سكري العين.. تأثيرات سلبية وعلاجات فعالة

05:44 صباحا
الصورة
تحقيق: راندا جرجس
يعتبر السكري من الأمراض ذات التأثيرات المتعددة التي تطال أجهزة الجسم المختلفة، ويؤثر في الأوعية الدموية في أنحاء الجسم كافة وعلى أعصاب الجسم ولاسيما أعصاب العين، حيث يتسبب في مجموعة من الاضطرابات المرضية، بخلاف اعتلال الشبكية السكري الشهير، ويعتبر أحد الأسباب المعروفة لحدوث التحلل المتكرر في الخلايا السطحية للقرنية، وغيرها من الأمراض، وهناك قسم منها شائع والقسم الآخر أقل شيوعاً، لكنه أكثر خطورة، وفى هذا التحقيق نتعرف ونستعرض أبرز هذه الإصابات والوقاية منها.
في البداية.. يوضح الدكتور محمد العامري استشاري العيون وأمراض الشبكية أن فقدان البصر الناتج عن اعتلال الشبكية السكري يحدث نتيجة الإصابة بتورم ما حول العين وهذا يحدث بالأساس نتيجة التأخر في اكتشاف داء السكري أو اعتلال الشبكية، وكذلك الإهمال في تناول العلاج في الوقت المناسب، وعليه ينصح مريض السكري بمراجعة طبيب عيون مرة واحدة في السنة على الأقل وعند وجود تغيرات أو اعتلال في الشبكية فإن المريض بحاجة إلى متابعة عبر فترات متقاربة حسب إرشادات الطبيب، كما أن علاج السكري واحد من العوامل التي يجب التقيد بها والأهم من ذلك الحفاظ على عدم ارتفاع نسبة السكري في الدم، لأن ذلك يعتبر العامل الوقائي الرئيسي الذي يخفف ويؤخر الإصابة باعتلال الشبكية السكري، وهناك ثورة علمية لعلاج هذه المضاعفات وبالأخص تورم مركز الإبصار حيث يعمل على تحسين الإبصار والمحافظة عليه.
فقدان البصر

وعن تشخيص اعتلال الشبكية يقول د.عمار صفر، استشاري أمراض وجراحة العيون، إن مرض السكري يشكل هاجساً يؤرق أخصائيي الرعاية الصحية حول العالم، ومع تزايد انتشار هذا المرض، والمضاعفات الناتجة عنه كاعتلال الشبكية السكري الذي يعتبر أحد مسببات فقدان البصر الرئيسية لدى مرضى السكري، والذي يمكن تجنبه خصوصاً لدى الفئات الشابة التي تشكل معظم القوى العاملة حول العالم، وعادة ما يصيب الاعتلال كلتا العينين، ويكون مرض اعتلال الشبكية السكري عديم الأعراض في بداياته، لكن مع تقدم المرض تظهر عند المرضى بعض الأعراض كالشعور بالألم والضغط في إحدى العينين أو كلتيهما، بالإضافة لظهور بقع بصرية أو خطوط سوداء هائمة في مجال البصر، بالتزامن مع عدم وضوح البصر وضعف الرؤية أو ظهور مناطق مظلمة في مجال الرؤية، وفي الحالات المتقدمة فقدان البصر.
الكشف المبكر

يمكن تجنب 95% من حالات فقدان البصر بسبب اعتلال الشبكية السكري من خلال الكشف المبكر والعلاج المناسب، وباعتبار أن هذا المرض يكون ساكناً وعديم الأعراض في بداياته، فإنه من الضروري لدى جميع مرضى السكري إجراء فحوص دورية سنوية للبصر للكشف عن أي مضاعفات ناتجة عن مرض السكري، ربما لا تكون في الحسبان، كما يعتبر مرضى السكري المصابين بالمرض ولا ينتبهون لأنفسهم أو لأكثر من عشرة أعوام هم الأكثر عرضة للإصابة باعتلال الشبكية السكري، سواءً المصابين بالنوع 1 أو 2 من مرض السكر. ويضيف: حتى وقت قريب كان العلاج الوحيد القائم لاعتلال مرض السكري هو العلاج بتقنيات الليزر المتقدمة لوقف تدهور البصر لدى المريض، مع وجود احتمال ضئيل لتحسن الرؤية، وفي السنوات الماضية ومع تطورات العلاج تم اكتشاف مثبط عامل نمو بطانة الأوعية الدموية الذي يتم حقنه في العين مباشرة وفي عام 2014 وافقت جمعية الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على علاج جديد للاعتلال يتعلق بعامل النمو البطاني الوعائي الدموي لدى مرضى السكري المصابين بوذمة البقع الصفراء (DME)، وكانت هذه الاكتشافات مبنية على خبرات سريرية بحتة والتي بدورها قد تبرهن على وجود تحسن في فعالية العلاجات الأخرى المتاحة.
أمراض السكري

