سر الريسفيراترول

14:58 مساء
قراءة 8 دقائق

أصبحت مادة ريسفيراترول Resveratrol تتصدر الاخبار والمناقشات في الاوساط الطبية في الدول الغربية المتقدمة باعتبارها مادة يمكن ان تغير وجه الطب، وموضوع الساعة الذي لا يخلو منه اي جدل بين الاكاديميين والباحثين في مجال الصحة والطب.

كما اصبحت هذه المادة محل عدد كبير للغاية من التجارب العملية في مئات المختبرات لاستكشاف المزيد من فوائدها وتأكيد صحة ما تم اكتشافه من هذه الفوائد والمزايا.

ما هي مادة الريسفيراترول؟

هي مادة تجمع في صفاتها وتركيبها بين ما هو طبيعي وما هو كيميائي، وقد تم اكتشافها في القشرة الخارجية لحبات العنب وفي العديد من الفواكه والنباتات والحبوب.

واثبتت التجارب والدراسات الطبية فائدتها الكبيرة كمادة مضادة للتأكسد ولغزو الفطريات للجسم ومكافحة التوتر والضغط والاجهاد والمساعدة على شفاء الجروح ومنع التهابها، وكذلك الحيلولة دون الالتهابات والتهيجات والحروق الناجمة عن التعرض طويلا لاشعة الشمس.

كما اتضحت الفوائد العظيمة لهذه المادة في تخفيف امراض السرطان وامراض القلب والمساعدة على علاجها ومنع تفاقمها وتدهور حالات المصابين بها.

وتنتمي مادة ريسفيراترول إلى عائلة الادوية والعقاقير المضادة للتأكسد والبوليفينول، ويمكن استهلاكها من خلال العصير المستخلص من العنب حيث توجد بكثرة في قشور حبات العنب الاحمر.

ما حقيقة الضجة حولها؟

أظهرت الدراسات العلمية فائدة مادة ريسفيراترول الكبيرة التي تجلت في تحسين الوضع الصحي لفئران معملية تعاني من زيادة الوزن والبدانة والتقدم في العمر الشيخوخة وخاصة الذكور منها، حيث تلعب هذه المادة دوراً حيوياً في مساعدة تلك الفئران على احراق السعرات الحرارية الزائدة لديها والتخلص منها، بينما لم تنقص اوزان الفئران التي لم يتم اعطاؤها مادة ريسفيراترول وذلك استناداً لدراسة طبية نشرت في مجلة نيتشر عام ،2006 واجريت بجهود علمية مشتركة لمختبرات رافائيل دي كابو والدكتور ديفيد سنكلير من كلية الطب في جامعة هارفارد ومجموعة من الباحثين.

وقال هؤلاء العلماء والباحثون إن اجسام الفئران التي بلغت من العمر 60 اسبوعاً بدأت تتخلص من تجاعيد الشيخوخة الناجمة عن البدانة والفائض من السعرات الحرارية، وان مادة ريسفيراترول أسهمت بشكل كبير في زيادة اعمارها بمعدل 3 4 اشهر، وان الفئران التي بلغت اعمارها 114 اسبوعاً وكانت تعاني من السمنة وزيادة السعرات الحرارية نفق اكثر من نصف عددها لانه لم يتم حقنها بهذه المادة، وان الفئران التي لم تتم معالجتها بها زادت من معدل افراز البلازما من الانسولين والجلوكوز بسبب معاناتها من السمنة وفائض السعرات الحرارية مقارنة بتلك التي تماثلها في العمر والوزن الزائد ولكنها عولجت بها.

واضاف هؤلاء ان الفئران البالغة من العمر 18 والتي لم يتم حقنها بمادة ريسفيراترول اصبح وزنها ضعف وزن نظيرتها في العمر والتي تم حقنها بها والتي كانت عملية الأيض أو التغيير الداخلي الكيميائي في الخلايا لديها اكثر نشاطا وفاعلية وخاصة في التخلص من فائض الجلولكوز والمواد السكرية مما يعني زيادة نشاط الجينات الوراثية في الكبد ومضاعفة حيوية قوتها المحركة.

