على التقصير في أداء السائقين والمشرفات، الذين لم يخضعوا لدورات تدريبية متخصصة، تؤهلهم للتعامل مع عملية ركوب الأطفال، وإنزالهم، والاطمئنان إلى أنه لا يوجد طفل منسي.
وأكدوا أهمية وجود أنظمة ذكية لمراقبة الحافلات.
وقالوا إن اختلاط المراحل العمرية ضمن الحافلات المدرسية سبب لحدوث مشاجرات، ومواقف، وسماع ألفاظ نابية يعود بها الطالب الصغير إلى أسرته، مردداً إياها من دون أن يعلم ماهية العبارات، ومعناها.
ويرون أن خدمات النقل المدرسي لا تزال في حاجة إلى التطوير، وإلى متابعة المسؤولين من أجل تذليل الصعوبات والعمل على تأمين تنقل التلاميذ من، والى المؤسسات التربوية، والحرص على تجنب الاكتظاظ، ولا سيما في المدارس الخاصة، وإيجاد ظروف أكثر أريحية للطلبة، وحماية الأهالي من جشع بعض المدارس.
وحول أسباب وجود بعض العادات والسلوكات السلبية من الطلبة في الحافلات المدرسية ولاسيما حافلات المدارس الخاصة، أكدت المعلمة شيماء رجب، أنها تتمثل في حب بعض الطلاب الخروج مبكراً عند نهاية الدوام المدرسي، وخوف الطلاب من ذهاب الحافلة من دونهم، ووجود بعض المقاعد غير الصالحة للجلوس عليها، ووجود عدد كبير من الطلاب فوق احتمال سعة الحافلة.


استقرار جميع الرسوم

وفي لقاء عدد من مديري المدارس الخاصة، أكد حميدان ماضي، وكيل مدرسة الضياء الخاصة، أن المدرسة لم تزد رسومها خلال العام الحالي، وهناك استقرار في جميع الرسوم، كما أنها تمنح تخفيضات للأسرة التي لديها أكثر من طالب في المدرسة، سواء في الرسوم المدرسية، أو رسوم الحافلة، ويصل الحسم إلى 10%، وفي ما يخص الزي المدرسي فإن أولياء الأمور لديهم مطلق الحرية في شرائه من المدرسة، أو من خارجها، كما تسهم المدرسة في مساعدة الطلبة من ذوي الدخول المحدودة، وتوفر أيضاً مجانية التعليم كاملة للطلبة الأيتام.
وقالت شيرين مهدي مديرة مدرسة خاصة في دبي: كنا نتقاضى العام الدراسي الماضي 3500 درهم رسم مواصلات للطلبة داخل دبي، أما العام الدراسي الجاري فنتقاضى 3500 درهم لكن حسب المناطق التي يسكن فيها الطلبة، وأن هذا المبلغ يتناقص كلما كان قريباً، ولا يزيد مهما كانت المنطقة بعيدة في دبي.
وأشارت إلى أن المدرسة تتقاضى 4 آلاف درهم رسم مواصلات العام الدراسي الجاري من الطلبة الذين يقطنون في الشارقة، وثمة شركة تعاقدت معها المدرسة لنقل الطلبة ولن تزيد رسوم المواصلات العام الدراسي المقبل، لأن المدرسة تنظر إلى هذه المسألة على أنها خدمة للطلبة وليست قناة للربح.
وأضافت: المطلوب من الأهالي الضغط على إدارات المدارس لعدم رفع رسوم المواصلات المدرسية بشكل مبالغ فيه لأنها خدمة للطلبة، ونحن في مدرستنا لدينا لجنة من أولياء الأمور دائماً نتواصل معها ونجتمع ونناقش كل الأمور المتعلقة بالمدرسة، ولا نتخذ أي قرار تغلب فيه مصلحة أحد الطرفين على الآخر.

مسؤولية جماعية


من جانبهم، أكد التربويين «خالد عبدالحميد، وخلود فهمي، واعتدال يوسف، وليد فؤاد»، أن مسؤولية نقل الأطفال بأمن وسلامة، لا تقتصر على شخص بعينه، ولكنها مسؤولية تجمع تحت مظلتها إدارات تلك المراكز والجهات القائمة بالإشراف عليها، فالجميع هنا يُسأل عن أمن وسلامة الأبناء ذهاباً، وأياباً إلى تلك المراكز.
وأفادوا بأهمية وجود كاميرات مراقبة لمتابعة رحلات تلك الحافلات، كما هو معمول به في جميع المدارس الحكومية والخاصة، توفر أكبر قدر من سلامة الطلبة، فضلاً عن أهمية تدريب وتأهيل السائقين، وتنبيههم والمشرفات إلى إجراءات الأمن والسلامة، وفق ما سطرته وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع الجهات المعنية بالإشراف على الحافلات التي تنقل الطلبة، مطالبين بعمل جميع الحافلات تحت مظلة معايير موحدة، وتشرف عليها جهة معنية واحدة، ما دام الأمر يتعلق بطلب العلم، سواء كان لتلقي العلوم في المدارس، أو حفظ القرآن الكريم، ودراسة علومه.

عشرة إجراءات

في وقفة مع وزارة التربية والتعليم، حددت الوزارة 10 إجراءات لسلامة الطلبة في الحافلة المدرسية، تتضمن البقاء في المقاعد في جميع الأوقات، خاصة أثناء تحرك الحافلة، والتهذيب واتباع تعليمات السائق ومشرف الحافلة، والالتزام بعدم إدخال لأجسام خطرة غير مسموح بها في الحافلة، مثل «الأسلحة، الزجاج، والكبريت، والولاعات»، فضلاً عن الالتزام بعدم استخدام النوافذ، وأبواب الطوارئ أثناء تحرك الحافلة، وإبقاء الممرات وأماكن الخروج سالكة وعدم وضع أي شيء يعيق الطلبة.
ووضعت 21 مهمة لإدارات المدارس في ما يخص عملية النقل المدرسي، أهمها «تنظيم خروج الطلبة، والالتزام بمواعيد تحرك الحافلات، وتوفير منطقة آمنة وخالية من مركبات المعلمين وأولياء الأمور، وتشكيل لجنة لشؤون الطلبة تعنى بتطوير وتحسين الإجراءات الوقائية لضمان أمن وسلامة الطلبة، وتخصيص المقاعد الخلفية للطالبات والأمامية للطلاب في مدارس الدمج».


تقرير فصلي ونظام استشعار


شددت وزارة التربية والتعليم على أهمية إعداد المدارس، تقريراً فصلياً يلخص المخالفات والسلوكات المؤثرة في أمن وسلامة الطلبة، فضلاً عن انعقاد لجنة السلوك التربوي بالمدرسة في حال ورود أي مشكلة في الحافلة، مع التزام المدارس بتوفير مناوب إداري يومياً لمدة ساعة بعد موعد انصراف الحافلات، وتزويده بأرقام التواصل الخاصة بالسائقين، والمشرفين في الحافلات.
واقترح مسعود عبدالله مسؤول النقل المدرسي في إحدى المدارس، تزويد الحافلات بنظام استشعار آلي دقيق موزع على مقدمة، وجوانب، ونهاية المركبة، بحيث يرسل إشارات تنبيهية وتحذيرية، عند وجود أحد من الأطفال داخل الحافلة عقب إنزال زملائه، إذ إن الحساسات التي يتم تزويد المركبات بها تحول دون نسيان الأطفال، لا سيما أنها مزودة بكاميرات تعمل على كشف حالة الحافلة من الداخل، ووجود أطفال من عدمه، قبل عملية إغلاق باب الحافلة.