يفيد الدكتور محمد عماد عليلو مختص طب العيون، أن هناك أمراضاً عينية ثبت بالدليل ارتباطها بالسكري ومنها:
} الساد (Cataract) ويعتبر من أكثر الأسباب شيوعاً لتدهور الرؤية لدى مرضى السكري، إذ إن اضطراب استقلاب السكر وتراكم مخلفات الاستقلاب داخل ألياف العدسة وما يرافقهما من اضطراب في الضغط داخل العدسة وخارجها يؤدي في البدايات إلى تشوش رؤية مؤقت مرتبط بارتفاع نسبة السكر في الدم ولكن مع مرور الوقت تفقد ألياف العدسة شفافيتها ما يؤدي لحدوث الساد الذي غالبا ما يكون من النوع القشري أو ساد تحت محفظة خلفية.
علاج جراحي

يضيف الدكتور عليلو: يؤدي الساد إلى تراجع تدريجي في حدة الرؤية ويتم علاجه جراحياً باستخراج العدسة بتقنية استحلاب النواة بالأمواج فوق الصوتية وزرع عدسة صناعية داخل العين وهي عملية تتم تحت التخدير الموضعي عادة إلا إنها تترافق عند مرضى السكري بزيادة مخاطر التهاب باطن العين التالي للجراحة (بسبب ضعف المناعة العامة لدى السكريين) واحتمال تفاقم اعتلال الشبكية السكري بعد جراحة الساد (بسبب اضطراب الحاجز الوعائي الدموي داخل الشبكية الناجم عن الرض الجراحي والتفاعل الالتهابي المرافق له)، وكل هذه العوامل تجعل من الضروري التحضير الجيد لهذا النوع من الجراحات بضبط السكر وعوامل الخطر المرافقة (ارتفاع الشحوم والكوليسترول - ارتفاع توتر شرياني) مع علاج اعتلال الشبكية السكري بشكل مسبق قبل الجراحة لضمان الحصول على أفضل نتائج بصرية ممكنة بعد جراحة الساد.
} اعتلال العصب البصري الإقفاري، ويظهر على شكل تدهور شديد ومفاجئ في حدة الرؤية في عين واحدة غالباً ويعود سببه إلى أن أذية بطانة الأوعية الدموية المرافقة للسكري تؤدي إلى انسداد في الأوعية الدموية الدقيقة المغذية لرأس العصب البصري ما يسبب أذى لألياف العصب البصري، وهنا فإن فقد الرؤية غالباً ما يتحسن جزئياً في نصف الحالات، في حين تستمر الرؤية ضعيفة بشدة في نصفها الآخر رغم المعالجة التي تعتمد على أعطاء العوامل المضادة للأكسدة لأنها تساعد في إيقاف عملية موت ألياف العصب البصري بالإضافة إلى ضبط السكري وعوامل الخطورة المرافقة.
إصابات متنوعة

يشير د. عليلو إلى أن هناك أمراضاً تصيب العين يكون السكرى عاملاً أساسياً مسبباً خطورة مؤكدة ومنها:
} المياه الزرقاء (Glaucoma)، وهو بالتعريف اعتلال في العصب البصري يترافق مع ارتفاع في ضغط العين وتغيرات في الساحة البصرية، والزرق مرض يمكن ضبطه وعلاجه بأدوات علاجية متنوعة مثل القطرات العينية وبعض أنواع الليزر وصولا إلى الجراحة بطرقها المتنوعة بشرط أن يتم الكشف عنه مبكراً قبل حدوث الأذية الدائمة للساحة البصرية، ويعتبر السكري من عوامل الخطر المؤكدة للإصابة بالزرق ولا سيما الزرق البدئي المفتوح الزاوية والزرق الوعائي.
} الزرق البدئي مفتوح الزاوية، ويكون معدل الإصابة به بين السكريين ٥٪ مقابل ٢٪ في عموم المجتمع وتتجلى خطورته في كونه يسبب فقد الرؤية تدريجياً وغير قابل للتراجع بشكل صامت ومن دون أي أعراض ظاهرة إذ غالباً ما يكتشف المريض بالصدفة وجود ارتفاع في ضغط العين، أو فقد للساحة البصرية وعندها يكون فات الأوان لإصلاح الضرر ما يجعل من الأهمية بمكان إجراء الفحص الدوري لتحري الزرق البدئي عند السكريين.
* الزرق الوعائي، وغالباً ما يشاهد عند المرضى المصابين بالسكري منذ سنوات طويلة مع إهمال ضبط السكر والعلاج الملائم إذ يتطور عند هؤلاء إفقار معمم في الشبكية ينجم عنه إفراز نسيج الشبكية لعوامل محفزة لنمو الأوعيــة تكــــون الســـــبب فــــي تــــشكل أوعية جديدة غــــير طبيعية ضمن نسيج القزحية، تبدأ عند حافة الحدقة وتزحف بالتدريج لتغلق زاوية البيت الأمامي للعين ما يمنع تصريف الخلط المائي ويسبب ارتفاعاً دائماً وأحياناً مؤلماً لضغط العين، ويعتمد علاج هذا النوع من الزرق على العلاج الدوائي مبدئياً وإجراء تخثير الشبكية الضوئي باستخدام الأرغون ليزر الذي يسبب تراجعاً في نمو هذه الأوعية الشاذة إذا أجري مبكراً، وحديثاً ثبت وجود تحسن باستخدام حقن خاصة لأدوية مضادة للعوامل المنمية للأوعية تعطى داخل العين.
مضاعفات خطرة

