عادي
شارع بطول ست قارات في القرية العالمية

أكشاك الطعام.. «لقيمات» تتجاوز الحدود وتجمع الثقافات

02:29 صباحا
قراءة 6 دقائق
تحقيق: مها عادل

هذا الشارع.. ورغم أنه لا يزيد على 150 مترا إلا أن طوله الحقيقي يتجاوز 6 قارات يختصرها الزائر في «خطوات».. أو بالأحرى «لقيمات» تتجاوز الحدود، وتقفز فوق الحواجز وخطوط الطول والعرض فتمتزج الثقافات والنكهات وتتلاقى الشعوب والحضارات.
..إنه شارع أكشاك الطعام، حيث يلتقي محبو التذوق من رواد القرية العالمية، ليخوضوا تجارب التذوق والاستمتاع بألوان الطعام من الشرق والغرب، والتي لا تتوقف عند حدود.. علما أن بعض الزوار يأتون إلى القرية العالمية خصيصا من أجل البحث عن أطعمة بعينها تحملهم في سياحة من نوع خاص، فقد تستطيع من أكلات أو وجبات شعبية قراءة تاريخ وعلاقات الدول ببعضها بعضا، ويمكنك من خلال أكلة ثمار بحر تتحول لوجبة سريعة أن تستكشف خريطة الدولة التي تشتهر بها وجغرافيتها، ولكونها مدينة ساحلية تقع على المحيط مثلا وتعتبر الأسماك فيها وجبة شعبية بمتناول الجميع، وهكذا مع كل قضمة ومذاق تختبره تستطيع أن تتجرع معلومة وتهضم نوعية تراث وثقافة لشعب أو بلد ما لهذا فالقرية تستحق بجدارة أن تكون وجهة كل العائلات لاكتشاف وتذوق الثقافات، وفي السطور التالية سنصحبكم بجولة نتنقل فيها بين الأكشاك والمذاقات وأذواق الزوار بالقرية.
«يام تام كونغ».. وجبة تايلاندية شهيرة يستمتع بها الكثير من رواد القرية العالمية، حيث تصطف الطوابير على بضعة أكشاك تتميز بتقديمها.. وهي تتكون عادة من القريدس المطهو مع حساء لذيذ به العديد من الأعشاب والتوابل والمكونات الأخرى التي تختلف من كشك إلى آخر، وتمنح كل منهم طابعا مميزا يرضي أذواق الرواد الذين يقدرون المطبخ التايلاندي الشهير ومنهم سالم جمال الدين وزوجته بهيرة حسين اللذان التقيناهما في طابور الانتظار أمام الكشك.. حيث يضحك الزوج وهو يقول: «يام تام كونغ» وجبة لذيذة ولكنها تكون أحيانا حريقة للغاية، ولذلك فالبائع عندما يقوم بتدوين الطلبات يسأل عن درجة «الشطة» التي يريدها كل عميل.. فأعلى الدرجات هي خمسة وأدناها هي واحد.. وحتى الآن لم أستطع تجاوز رقم ثلاثة في مقياس الشطة.
أما الزوجة فتكمل كلام زوجها وهي تعبر عن إعجابها الشديد بالحساء التايلاندي الشهير ولكنها تقول إنها تفضل حساء الدجاج وليس الجمبري وتقول:.. أكتفي بدرجة الشطة رقم 2 وهذا يجعل الحساء حريقا جدا، ولا أدري كيف يستطيع أحد أن يتحمل درجة الشطة رقم خمسة.. ولكني أجد أحيانا بعض الناس يطلبون ذلك والسر وراء حرصنا في كل مرة نزور القرية على تذوق هذا النوع بالذات هو حبنا للطعام التايلاندي، ورغبتنا في زيارة تايلاند في يوم ما لما سمعناه عنها من جمال الطبيعة وتنوع الأماكن السياحية وكلما قادنا شوقنا للتعرف بثقافة ونكهات بلد ما، نجدد زيارتنا لأجنحة القرية وشوارعها وأكشاك الطعام فيها، فهي تنقل روح ومذاق العالم إلينا.