وقال دي كابو بعد ستة اشهر من التجارب اثبتت مادة ريسفيراترول فاعلية وتأثيراً كبيراً في منع التأثيرات السلبية للسعرات الحرارية الفائضة عن الحاجة مما يعني نجاح نظام الريجيم الغذائي لانقاص وزن الفئران التي تم علاجها بها، وما زال امامنا الكثير من العمل للوصول إلى فهم اعمق واكبر لفوائد هذه المادة ودورها الايجابي في علاج العديد من الظواهر والاعراض المرضية.

كما أظهرت الدراسات والتجارب على المواد المضادة للتأكسد الموجودة في العنب الاحمر ان هذه المواد تساعد على منع ظهور وتطور انواع محددة من السرطان حيث تقلل احتمالات الاورام السرطانية في الحيوانات التي تمت معالجتها بهذه المواد وتمنع تفاقم تلك الاورام في مراحل متقدمة من الاصابات السرطانية وتحول دون نمو انواع كثيرة من الخلايا السرطانية في الجلد وتسهم كيميائياً في العمل ضد أي من المراحل الثلاث للاصابة بالسرطان وهي مرحلة البداية ومرحلة الانتشار والتوسع ثم مرحلة التقدم والتعمق.

ريسفيراترول تساعد على الشفاء من أمراض كثيرة

أظهرت الدراسات والتجارب العلمية ان لمادة ريسفيراترول الموجودة في العنب الاحمر والعصير المستخلص منه فائدة كبيرة في علاج امراض القلب والسرطان والاختلال العقلي الناجم عن أمراض في الدماغ.

واجرى باحثون في الدنمارك مؤخراً دراسة شملت 25 الف شخص لدراسة تأثير الكحول في نسبة الوفيات واكتشفوا أن نسبة الوفيات بين من يتناولون النبيذ الاحمر (المستخلص من العنب) بكثرة تقل بنسبة 40% ، وان هؤلاء وخاصة الفرنسيين يمكنهم تناول الانواع الدهنية الدسمة من الطعام دون التعرض للاصابة بامراض القلب وهذا ما يسمى التناقض الفرنسي French Paradox.

كما يمكن استخراج مادة ريسفيراترول من اشجار الصنوبر والاناناس والمكسرات والعنب ونباتات أخرى منها بوليغونوم وكاسبيداتوم.

وتصنف هذه المادة ضمن عائلة البوليفينولPolyphenol التي تماثلها في التركيب الكيميائي.

وفي بداية التسعينات حدد العلماء العنب الاحمر ومشتقاته سبباً واضحاً وقاطعاً لظاهرة التناقض الفرنسي بعد إدراكهم ان المادة المذكورة الموجودة فيها قد تكون هي المحتوى السري والسحري الذي يقف خلف تمتع كثير من الاشخاص بقلوب صحية سليمة.

وتستخدم هذه المادة كعلاج تقليدي في آسيا لامراض القلب حيث تؤخذ مادة ريسفيراترول من نبات البوليغونوم الذي ينتج عدداً من المواد الكيميائية المضادة للتأكسد ذات الحيوية والفاعلية التي اثبتت التجارب اللاحقة فاعليتها الكبيرة في منع امراض الشرايين والاوعية الدموية للقلب دون ان تترك آثاراً سامة على الخلايا، وهذا ما اكدته دراسات وابحاث كثيرة اجريت خلال العام الماضي واتضح منها ان هذه المادة تساعد على علاج الشرايين والاوردة وضمان تدفق الدم فيها ومعالجة مجموعة متنوعة من المشكلات الصحية ومنها الحيلولة دون زيادة معدل الكوليسترول وانجاح عدد من انماط الحمية الغذائية للسيطرة على زيادة الوزن.

ويتساءل الكثير من الناس عن سر ظاهرة التناقض الفرنسي ولماذا يمكن لشخص ما ان يأكل طعاما دسما فيه الكثير من النشويات والدهون دون تعرضه لخطر الاصابة بامراض القلب؟

قد يكون السبب في ان العنب (أو النبيذ الذي يتناوله الفرنسيون) يحتوي على مادة ريسفيراترول التي تأكد مفعولها القوي كمادة مضادة للتأكسد مع ان معظمنا يدرك ان البروتين الدهني قليل الكثافة القابل للتأكسد يشكل احد المتاعب الصحية في امراض القلب مما يستوجب ضرورة تناول الفيتنامينات المضادة للتأكسد.

