"قرية حتا التراثية" مزيج حضاري أصيل

ملامح من الوطن
13:17 مساء
قراءة 7 دقائق

تقع قرية حتا التراثية على بعد 115 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من مدينة دبي، في قلب منطقة حتا وعلى سلسلة من جبال حجرية تحيط بالمكان، تسمى جبال حجر، ويميز القرية برجان أثريان يطلان على القرية من قمتي جبلين يحيطان بها، وفي الماضي سميت حتا (بالحجرين) نسبة إلى هذين الجبلين، وكان يتم استخدام هذه الأبراج كحصن مانع من غزوات الأعداء، وأصبحت قرية حتا التراثية الآن مركزاً تاريخياً تراثياً لمنطقة حتا، وتحتوي على 17 مبنى مختلفة الحجم والسعة تبرز التمازج بين العمارة الجبلية، والصحراوية، والسهلية.

القرية التراثية التي تمت عملية إعادة ترميمها وافتتاحها على يد صاحب السمو حمدان بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي وزير المالية في السادس من شهر فبراير/ شباط 2001م، تعتبر إضافة جديدة للمواقع التراثية في الدولة عموماً، فهي من أقدم المناطق الأثرية المتبقية في إمارة دبي، حيث دلت الاكتشافات على أنها أنشئت قبل حوالي 2000 سنة تقريبا. وتشتمل القرية على مسجد قديم تقام فيه الصلاة يسمى مسجد الشريعة والذي أنشئ قبل 200 سنة تقريباً، وتم ترميمه حديثاً باستخدام الطين والتبن وجذوع النخيل، ويضم المسجد قاعة للصلاة والإيوان وصحن المسجد بالإضافة إلى مئذنة ومرافق وجميعها مبنية من المواد نفسها التي كانت مستخدمة في بناء المسجد قديماً.

حصن حتا

كما تضم القرية حصنا تم إنشاؤه على يد الشيخ مكتوم بن حشر آل مكتوم عام 1896م، وكان مركزاً للقاءات العامة ومناقشة الأمور في السلم والحرب، ويضم حالياً مجلس حتا والذي كان يجتمع فيه والي المنطقة مع الأهالي بالإضافة إلى غرفة نوم الوالي وقلعة لحمايته وفناء داخلي كبير تحيط به أسوار عالية، يمثل بشكله مركزا ورمزا بين القلاع والحصون المهمة في الدولة، وبالحصن قاعة تضم مجموعة من الصور التي تبين القلاع بصورتها القديمة وأخرى بعد ترميمها، وتحتوي على جهاز عرض سينمائي يعرض بالصوت والصورة نبذة عن القلاع والحصون في الإمارات بالإضافة إلى مجسم مصغر عن حصن حتا، يبين جميع تفاصيل الحصن، وفي برج الحصن تعرض نماذج لأنواع مختلفة من الأسلحة منها السكاكين والخناجر والسيوف والأسلحة النارية مثل البنادق والمسدسات والمستخدمة قديماً في المنطقة بالإضافة إلى عدة مجسمات بشرية تصور حراس الحصن في حالة الدفاع عنه ضد الأعداء.

بيوت إحياء التراث

كما تضم القرية عدداً من البيوت التي تحتوي بدورها على عدة غرف تم استخدامها لعرض نماذج ومجسمات من تراث المنطقة، ومن أهم بيوت القرية، البيت التقليدي نموذج البيوت القديمة في حتا ويضم مجلس الضيوف وغرفة النوم الرئيسية وغرفة نوم الأطفال والمخزن والمطبخ وحظيرة للحيوانات مثل الأغنام والبقر وغيرها، وساحة في وسطه وجميع تلك الغرف تضم داخلها عدداً كبيراً من الأدوات والمعدات التراثية والفراش والأثاث التقليدي.

أما بيت الفنون الشعبية فهو بيت تم ترميمه، ويضم غرفتين وفناء وسبلة صالة صغيرة بها كراس تراثية تستخدم لاستراحة الزوار، ويضم البيت مجلسا للشعراء ونماذج من الشعر النبطي الشعبي في المنطقة، وكذلك قاعة الرقصات والأغاني الشعبية والتي تضم معلومات عن الرقصات الشعبية ونماذج للأدوات الموسيقية والطبول المستعملة سابقاً في المنطقة وكلتا القاعتين تضم أجهزة عرض سينمائية لعرض معلومات بالصورة والصوت عن محتويات البيت

