عادي

الأغذية المعدلة وراثياً بين التشكيك والتأييد

أبحاث تؤكد منافعها وأخرى تحذر من أضرارها

02:37 صباحا
الصورة

الأغذية المعدلة جينياً هي الأطعمة المشتقة من المكونات أو المزروعات المعدلة وراثياً، بعد إدخال بعض التغييرات إلى الحامض النووي لهذه الكائنات عن طريق الهندسة الوراثية، بهدف زيادة الإنتاج، وذلك إما بتقليل تكاليف مدخلات الإنتاج أو بزيادة إنتاج المحصول . و هدفت أبحاث الهندسة الوراثية في الجيل الثاني للنباتات المعدلة جينياً إلى تحسين الصفات الغذائية، والجودة، والملاءمة لعمليات التصنيع المختلفة . وتمكن العلماء من إنتاج محاصيل معدلة جينياً بإضافة كميات من الفيتامينات والمعادن، يستفيد منها الإنسان بحصوله على محاصيل مهندسة وراثياً خالية من الآثار الضارة بصحته، مثل أصناف من فول الصويا التي تحتوي على دهون صحية بينما تقل فيها نسبة الأحماض الدهنية .

تعد الأغذية المعدلة من الموضوعات الشائكة ما بين معارض ومؤيد، وقد غطت الأخبار الصحفية والعلمية في الآونة الأخيرة، وهناك أبحاث ودراسات حديثة كانت أيضاً محل خلاف وجدل تركزت كلها حول تأثيرات وعواقب الهندسة الوراثية على الأغذية، وأثار ذلك الجدل الشكوك حول هذا النوع من الأغذية، ما شجع على تكثيف الأبحاث والدراسات، للتأكد من سلامة هذه الأغذية، علاوة على وجود مطالبات بإنشاء نظم وإجراءات جديدة لتقنين التعامل معها .

وعلى الرغم من عودة المخاوف من استخدام هذه الأطعمة، بيد أن الاعتقاد بأضرار التعديل الجيني في حد ذاته لم يعد يشغل بال كثيرين .

وأثبتت تقارير في الولايات المتحدة وأوروبا أن التقنية في حد ذاتها لا تشكل ضرراً على صحة الإنسان، كما اعتقد من قبل، بل هناك أدلة على فوائد هذه الأغذية، بحسب تقييمنا لها .

ويصعب العثور على معلومات نهائية مؤكدة تتعلق بالأغذية المعدلة وراثياً، حتى إن الدراسات العلمية لم تثبت أو تدحض ما يقال عنها، بل على العكس أثارت جدلاً واسعاً حولها .

ومنذ أيام، نشر جيل إيريك سيراليني من جامعة كاين في فرنسا تقريراً، أورد فيه زيادة فرص تعرض فئران للإصابة بأورام في الثدي، وتلف في الكلى والكبد، بعدما أطعمت ذرة معدل وراثياً يحمل في ثناياه مقاومة لمبيدات حشائش الأرض الضارة الغليفوسات .

ويؤكد العلماء أن نتائج الدراسة تثير العديد من الأسئلة المهمة حول مصداقية التطمينات التي كانت تسوقها شركات التكنولوجيا الحيوية والحكومات .

وسارع باحثون آخرون بإظهار وجود عيوب في الدراسة، مشيرين إلى أن الفئران التي أخضعوها لنظام غذائي لا يحوي أطعمة معدلة وراثياً أصيبت أيضاً بالسرطان . وأعلنت هيئة سلامة الأغذية الأوروبية مؤخراً أن تقرير سيراليني لم يكن بالجودة العلمية الكافية لاعتبارها دليلاً على ما أشار إليه .

وكثيرة هي المحاولات التي اتبعها باحثون للتشكيك في الدراسة، ولكن على الرغم من ذلك، وتحديداً في ،2010 فرضت ألمانيا حظراً على زراعة نوع من الذرة المعدل جينياً ( نفس النوع الذي تناولته فئران التجربة الفرنسية)، وأرغمت آخر شركة ألمانية لإنتاج المحاصيل المعدلة جينياً (BASF) في 2012 على وقف إنتاجها .

وفي العام الماضي، سنت بيرو قانوناً يحظر استخدام المنتجات المعدلة وراثياً لمدة عشر سنوات، كما أتلفت السلطات المجرية ألف هكتار من الذرة المنتج من بذور معدلة جينياً، يحظرها القانون المجري . وعلقت روسيا استيراد ذرة الدراسة الفرنسية بعيد نشر الدراسة .

وفي الهند دعت المحكمة العليا الحكومة إلى فرض حظر لعشر سنوات على تجارب الهندسة الجينية على المحاصيل .