كما اكتشف الباحثون ان مادة ريسفيراترول تشبه في تأثيرها حبوب الفياغرا في التأثير في اكسيد النتريك الذي يحتوي على النتروجين الخماسي التكافؤ والحد من اضراره فمفعول الفياغرا يتركز على الاوعية الدموية الصغيرة بينما ينصب مفعول ريسفيراترول على الاوعية الرئيسية والشرايين الدموية الكبيرة.

كما اجرى باحثون كنديون دراسات وتجارب على تأثير هذه المادة في منع التصاق وتجلط خلايا الدم معا وتوصلوا إلى ان مادة الايثانول عملت على منع تخثر تلك الخلايا.

مادة ريسفيراترول والزهايمر

اثبتت هذه المادة فاعلية كبيرة في طرد المواد الغريبة والشاذة من الدماغ وتنظيفه منها لاحتوائها على آلية لحماية الدماغ منها ومن بعض الامراض مثل الزهايمر.

ورغم ان الدراسات والتجارب في هذا الشأن ما زالت في مراحلها الاولية إلا انه تم تحقيق تقدم في معرفة تأثير مادة ريسفيراترول في تقليل مخاطر الزهايمر وغيره من الامراض التي لها علاقة بتلك المواد والعناصر الضارة والمؤذية. وبما ان الدماغ يتكون بشكل رئيسي من احماض دهنية مثل القلب فهو بحاجة مثله تماما للحماية من الدهون السريعة التأكسد.

ويفرز مرضى الزهايمر نوعاً غريباً من البروتين يسمى بيتا امالويدbeta-amyloid في الدماغ ويحدث نوعاً مؤكسداً من الضغط، اي ان الدماغ يتعرض لضغط احماض مؤكسدة مما يؤدي إلى قتل اعداد كبيرة من الخلايا بسبب ما ينجم عن ذلك من نشاط كبير للمواد الضارة والعناصر الشاذة يؤدي إلى موت الخلايا باعداد كبيرة ثم إلى ضعف وتراجع تدريجي في القدرات الذهنية لمرضى الزهايمر، واتضح ان مادة ريسفيراترول يمكن ان تحمي الدماغ ضد العناصر المؤكسدة وهي فيتامين سي وفيتامين إي وتلك المادة تلعب دوراً أكبر في حماية الدماغ.

ريسفيراترول وإصابات الحبل الشوكي

أظهرت دراسة علمية صينية حديثة ان مادة ريسفيراترول تلعب دورا مهما في علاج اصابات حبل النخاع الشوكي وتقليل ما تسببه من جلطات الدماغ أو شلل في اعضاء الجسم، وان آثار العلاج بهذه المادة أقل ضررا من ادوية العلاج الاخرى مثل الاسبرين والكورتيزون.

كما تساعد هذه المادة على منع تأثير نوع معين من الانزيمات في تغيير رد فعل الخلايا تجاه اصابات الحبل الشوكي، وان تناولها بانتظام يحول دون وصول آثار تلك الاصابات إلى الدماغ ومنع اصابته بالجلطة أو السكتة، وهذا ما اثبتته التجارب والدراسات على الفئران والقوارض التي تمت معالجتها بمادة ريسفيراترول لمدة 21 يوماً وان حيويتها وقوتها الحركية في الاوقات التي لم يتم حقنها فيها بهذه المادة.

هل هو اكسير الحياة؟

تشير أدلة منذ سنوات إلى أن العنب الأحمر مفيد للقلب ولكن علماء يزعمون الآن أن في قشور العنب الأحمر مواد كيميائية تطيل العمر.

وقال البروفيسور في مدرسة هارفارد الطبية دافيد سينكلير إن المواد الكيميائية تحتوي على مركب يوقف زحف الشيخوخة اسمه ريسفيراترول (Resveratrol).

وكان سنكلير أسس في عام 2004 شركة بهدف تطوير مركب اصطناعي من هذه المادة الكيميائية لصنع دواء مشتق من هذا المركب، وقامت شركة جلاكسو سميث كلاين البريطانية العملاقة بشراء شركته بمبلغ 361 مليون جنيه استرليني (حوالي 722 مليون دولار أمريكي).