النكهات الكاريبية

نترك طوابير الطعام التايلاندي لنغوص قليلا في زحام البشر وننتقل بخطوات قليلة من أقصى جنوب شرق آسيا إلى البحر الكاريبي وكشك آخر يقدم الجمبري والمأكولات البحرية بالنكهات الكاريبية واللاتينية المميزة، وتقرأ قائمة الطعام الشهية فتجد «شريمب رول» و«شريمب دايناميت» مع المشروبات المنعشة وهنا كانت الطوابير أخف وطأة قليلا فقررت أن أخذ فرصتي في تذوق «الشريمب رول» بعد أن علمت من البائع أن بقية الأنواع أغلبها لمحبي الأكل الحريق ونصحني بتناوله لأنه يحمل مذاقا خاصا ومميزا ويزيد متعة تناول السندويتش، ولكني آثرت السلامة وتناولت طلبي الذي تبين أنه يحمل مذاقا جديدا تماما ولا يخلو من التوابل والخضروات والصوص الذي يجعله تجربة ساخنة ممتعة وسريعة تنعش جولتك بالقرية وتمدك بالطاقة والفضول لتجربة مذاقات أخرى.

البطاطا

وبعد عدة خطوات، وأنا منشغلة بمتابعة لافتات الأكشاك وقوائم الطعام الخاصة بها لاختار محطتي التالية لاكتشاف مذاق جديد من مذاقات وثقافات العالم، اكتشفت تبخر أبنائي من حولي وأنهم ليسوا بقربي كما كانوا ببداية الجولة وبعد رحلة بحث قصيرة التفت لأجدهم وأصدقاءهم متكدسين أمام أحد أكشاك الطعام، وهو كشك متخصص في تقديم البطاطا بطرق مختلفة.. فتجد البطاطا التركية المشوية المسماة كومبير والبطاطا الكندية المسماة بوتين والتي تتميز بوجود طبقة من الجبن الذائب فوقها وعليها «جريفي» دسم من خلاصة اللحم.. والبطاطا الهولندية التي تشبه البوتين الكندي ولكن من دون إضافة الجريفي والبطاطا الأرجنتينية والفرنسية المقرمشة وغيرها وبما أن البطاطا عشق مشترك بين الكبار والصغار وجدتني أنضم اليهم وأطلب البوتين ليعيدني لذكريات آخر زياراتي لمدينة تورونتو بكندا.
ورغم أن اللوبستر لا يعتبر من مأكولات الشوارع في كثير من مدن العالم، وينتمي أكثر للمطاعم الفاخرة إلا أن بعض المناطق التي يوجد بها اللوبستر بكثرة تعتبره طعاما شعبيا مثل مدينة هاليفاكس الكندية وبوسطن الأمريكية، حيث تشتهر وجبة اللوبستر روول والتي اختارها أحد الأكشاك اسما له ليقدمها لرواد القرية.. ويضحك عبد الله خالد (موظف في أحد البنوك) وهو يلتهم ساندوتش مع بعض أصدقائه ويقول.. «طعام لذيذ وسعره معقول.. أعتقد أن أجمل ما تقدمه القرية العالمية لزوارها هو منحهم القدرة على تذوق نكهات العالم وأطباقه المميزة في مكان واحد، فمن أهم الأشياء التي نحرص عليها عند السفر لدولة أوروبية أو أجنبية أن نتذوق طعامها وأشهر مأكولاتها الشعبية، وهذا يقربنا أكثر من ثقافة الشعب وعاداته، وعادة ما يرتبط نوع الأطعمة بالموقع الجغرافي للمدينة وخصائص الشعوب وتاريخها».

