تغيّر المناخ.. أضرار تعصف بالعالم

03:00 صباحا
الصورة
ريم عبدالمجيد *

تصاعدت المخاوف بشأن أضرار تغير المناخ، فالأمر لم يعد يمثل مشكلة مستقبلية كما اعتقد البعض بل أضحى أزمة آنية. وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة مرحلة تطورها الحالية بأنها نقطة اللا عودة، وذلك خلال قمة المناخ بمدريد التي عقدت في الفترة من 2 إلى 13 ديسمبر.
قمة مدريد، هي المؤتمر السنوي الخامس والعشرون للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) بهدف التأكد من التزام الدول وتنفيذها اتفاق باريس الذي يهدف إلى دفع الجهود التعاونية الدولية نحو الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية لتصل إلى معدل أقل من مستويات ما قبل الصناعة.

الوضع الراهن للأزمة

توقع قادة العالم عقب توقيع اتفاقية باريس حدوث تراجع في معدلات انبعاث الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري ولكن حدث العكس، فعام 2019 يختتم عقداً من الحرارة العالمية الاستثنائية، ومن زيادة معدلات ذوبان الجليد، وارتفاع مستويات سطح البحر بسبب الغازات الدفيئة بشكل غير مسبوق وصفته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في بيانها حول حالة المناخ العالمي المعلن في قمة مدريد بأنه الأعلى على الإطلاق. ومن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 3.2 درجة مئوية هذا القرن. مثل هذا الارتفاع في درجات الحرارة من شأنه أن يعرض مليارات الأرواح للخطر من جراء الظروف المناخية القاسية المدمرة، وسوف يهلك النظم الإيكولوجية ذوبان الصفائح الجليدية (مثل غرب القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند) ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحر متعدد المستويات ويهدد المجتمعات الساحلية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المدن الكبرى مثل لندن ونيويورك وطوكيو. في ظل هذه الحقائق سوف تحتاج الانبعاثات إلى الانخفاض بنسبة 7.6 ٪ كل عام في العقد المقبل. وسيتطلب ذلك من معظم الدول رفع التزاماتها قبل الاجتماع القادم لمؤتمر الأطراف في غلاسكو في نوفمبر المقبل.

قمة مدريد

تعد قمة مدريد نقطة الانطلاق لعام 2020 الأكثر أهمية بالنسبة لأزمة المناخ العالمية منذ توقيع اتفاق باريس في عام 2015 لأنه من المتوقع أن تقوم الدول بتحديث خططها الخاصة بخفض الانبعاثات لأول مرة وتوضيح خططها طويلة الأجل الهادفة للوصول إلى «صفر انبعاثات» قبل قمة غلاسكو. وبذلك فإن محادثات مدريد توضح الأمور التقنية وتضع القواعد الأساسية لخفض الانبعاثات بجانب حسم قضايا شائكة أهمها التجارة الدولية في الكربون التي تعرف بتجارة الانبعاثات بين الدول، التي تم تناولها في المادة 6، نظرًا لأن وجود سوق عالمية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من شأنه أن يسمح للحكومات والشركات بتداول إنتاجها من غازات الدفيئة، ومن ثم يقع على عاتق قادة الدول في قمة مدريد وضع ضمانات للنزاهة والشفافية في تطبيق المادة 6 نظراً لأن عدم وجود آليات إشرافية واضحة قد يعيق إجراءات الحد من الانبعاثات. وكذلك يجب أن يتم الاتفاق على جداول زمنية محددة توضح موعد تقديم الدول خطط خفض الكربون الخاصة بها في عام 2020.
في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى عزم المفوضية الأوروبية الإعلان عن قانون المناخ الهادف إلى تحقيق هدف الحياد المناخي لعام 2050 والذي يعني تحقيق التوازن بين انبعاث الكربون وامتصاص الكربون من الغلاف الجوي، بجانب طرحها خطة شاملة حول هدف خفض الانبعاثات لدى الاتحاد الأوروبي لعام 2030 إلى 50% مقارنة بعام 1990. لكن هذه القرارات من غير المتوقع أن تلقى قبول كافة الدول الأعضاء بما يجعلها رمزية فقط ولن تدخل حيز التنفيذ، خاصة أنها غير ملزمة لأعضاء الاتحاد بجانب أن الدول قد فشلت في يونيو 2019 في الاتفاق على هذه الخطة بسبب معارضة بولندا والمجر والتشيك، ويضاف إلى ذلك أن دول الاتحاد هي أكبر ملوث بعد الولايات المتحدة والصين بسبب أنشطتها الصناعية التي يصعب أن توقفها خلال هذه الفترة القصيرة.
وينبغي أيضاً حسم قضية تعويض الدول النامية التي عانت من الآثار المدمرة لتغير المناخ التي تسببت فيها الدول الصناعية المتقدمة. هذه القضية تم إثارتها أكثر من مرة - منذ ثلاثة عقود- دون التوصل لحل نظرا لإلقاء كلا الطرفين اللوم على الآخر، حيث ترى الدول المتقدمة أن الدول النامية تسببت في ارتفاع معدلات التلوث ومن ثم لا يقع على عاتقها دفع أية تعويضات، بينما ترى الأخيرة أن الأولى بسبب أنشطتها الصناعية المعتمدة بشكل أساسي على الوقود الأحفوري تسببت في هذه الكارثة وهو ما دفعها للقول بأنه لا ينبغي أن تتحمل جميع الدول تكاليف متساوية لمواجهة أزمة تغير المناخ.
ولحل هذه القضية ناقش مبعوثو الدول في اجتماع قمة مدريد تحديد الخسارة والأضرار من تغير المناخ بجانب تحديد التكاليف الواقعة على كل دولة لتفاديها.