وفي بيت الحياة الاجتماعية ثلاث قاعات والليوان وحمامات، حيث يشمل قاعة المجلس والتي تضم بعض المجسمات البشرية التي تبين بعض أهالي المنطقة في المجلس وبها جهاز عرض سينمائي يعرض اللقاءات الاجتماعية للرجال من أهالي المنطقة قديماً بالإضافة إلى قاعة تضم صوراً من الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد الشعبية وتعليم وتحفيظ القرآن الكريم، وكذلك توجد مجسمات بشرية توضح طريقة تجهيز العروس وغيرها، حيث تعرض بالإضافة إلى الصور الفوتوغرافية في جهاز عرض سينمائي بالإضافة إلى وجود قاعة في البيت تعرض عبر المجسمات البشرية والطبيعية ملامح من التعايش مع البيئية الخارجية في منطقة حتا قديماً، حيث تبين الزراعة وطرق الري عن طريق الأفلاج والآبار في منطقة الشريعة في القرية.

ويقع بيت الحرف اليدوية التقليدية خارج القرية بالقرب من البرج الشمالي، ويعتبر من أكبر البيوت في القرية حجماً، حيث يشتمل على عدة قاعات ومرافق وسبلة كبيرة بالإضافة إلى فناء داخلي كبير المساحة، ويعرض البيت عن طريق المجسمات البشرية وأجهزة العرض السينمائي نماذج من الحرف اليدوية التقليدية التي كانت تمارس في الماضي في منطقة حتا مثل الحدادة وصناعة الفخار والعطارة وبيع الأقمشة وبيع التبغ وصناعة الملابس وصبغها بالإضافة إلى صناعة السدو وتجهيزات الإبل وخيام الشعر وغير ذلك من الحرف التي اشتهرت في المنطقة.

ويضم بيت منتجات النخيل غرفتين وسبلة وفناء داخلياً حيث يعرض نماذج من المشغولات اليدوية السعفية وجميع المنتجات التي تنتج من أشجار النخيل والتي اشتهرت المنطقة بزراعتها بالإضافة إلى بعض الأدوات الزراعية القديمة. كما تضم القاعة مجسماً بالحجم الطبيعي لمزارع النخيل، كما يوجد في البيت نموذج للمدبسة والتي يتم فيها إنتاج الدبس وتوضح للزوار طريقة استخراج الدبس من التمر والذي تتم تعبئته في جرار فخارية لحفظه.

وتم تخصيص أحد البيوت التي تم ترميمها في القرية ليكون مطعماً شعبياً تباع فيه أنواع الأكلات الشعبية كافة، ويحتوي على قاعات طعام تم تصميمها بديكور تراثي فريد يعبر عن تراث المنطقة ومنتجاتها ومجهز بكل المرافق الضرورية بالإضافة إلى ساحة داخلية كبيرة يمكن استخدامها خلال فترات المساء والليل.

وخصصت إدارة القرية بيت الترميم ليبين مراحل ترميم القرية عبر الصور الفوتوغرافية التي توضح بيوت القرية قبل وبعد عملية الترميم. وكذلك تم تخصيص أحد البيوت بجانب البوابة الرئيسية ليكون مكاتب لإدارة القرية، كما تضم القرية العديد من الغرف والمحلات التجارية لبيع الهدايا التذكارية والمشغولات التراثية، وتم بناء هذه الغرف بأنواع مختلفة من مواد البناء وذلك لتوضيح التنوع المعماري للمباني في منطقة حتا.

وتضم القرية كذلك بعض المواقع بجانب البرج الجنوبي، وهي فرن التنور والذي يستخدم لطبخ الذبائح، ومنطقة ألعاب الأطفال التي تضم الألعاب التراثية والترفيهية مثل المراجيح والمتاهة والتي تم بناؤها باستخدام الحصى الجبلية والحصير المصنوع من سعف النخيل بالإضافة إلى خشب الجندل، ويحيط بالقرية عدد من مزارع النخيل التي تضفي جمالاً طبيعياً باهراً وهي تتمازج مع الجبال العالية والتي تدخل البهجة في نفوس زوار القرية من جميع أنحاء العالم.

جمعية الفنون الشعبية

بعض الجهات المعنية بالموروث الشعبي القديم تسعى سعياً حثيثاً إلى إبقاء الماضي شاهدا على تاريخ هذه المنطقة، وتمثل جمعية حتا للثقافة والفنون الشعبية إحدى هذه الجهات.

