يعتبر الروائي الألماني هنريش بل (1917-1985) أحد العلامات المضيئة في أدب ما بعد الحرب، أو ما يطلق عليه أدب الأنقاض، أو أحيانا أدب العودة إلى الوطن، وقد حصل على جائزة نوبل عام 1972، وتعد حياته وأعماله وكتاباته شيئاً واحداً، ويمكن القول، إن الأدب والسياسة امتزجا في انسجام كامل في أعماله، حيث واكب تطور المجتمع الألماني وبناءه بعد الحرب، فموضوعات أعماله تعكس خبرات الحرب، والتغيرات الاجتماعية في فترة ما بعد الحرب بألمانيا، ومع السلطة ووسائل الإعلام وعواقب دولة المخابرات.
في سن السابعة عشرة ظهرت ميول «هنريش بل» المبكرة لكتابة الأدب، وبدأ بالشعر، وتم تجنيده عام 1939 بسلاح المدفعية وخدم على الجبهات في فرنسا وبولندا والاتحاد السوفييتي ورومانيا والمجر وألمانيا، ووقع في الأسر من 9 إبريل/نيسان حتى 15 سبتمبر/أيلول سنة 1945.
التحق «بل» بالجامعة لغرض الحصول على بطاقة صرف مقررات تموينية، وشرع في دراسة الآداب، لكنه لم يتمها بسبب استدعائه لأداء الخدمة العسكرية، كان يعمل معاوناً في بعض الأعمال لاكتساب قوت يومه، كما عمل في ورشة نجارة يمتلكها أخوه، وكان قد كتب أثناء فترة دراسته الجامعية القصيرة أول أعماله الروائية «على هامش الكنيسة».
تفجرت طاقته الإبداعية في بداية الخمسينيات، فكتب الرواية والقصة القصيرة والمسرحية، وفي عام 1947 ظهرت أولى قصصه القصيرة «الرسالة» ثم «الهجوم» و«من الزمن السابق»، كما ظهر كتابه «كان القطار في موعده» عام 1949 وهو عمل قصصي يعكس خبرات الحرب، ويعالج رحلة قطار لجندي شاب عائد من إجازة إلى الجبهة، ويحلل فيه المشاعر التي سادت هذه الفترة.
وفي عام 1951 ينشر عمله القصصي «أين كنت يا آدم» الذي يعالج موضوعها الحرب والموت، وفي عام 1953 ينشر روايته «لم يتفوه بكلمة» وهي تعالج مشاكل أسرية للعائدين إلى أوطانهم بعد الحرب، حيث الظروف الحياتية الضيقة وأزمات السكن في المدن الكبرى ويصبح هنريش بل في العام التالي عضواً في الأكاديمية الألمانية للغة والأدب، ثم ينشر روايته «بيت بلا حارس» ويتلقى عنها جائزة الناشرين الفرنسيين عن أفضل رواية أجنبية، وتعالج هذه الرواية موضوعاً متصلاً اتصالاً مباشراً بالحياة الأسرية في فترة ما بعد الحرب للأسر التي تحاول الحياة، بعد أن سقط عائلها في الحرب.
ويصدر «بل» «خبز السنوات الخوالي» وفيها ينجح في أن يقدم صوراً حية لمشاهد وأجواء سادت الحياة في سنوات الضنك والأزمة والتحول إلى الانتعاشة الاقتصادية، ويتبنى الروائي الألماني في عام 1956 إصدار بيان مع 105 شخصيات عالمية منهم ألبير كامو، وبيكاسو، وسارتر، للتنديد بإجراءات الاتحاد السوفييتي في المجر، وضد تدخل بريطانيا وفرنسا في مصر، إبان أزمة السويس أو العدوان الثلاثي.
ومع بداية الستينيات يشتد الجدل بين «بل» والكنيسة التي اتهمها بالتحيز السياسي، ويتخذ موقفاً مناهضاً لبناء سور برلين، وتقسيم المدينة، وفي عام 1962 ينشر قصتيه: «ما إن اندلعت الحرب»، و«ما إن انتهت الحرب»
وفيهما يصف ويلات الحرب على مستوى المواطن الفرد، ويعود إلى انتقاد الكنيسة الألمانية في روايته «تأملات مهرج»، وفي عام 1966 تظهر روايته الكبيرة «نهاية مأمورية» التي ترجمها إلى العربية علاء الدين ندا، وهي تتخذ شكل تقرير قضائي مملوء بالتفاصيل الدقيقة، وفيها يسرد الكاتب وقائع محاكمة طريفة، أطراف الادعاء فيها جهات عليا والمتهم فيها أب وابنه يمتهنان النجارة، نتيجة مستحقات مالية كبيرة للضرائب يتم توقيع الحجز على الأب، ويلتحق ابنه الذي يعينه في هذا الظرف الضيق بقوات الدفاع الألمانية لأداء الخدمة الإلزامية.
وفي عام 1971 تظهر روايته «صورة جماعية مع سيدة» ويتم تقديمها في السينما، وكانت من أسباب حصوله على جائزة نوبل عام 1972، بعد أن غابت عن الأدباء الألمان طوال 43 سنة.
القاهرة: «الخليج»