تحديات وقرارات حاسمة

رغم خطورة وكارثية نتائج أزمة تغير المناخ على كافة الدول إلا أنه من غير المتوقع أن تنتهي قمة مدريد بتحقيق كل الأهداف المنتظرة، لوجود عدة معوقات أهمها عدم قيام الدول الصناعية الكبرى - بخاصة الولايات المتحدة التي انسحبت من اتفاقية باريس بجانب تغيبها عن كافة القمم الإقليمية والدولية المعنية بتغير المناخ- ببذل مجهود كاف لتحقيق الأهداف المناخية الثلاثة اللازمة لتقليل خطورة الأزمة وهي خفض الانبعاثات بنسبة 45% بحلول 2030، تحقيق الحياد المناخي، وتحقيق الاستقرار في ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الجاري.
هذا بالإضافة إلى عدم توافر الموارد اللازمة لتحقيق هذه الأهداف لدى الدول النامية. كما يوجد تحد يتمثل في إلزام الحكومات بإعادة النظر في نهجها الحالي تجاه تغير المناخ ومراجعة خططها الوطنية بجانب دعمها للقواعد والاتفاقيات الدولية التي يمكن أن تسهل وتشجع تنفيذ المزيد من الإجراءات المناخية.
ويمكن القول إنه لنجاح الدول ال 25 لمؤتمر الأطراف يجب الوصول إلى قرارات حاسمة، فيلزم التقدم بمخطط لكيفية التعاطي مع الأضرار الناجمة عن تغير المناخ تشمل دعم الدول والأشخاص المتأثرين بهذا التغير. كما يجب تقديم قواعد للتعاون الدولي لخفض الانبعاثات العالمية بحيث تكون صارمة، خالية من الثغرات أو الازدواجية، لأن تقديم قواعد ضعيفة مرة أخرى يعد فشلًا كونه يُتيح استمرار وزيادة استخدام الوقود الأحفوري. ويجب حث الدول على زيادة طموحها الوطني - أي المساهمات الوطنية- بجانب تشجيعها على زيادة تمويل المناخ لدعم تطوير وتنفيذ خططها الوطنية.

* باحثة ماجستير بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وباحثة بالمركز العربي للبحوث والدراسات متخصصة في قضايا الأمن غير التقليدي