وعلى الرغم من انتشار استخدام الذرة المعدل جينياً في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الإنجليز أداروا ظهورهم لها بسبب الجدل حول آثارها الضارة على صحة الإنسان والبيئة . وعلى الرغم من أن هذه المحاصيل غير متوفرة في الأسواق البريطانية، إلا أنهم يطعمون بها حيوانات المزارع بما فيها الدواجن، والأبقار .

مصطفى دجامجوز، أستاذ بيولوجيا السرطان في الكلية الملكية بلندن يشير إلى أن الدراسة الفرنسية كانت مفاجئة، ويضيف لمجلة نيوساينتست صحتنا تعتمد على ما نأكله، وهناك أدلة واضحة على أن طعامنا يؤثر في تركيبة الجينات بل وينشط أو يوقف عمل هذه الجينات، ولكن يجب ألا تصيبنا الدراسة بالذعر، فما تزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث .

دكتور جوليان ليتل من مجلس التكنولوجيا الحيوية الزراعية في المملكة المتحدة، والمدافع عن التعديل الجيني في المحاصيل يصر على أن المحاصيل المهندسة جينياً تتمتع بالأمان فالصناعة وضعت في أولوياتها صحة الإنسان .

آنتوني تريوافز، أستاذ بيولوجيا الخلية في جامعة إدنبرة يشكك في كفاية نتائج البحث، مشيراً إلى أن عدد الفئران التي أخضعت للدراسة لم يكن كافياً لصياغة استنتاجات كهذه، إذ لم يتجاوز العدد ال 200 .

وبعيداً عن المخاوف الصحية، فالهيئات الحكومية غير مقتنعة بمخاطر التقنيات الوراثية على البيئة .

ففي ،2010 على سبيل المثال، فحص مجلس الأبحاث القومي الأمريكي كل ما نشر عن الموضوع، وخلص إلى أن ضرر المحاصيل المعدلة جينياً على البيئة أقل من ضرر غير المعدل منها، والمنتجة بطرق تقليدية .

وفي نفس العام، صدر تقرير عن الاتحاد الأوروبي أوجز نتائج أبحاث أجريت على مدار عشر سنوات، أشارت فيه إلى أن المحاصيل المعدلة جينياً لا تشكل ضرراً في حد ذاتها .

وقبل ذلك بست سنوات، دعا الاتحاد العالمي للحفاظ على الطبيعة إلى وقف تداول الأغذية المعدلة جينياً، إلا انه بعد ثلاث سنوات من دعوته، نشر تقريراً ذكر فيه عدم وجود أدلة تقطع بأضرار الأغذية المباشرة على البيئة .

وربما يعود السبب في التقرير الأخير إلى عدم كفاية الدراسات التي تثبت ضررها، فأغلب هذه الدراسات يركز على نوع واحد من المحاصيل المعدلة، وهي تلك التي تتميز بمقاومتها لمبيدات الحشائش الضارة، ما يعني إمكانية رشها بها من دون أي ضرر يقع عليها .

ومن السهل علينا تصور كيف أن المحاصيل المقاومة للمبيدات يمكنها أن تشجع المزارعين على رش محاصيلهم بها، وأثبتت ذلك بالفعل دراسة نشرت مؤخراً .

تشارلز بينبروك، من جامعة واشنطن ستيت في بولمان استنتج أن المحاصيل المقاومة للمبيدات تسببت في زيادة استخدام كميات المبيدات 239 مليون كيلوغرام في الولايات المتحدة ما بين 1996 و2011 .

بيد أن هذه الأرقام تعتمد على بعض الفرضيات، بحسب جراهام برووكس من شركة بي جي إكنوميكس للاستشارات في دورشيستر بالمملكة المتحدة، والتي تعنى بدراسة آثار التقنيات الحديثة على الزراعة .

ويشير برووكس إلى أنه هناك دراسات قارنت بين استخدام المبيدات في الزراعات المعدلة جينياً، والأخرى غير المعدلة، بيد أنه أصبحت المقارنة أكثر صعوبة بسبب كثرة انتشار المحاصيل المعدلة، ففي العام الماضي كان 94 في المئة من فول الصويا في الولايات المتحدة معدلاً جينياً .

والأرقام التي أوردها برووكس حول استخدام المبيدات استعان بها من هيئة الإحصاءات القومية الزراعية الأمريكية، بيد أن قاعدة البيانات لا تميز بين الأغذية المعدلة وغير المعدلة، فكان لزاماً عليه أن يقدر نسبة ما استخدم من مبيدات للفدان الواحد، استناداً إلى نوع المبيد، ومعرفة ما إذا كانت المحاصيل في مساحة ما معدلة أو غير معدلة .