عش الغراب

وعلى الجانب الآخر هناك كشك آخر يحمل اسم «فقع ومشروم» وهو متخصص في تقديم الكمأة أو الفقع.. وهو عش الغراب المعروف في منطقتنا العربية، والذي يحظى بتقدير كبير من رواد القرية، حيث يتم تقديمه بأشكال متنوعة مثل تقطيعه في الأرز أو تقديمه كصلصة مع البطاطا المقلية.
أما البلقان فيمثلها كشك يقدم طعاما شعبيا شهيرا من البوسنة والهرسك وهو «البوريك» عبارة عن فطائر أسطوانية الشكل محشوة بالجبن أو اللحم المفروم والبصل.. وتقول جيهان محمود وهي بائعة الطعام في أحد الأكشاك التركية أن أهم ما يميز الطعام البوسني والتركي بشكل عام هو قربه في المذاق من الطعام العربي، الأمر الذي يجعل له شعبية كبيرة بين رواد القرية من الجنسيات العربية.

حلي ضرسك وعبي كرشك

وإذا كان المذاق العربي قد أثر وتأثر بمطابخ أخرى شهيرة في المنطقة مثل التركي والفارسي والهندي.. فإن الطابع العربي المرح في تقديم الطعام والتعامل معه لا يتشابه مع أحد.. وهو ما تستطيع أن تلمسه عندما تتعامل مع العبارات المرحة التي ترفعها أكشاك الطعام ذات الطابع العربي.. «حلي ضرسك وعبي كرشك».. كان شعارا رفعه كشك أردني اسمه أبو العرايس يقدم عرايس اللحم ومسخن الدجاج وغيرها من الأكلات الأردنية الشهيرة.

الحلويات

التنوع الكبير في الأطعمة امتد أيضا إلى الحلويات.. كما يقول أحمد طه «مدرس» في دبي ويضيف: «أحرص دائما على أن أترك فراغا في معدتي لأدللها بالتعامل مع أكشاك الحلويات اللذيذة والمميزة التي لا أجدها في مكان آخر مثل حلوى الشوروس الإسبانية التي يوجد كشك متخصص في تقديمها.. وهي تشبه حلوى «صوابع زينب» العربية، ولكنها أكثر كثافة وتقدم بأشكال متنوعة وأنا شخصيا أفضلها مغموسة في الشيكولاته الذائبة.. لتصبح مذهلة في طعمها وقوامها، كما أنني لا أقاوم شراء الكنافة الساخنة بالجبن السائح والمغموس بمذاق العسل الأبيض الساحر».
أما زوجته مرام خالد فتقول إنها لا تفضل الحلويات المخبوزة بهذا الشكل فرغم إنها لذيذة إلا أن الإسراف في أكلها يسبب البدانة ويكسر «الدايت» الذي تسير عليه.. وتضحك وتقول أنها تختلس من زوجها قطعة صغيرة من الشوروس بالشيكولاته وقطعة أكبر من الكنافة اللذيذة ثم تنطلق إلى كشك آخر يحمل اسم تاي فروت أو الفواكه التايلاندية، حيث تحصل على شرائح لذيذة وطازجة من الفواكه الاستوائية المناسبة للدايت.

أبو فروة والذرة المشوية.. لمسة خاصة

بغض النظر عن أكشاك الطعام الكبيرة التي تقدم نوعيات مختلفة من الأطعمة والوجبات.. تبدو عربات الطعام الصغيرة التي تقدم أبو فروة والذرة المشوية نقطة جذب أخرى لكثير من المتسوقين ورواد القرية العالمية الذين يجدون في هذه الوجبات الخفيفة أفضل «سناك» صحي ولذيذ يساعدهم على التغلب على الجوع مع الاستمرار في التنقل بين الأجنحة المختلفة، وعدم التوقف عن الشراء أو متابعة الأنشطة المختلفة والمتنوعة في القرية العالمية وهو دائما طعام مفضل ومحبب ويرتبط في أذهان الجميع بجو المتعة والنزهة والرحلة الخلوية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"