} إصابات ومشاكل القرنية، وتنجم عند السكريين من عاملين أولهما اعتلال الأعصاب السكري الذي يسبب نقصاً في حساسية القرنية للألم، والعامل الآخر أن تؤذي الخلايا ظهارية القرنية الناجمة عن تراكم نواتج الاستقلاب غير الطبيعي للسكر ونقص عدد الروابط المثبتة لظهارية القرنية مع اللحمة، وسريرياً تتنوع مشاكل القرنية عند السكريين من اعتلال القرنية النقطي وسحجات القرنية المعاودة مروراً بقرحات القرنية صعبة العلاج ولا سيما عند مستعملي العدسات اللاصقة وصولاً إلى اعتلال القرنية الانكشافي ولا سيما بعد الرض الجراحي في عمليات الساد أو القطع الزجاجي إذ تتسبب في سحجة قرنية صعبة العلاج ويصبح من الصعوبة بمكان استعادة النمو الطبيعي لظهارية القرنية. تستدعي هذه الحقائق الانتباه الفائق لدى مستخدمي العدسات اللاصقة من السكريين إذ يجب أن تتخذ جميع احتياطات النظافة والتعقيم عند استخدامهم للعدسات اللاصقة بهدف منع إنتانات العين أو قرحات القرنية لأنها ربما تكون صعبة العلاج عند المرضى السكريين وتؤدي لعواقب وخيمة على العين، كما ينصح معظم المرضى السكريين باستعمال القطرات المرطبة للعين ولاسيما في منطقتنا التي يزداد فيها نسبة جفاف العين نتيجة عوامل متعددة بهدف الحفاظ على ظهارية القرنية سليمة ومنع اعتلالات القرنية والتقرحات التي تكون مزعجة سريرياً.
} انسدادات الأوعية الشبكية، انسداد وريد شبكي مركزي فرعي أو انسداد شريان شبكي مركزي أو فرعي، ويعتبر السكري من العوامل المؤهبة لجميع هذه المشاكل الوعائية من خلال آلية الأذية الوعائية لبطانة الأوعية الدموية، ومن المهم هنا التفريق بين المظاهر السريرية لهذه الأمراض عن مظاهر اعتلال الشبكية السكري بسبب الاختلاف في طريقة التدبير والعلاج.

ملايين المصابين

يعتبر مرض الاعتلال الشبكي لمرضى السكرى أحد مضاعفات داء السكري الذي يصيب شبكية العين ، حيث يؤدي إلى تلف في الأوعية الدموية للشبكية والذي يسبب بدوره تلفاً في الخلايا العصبية للشبكية، ومن المعروف أن السكري يصيب عدداً كبيراً من الناس ، حيث إن عدد المصابين به وصل في عام 2013 لـ 422 مليون مصاب، ويتوقع أن يرتفع إلى 680 مليوناً في العام 2035 حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، واعتلال الشبكية السكري يصيب 35% ممن يعانون داء السكري ويتراوح ما بين البسيط إلى الشديد ويزيد مع زيادة فترة الإصابة بالسكري وفي الحالات التي لا تسيطر على مستوى السكر أو المصابين بارتفاع ضغط الدم، وزيادة نسبة الدهون، حيث إن من بين كل عشرة مصابين هناك شخص معرض للإصابة باعتلال الشبكية السكري الشديد مع تورم فيما حول العين والذي يؤدي إلى نقص شديد في الرؤية أو فقدان البصر.