واتخذ برووكس منحى آخر، مولته شركات صناعة التكنولوجيا الحيوية، فأجرى مسحاً شمل عدداً كبيراً من خبراء الصناعة لتقييم كمية المبيدات التي يستخدمها المزارعون في حال لم تكن محاصيلهم مقاومة للمبيدات . وتوصل إلى أنه ما بين 1996 و،2010 قللت الأغذية المعدلة وراثياً من نسب استخدام مبيدات الحشائش والمبيدات الحشرية المستخدمة عالمياً، بمقدار 1 .9 في المئة، مقارنة بالنسب المستخدمة في رش المحاصيل غير المعدلة .

ويفسر برووكس ذلك بقوله مبيدات الحشائش الضارة التقليدية ليست لها القدرة على التخلص من كل الأعشاب الضارة، ما يجبر المزارع على رش محصوله مرات عديدة، وبالنسبة لمبيد الغليفوسات الذي يهاجم أغلب أنواع الحشائش يمكن رشه مرات قليلة ليحدث نفس التأثير، لذا فالمحاصيل المقاومة للغليفوسات لا تحتاج سوى لكميات قليلة منه .

ويتفق برووكس وبينبروك على أن هناك بعض المحاصيل المعدلة جينياً تنتج مواد كيميائية قاتلة للحشرات، والتصدي للآفات من دون الحاجة إلى أي مبيدات .

وتوصلت دراسة أجراها إيفز كاريير، أستاذ علم الحشرات في جامعة أريزونا في توسون إلى أن آثار القطن المقاوم للحشرات الضارة بالبيئة أقل كثيراً من أضرار القطن التقليدي الذي ترش فوقه المبيدات الحشرية .

وللمحاصيل المعدلة جينياً فوائد أخرى، ففي العام ،2000 أدت زراعة المحاصيل المقاومة للغليفوسات إلى خفض معدلات استخدام مبيدات الحشائش الضارة المعروفة، والتي تبقى آثارها الضارة على البيئة لفترات ممتدة، علاوة على آثارها السمية على الحيوانات .

ولاتزال هذه التحسينات سيفاً ذا حدين، فبحسب دراسة مسحية أجراها المركز الدولي للحشائش المقاومة للمبيدات، هناك 22 نوعاً من الحشائش مقاومة للغليفوسات، كما أن بعض المحاصيل المقاومة للحشرات تفقد تأثيرها .

ويلقي النقاد اللوم على المحاصيل المعدلة جينياً بسبب مقاومتها للآفات، فيشير هارتموت ميار من الشبكة الأوروبية لعلماء المسؤولية الاجتماعية والبيئية إلى أن شركات التكنولوجيا الحيوية تنتج الآن محاصيل معدلة جينياً مقاومة لمجموعة قليلة من الحشرات، ما يقلص خيارات المزارعين ويعرض الآفات لنفس المواد الكيميائية بكميات كبيرة، ما يعزز قدرتها على تطوير مقاومتها لها .

ملصقات الأغذية

بعد أيام قليلة سيجرى في كاليفورنيا تصويت على اقتراح رقم ،37 بوضع ملصقات على كل منتوجات الأغذية المعدلة وراثياً تحمل اسمها، وبمنع تداولها على أنها مواد طبيعية . واظهر استفتاء أجرته صحيفة لوس انجلوس تايمز مؤخراً تأييد الاقتراح بنسبة 2 إلى 1 . وقال المؤيدون انه يجب أن يعلم المستهلك مكونات هذه الأغذية، بينما قال المعارضون إن القانون سيكلف البلاد مليون دولار سنوياً، ويدعم هذه المجموعة عدد من شركات الغذاء والتكنولوجيا الحيوية، بأموال فاقت ما تلقته المجموعة الأولى عشر مرات، بحسب تقرير مؤسسة مابلايت للأبحاث بالولايات المتحدة .

ويتضمن الاقتراح بعض القيود التي تعني عدم قدرة المستهلك على إدراك أن المنتج معدل وراثياً أم لا .

وتستخدم الأغذية المعدلة وراثياً في الولايات المتحدة غذاءً للحيوانات، بيد أنهم لاينوون وضع ملصقات على منتوجات لحوم هذه الحيوانات تفيد بذلك، كما سينطبق ذلك على الأطعمة المصنعة التي تحوي إنزيمات معدلة وراثياً .

وتنظم وزارة الزراعة الأمريكية عملية إنتاج المحاصيل المعدلة وراثياً، بيد أنه هناك شركات تستخدم حالياً تقنيات لا تتناسب مع تعريفات وزارة الزراعة، فبدلاً من إدراج جينات جديدة، تقوم هذه الشركات بإدراج بروتينات لتغيير الجينات الموجودة بالفعل .