يقول بخيت المقبالي رئيس الجمعية: حققت جمعية حتا للثقافة والفنون الشعبية الكثير من الفعاليات والأنشطة الناجحة، وأنجزت عدة أهداف منها نشر الوعي التراثي، والحفاظ على العادات والتقاليد وإحياء الفنون الشعبية والتراثية، وينتمي الى الجمعية عدد من الفرق المنضوية تحت مظلة الجمعية وعددها 11 فرقة تقدم كل ألوان الفنون الشعبية المحلية.

وأضاف: أصبحت الجمعية اليوم كيانا قائما بمؤسسته المنظمة، تسير على نهج مدروس بخطوات متزنة نحو إعمار الحياة والارتقاء بالتذوق الثقافي منطلقة من أرض التراث الصلبة في حتا، ونتعاون مع بقية الجمعيات في أنحاء الوطن.

وأشار إلى أن قرية حتا التراثية تحظى بأمجاد الماضي وتاريخه وترمز له بموقعها الفريد ومبانيها القديمة، وقد شيدت القرية على غرار كل القرى القديمة في منطقة ساحل عمان الجبلي، ومعظم مباني القرية استخدم فيها الطين والأحجار الجبلية للجدران وجذوع النخيل والدعن والطين للأسقف.

ولفت إلى أن حتا كانت مصيفا يأتي إليه الناس من أماكن شتى سواء من الإمارات أو عمان، وهذا الاصطياف كان يوفر لسكان حتا الكثير من البضائع، وكان المصطافون يبنون بيوتا مؤقتة لهم من غزل الماعز وعرشها من الخوص وكانوا يقضون فيها شهرين أو أكثر، وأن الأعراس والأعياد في حتا كان لها طابعها الخاص.

وقال خالد علي بن غريب مدير قرية حتا التراثية: تمثل القرية الأنموذج الذي كانت عليه المنطقة قديما، فالبناء كان من الطين والأحجار الجبلية وجذوع النخيل والدعن والطين، ومن ابرز معالمها الحصن ويجسد شكل الحياة الدفاعية بما فيه من أدوات وأسلحة، وهناك بيوت تقليدية ترمز إلى أسلوب ونمط الحياة التي كان يعيشها آباؤنا وأجدادنا.

وأضاف: تحتوي القرية على معان كبيرة في الحفاظ على التراث، وزيادة الاهتمام بالحرف التقليدية والأزياء الشعبية، حيث تقوم بالإشراف عليها وإدارتها دائرة السياحة والتسويق التجاري بدبي، وتقوم قرية حتا التراثية حاليا بتوعية وتدريب الشباب على مختلف الفنون الشعبية مثل تعليم اليوله وتعليم رماية السهام، وهما من تقاليد الآباء والأجداد التي تعبر عن الأصالة والقوة.

وأشار إلى أن إدارة التراث العمراني بدبي قامت بترميم المباني الصغيرة المنتشرة حول القرية، بالتنسيق مع بيوت الخبرة وبإشراف من مهندسي البلدية تم تجهيز المواد التقليدية وتصنيعها وفق الأساليب القديمة والتقليدية، مع الاستعانة بأهالي المنطقة ممن لهم الدراية بفنون البناء، وبدأت الأعمال بمعالجة وترميم الأساسات باستخدام الأحجار الجبلية، وإنشاء الجدران باستخدام القوالب الطينية وإعادة إنشاء معظم الأسقف باستخدام جذوع النخيل والدعن.

و في المرحلة الثانية تولت إدارة التراث العمراني بالبلدية مباشرة ترميم وإعادة إنشاء بعض المباني الصغيرة التي تنتشر حول القرية لتربط النسيج التخطيطي للمنطقة. وفي عام 1995م تولى أحد الاستشاريين مهمة وضع التصميمات الخاصة بأحياء القرية وتأثيثها وتحويلها إلى موقع سياحي وقرية تراثية، وقررت البلدية استخدامها كقرية سياحية لإحياء العادات والتقاليد الاجتماعية القديمة، وافتتحت القرية عام 2001م، وحاز المشروع جائزة منظمة العواصم والمدن الإسلامية لعام 2001م.

وأكد أن حتا منطقة مازالت تحتفظ بالكثير من معالمها الحضارية والتاريخية وفيها تم اكتشاف الكثير من الآثار والنقوش والرسومات والمنحوتات التي تعود لعصور قديمة جدا من العصر الحجري إلى العصور الإسلامية المتقدمة والمتأخرة، ولا تزال بعض المعالم الأثرية قائمة في القرية إلى يومنا هذا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"