عادي

وصية ميشيل فوكو الأخيرة

قراءات

04:42 صباحا
الصورة
القاهرة: «الخليج»

ما الذي يميز ميشيل فوكو عن غيره من الفلاسفة؟ يرى د. علاء طاهر في كتابه «نهايات الفضاء الفلسفي»، أن سمة النظام الفلسفي هي التي تطبع كتابات فوكو، التي شكلت نقلة نوعية في الفلسفة المعاصرة.

منذ كتابه الأول «تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي» حتى كتابه الأخير «قلق الذات»، لم يكفّ الوسط الفلسفي في العالم عن مناقشة الثيمات التي طرحها المشروع الفلسفي لفوكو، إنه حاضر دوماً، وبعد عشر سنوات على وفاته تفجرت موجة هائلة من التساؤلات الفلسفية حول فكره، من خلال صدور مجموعة من مقالاته ومقابلاته في أربعة مجلدات، إنها الإضاءات الإضافية على نظامه الفلسفي، من حيث إنها لا تشكل تفسيرات أو تعليقات على ما كتبه فوكو، بل استكمالاً منهجياً لنتاجه الموجود في كتبه الأساسية.

مع أن فوكو قد توفي عام 1984 إلا أن بعض مقالاته ودراساته الفلسفية كانت معدة للنشر عند وفاته، لكنها لم تنشر إلا بعد موته، أما كتاباته المخطوطة والتي لم تكتمل، فقد أوصى قبل وفاته بعام واحد بأنها ينبغي ألا تنشر أبداً، لأنه كان يفضل دوماً العمل الفلسفي المتكامل، بعد أن يقضي سنوات في مراجعته، وتنقيحه لعدة مرات، ثم الاشتغال على بنيته اللغوية الكثيفة، حتى يأتي النص متواكباً بشكل عضوي مع المحتوى الفلسفي الذي يقدمه.

ويقع كتابه الأخير «تاريخ الجنسانية» في أربعة أجزاء، وصدرت منه ثلاثة أجزاء فقط، هي «إرادة المعرفة - استخدام اللذات - قلق الذات»، وقد صدر الجزءان الثاني والثالث عام 1984 وفوكو على فراش الموت، وكان من المنتظر أن يلحق الجزء الرابع والأخير بها، لكن موت فوكو حال دون صدوره، وعلى الرغم من أن الجزء الرابع شبه جاهز، وبحاجة إلى مراجعة أخيرة، وقد أزمعت دار جاليمار وأصدقاء فوكو على إصداره، إلا أن وصية فوكو الأخيرة والصارمة، التي أودعها عند محاميه الخاص، جعلت الجميع يحترمون رغبته في عدم نشر مخطوطاته التي لم تكتمل.

على الرغم من حاجة الواقع الثقافي والفلسفي في فرنسا والعالم إلى إصدار الجزء الأخير، فقد كان الهدف بالنسبة لفوكو هو أن يكون لكل مؤلف من مؤلفاته موقع جذري فريد في الإجابة عن إشكالية إنسانية وفلسفية جوهرية، تستدعي ضرورة الكتابة، وفي هذا الصدد يقول جيل دولوز في كتابه «ميشيل فوكو السلطة والمعرفة»، إن فوكو «لم يتعامل مع الكتابة على أنها هدف أو غاية، وهذا ما يجعله في مصاف كبار الكتاب» لهذا السبب كان مقلاًّ في كتبه الأساسية التي لم تتجاوز عشرة كتب، وهي «المرض العقلي وعلم النفس»، ثم «تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي» عام 1961، وتوالت أعماله: «مولد العيادة - الموت والمتاهة رايموند راسل - الكلمات والأشياء - أركيولوجيا المعرفة - المراقبة والعقاب».

وجاء آخر كتابين له وهما، «استخدام اللذات» و«قلق الذات» وقد صدرا عام 1984 بعد تسعة أعوام من العمل فيهما، وكان الوسط الفلسفي، قد ظن بأن فوكو قد جف فكريّاً، ولم يعد لديه أطروحات فلسفية أخرى، فطوال تسعة أعوام من الصمت لم يصدر له كتاب، صدر الكتابان دفعة واحدة، وكان في المستشفى على فراش الموت، وفي حالة إغماء كلي على مدار خمسة أيام، وكان الأطباء قد أخبروه بأنه سيموت، ولا يوجد أي احتمال لشفائه، فطلب من الأطباء أن يوقظوه من غيبوبته، عندما يصدر كتابه الأخير، لإعلامه بذلك قبل موته، وعند صدور الكتاب أيقظه الأطباء من غيبوبته وقالوا له: «إن كتابك الأخير قد صدر وإنه في المكتبات منذ بضع ساعات» فقال: «هذا جيد» وران على ملامحه هدوء ورضا، ثم عاد إلى غيبوبته، ومات في اليوم نفسه.