وأذهل حجم مبيعات الادوية المشتقة من هذا المركب علماء قالوا إنه ليس هناك سوى معلومات قليلة عن فعاليته أو عن مدى سلامة تناوله على الناس. ولكن البروفيسور سنكلير مقتنع بأنه اكتشف إكسير الحياة.

وأضاف سنكلير إذا كنا على صواب فإن الشركة التي تسيطر على هذا السوق يمكن أن تغير وجه الطب، مشيراً إلى أن التجارب التي أجريت على فئران بعد إعطائها هذه المركّب عاشت لفترة أطول واكتسبت مناعة ضد الاصابة بمرض السكري والسرطان والزهايمر والبدانة.

وأظهرت تجارب حديثة أن القوارض التي تجّوع في المختبرات بأن أعمارها تزيد على ال 30% بسبب تنشيط جين البقاء المعروف باسم sirtuin والذي يقول سنكلير إن مركب (resveratrol) هو الذي يحفزه على العمل أيضاً.

الريسفيراترول عدو السرطان

يخصص الباحثون والعلماء جانبا كبيرا من ابحاثهم وتجاربهم لاستكشاف فاعلية هذه المادة وفوائدها في علاج امراض السرطان ويأملون في احراز تقدم كبير ونتائج حاسمة بشأن النجاح في معالجة عدد من اشكال السرطان من خلال هذه المادة التي تجمع بين صفات الدواء الطبيعي والدواء الكيميائي.

وأكدت الدراسات والتجارب التي اجريت في السنوات القليلة الماضية الدور المهم لمادة ريسفيراترول في وقف استفحال السرطان في مراحل معينة وانها تسبب موت انواع معينة من الخلايا منها الخلايا السرطانية.

وتوصل باحثون من جامعة نوتردام إلى أن هذه المادة تزيد من فاعلية فيتامين دي في منع نمو خلايا سرطان الثدي بينما توصل باحثون آخرون إلى انها تضعف مقاومة تلك الخلايا للعلاج بالادوية الكيماوية وتجعلها أكثر استجابة.

كما خلص باحثون استراليون من دراساتهم وتجاربهم إلى ان تلك المادة تمنع الخلايا السرطانية من التعمق والوصول إلى العظام وتحول دون استفحال هذه الخلايا في نموها وانتشارها في البنكرياس والثدي والبروستات والقولون ولكن بفاعلية اقل.

وقد بيّنت الدراسات والتجارب ان مادة ريسفيراترول اكدت فاعليتها في منع السرطانات التالية:

سرطان القولون

سرطان الصدر (الثدي) جميع الاشكال

سرطان البروستات جميع الاشكال

سرطان الدم (اللوكيميا) (عدة أنواع)

سرطان الجلد والبشرة

سرطان البنكرياس

سرطان المبيض

سرطان الكبد

سرطان الرئة

سرطان المعدة

سرطان العنق والفم

سرطان الاورام الليمفاوية

سرطان الغدة الدرقية

مادة تؤخر الشيخوخة

جاء في تقرير نشره الباحثون في كلية الطب في جامعة هارفارد ومختبرات بيومول ان مادة ريسفيراترول تلعب دوراً فاعلاً في تنشيط الجين الخاص بالعمر والذي يسمىlongevity Gene مما يطيل العمر بنسبة تصل الى 70% في بعض الاحيان.

وقال الباحثون بعد تجارب اجريت على الخميرة ان ذلك يسري بدرجات متفاوتة على الديدان والذباب والبشر. وأضاف هؤلاء ان فاعلية هذه المادة في تنشيط عمل جين العمر وجينات الشيخوخة تعود الى تركيبها الكيميائي.

ومن أبرز الاسباب المعروفة للوفاة والشيخوخة هو ضعف الخلايا الاقدم والاطول عمرا وفقدانها القدرة على نقل الحمض النووي الى الخلايا الجديدة، مما يؤدي الى تجمع اجزاء وذرات منه تحول دون قيام تلك الخلايا القديمة بوظائفها مما يؤدي الى ضعفها وشيخوختها وموتها خلية بعد اخرى، وهو ما ينعكس بالشيخوخة على الشخص.

وقد اظهرت التجارب ان مادة ريسفيراترول تقلل من عملية تجمع تلك الذرات والدقائق من الحمض النووي بنسبة 60% من خلال تفعيلها جين البقاء او إطالة العمر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"