زلزال بيروت ومستقبل لبنان

04:31 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. خليل حسين *

ليست سابقة أن تستقيل الحكومة اللبنانية في ظروف دقيقة، لكن الاستقالة هذه المرة أتت على أنقاض زلزال سياسي مدمر، ستمتد تداعياته وارتداداته إلى بنية النظام السياسي نفسه بعد معاناة من الاحتراب الداخلي والخارجي استمرت قرناً من الزمن.
ومفارقة اليوم أن جميع الأطراف قد وصلت إلى أمكنة يصعب التراجع عنها، لكل رؤيته وبرامجه وارتباطاته وتحالفاته، وما يجمعهم الاقتناع بأن صيغة لبنان القائمة لم تعد قابلة للاستمرار، ولا بد من البحث عن أطر جديدة.
انفجار بيروت الذي تزامن مع مئوية إنشاء الكيان اللبناني، يبدو أنه سيكون نقطة الانطلاق نحو لبنان جديد، من الصعب تحديد ملامحه الدقيقة، مبدئياً سيكون بداية تحت مظلة دولية ليست معروفة النتائج، حيث الشد والجذب سيكون على أوجه، بين أطراف كثر، كل طرف منها له مصالحه الخاصة في المنطقة، انطلاقاً من الواقع اللبناني.
ويأتي هذا الجذب من فرنسا التي تقود خطاً دولياً للبحث عن مخارج للأزمة القائمة حالياً، وهي محاولة تتعدى المساعدات والاحتياجات المالية التي يحتاجها لبنان، إلى مشروع عقد اجتماعي جديد ينتج نظاماً سياسياً مغايراً لاتفاق الطائف الذي استنفد طاقاته على مدى ثلاثين عاماً تخللتها أزمات وطنية حادة لا نهاية لها.
حياد لبنان الذي طالب به قسم من اللبنانيين، يرفضه القسم الآخر، ويعتبره سبباً لإشعال فتنة داخلية جديدة، والمشروع عينه ينسحب على مشاريع متفرعة، من بينها الفيدرالية واللامركزية الإدارية الموسعة التي تنتهي إلى تقسيمات فضفاضة، وجميعها لا إجماع عليها، وتشكل نقاط اختلاف لا اتفاق. وبصرف النظر عن أن هذه الشروخ الكبيرة، ستكون على جدول أعمال أي مشروع حكومة، يمكن أن تنطلق مستقبلاً، وهو أمر صعب المنال، في ظل عدم توفر الظروف المناسبة لإطلاق أي حكومة، حيث في الأحوال الأقل توتراً يستغرق انطلاق الحكومة أشهراً طويلة للتوصل إلى تسوية هادئة لا تستمر طويلاً، ولا ينفذ من برنامجها شيء يذكر، فكيف في المهام المطروحة حالياً.
ثمة من يعلق آمالاً كبيرة على ظروف تدويل الأزمة اللبنانية الحالية للتوصل إلى قواعد مقبولة، لكن التدقيق في محطات تاريخ لبنان السياسي المعاصر يوضح العديد من أنماط التدويل التي لم تتمكن أي منها من الإسهام في حل متدني الكلفة، ذلك بالنظر لطبيعة التركيبة الاجتماعية اللبنانية التي يسهل الاستثمار فيها لتعطيل الحلول، وهذا ما يتوقع أن يحصل حالياً.
صحيح أن الضغط الخارجي، وبخاصة الفرنسي، سيكون كبيراًعلى الأطراف اللبنانية للتوصل إلى صيغة ما، لكن القياس على التجارب السابقة غير مشجعة بالمطلق، فمن السهل على أي طرف الاستقواء بطرف خارجي لتعطيل أي حل ممكن، وبالتالي ذهاب الأمور إلى أماكن أكثر حساسية وأكثر احتمالية للتفجير. وهو أمر اعتادته الأطراف اللبنانية، كما الأطراف الخارجية التي ترعاها وتدعمها.
في المحصلة، ثمة ضرورة لإعادة هيكلة النظام السياسي الدستوري في لبنان، وفق ترتيبات واتفاقات ترعى الكثير من المتغيرات الحاصلة حالياً، لكن القضية تكمن في إتاحة المجال للدور الفرنسي الذي يعتبر منافساً للدور الأمريكي، فهل ستسمح هذه الأخيرة لباريس الذهاب بعيداً في الحلول اللبنانية التي ستطرح؟ ربما تكون مصلحة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المناورة في الشأن اللبناني من خلال الدور الفرنسي في هذه المرحلة قبل الانتخابات الرئاسية.
ثمة ظروف ضاغطة جداً سيمر بها لبنان في الأشهر القادمة، وسط فراغ حكومي سيطول زمنه وستشتد تداعياته الداخلية، حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في أسوأ صورها، بطالة وفقر وعوز لم يشهدها لبنان في تاريخه المعاصر، اليوم يحتاج لبنان إلى تضافر جهود دولية ومحلية كبيرة جداً للوصول إلى بر الأمان، فهل سيتمكن من ذلك؟ كل الآمال المعلقة حالياً على الدعم الدولي الذي يبدو مشروطاً، وليس للبنان هذه المرة التفلت من هذه الشروط التي تبدو محقة في بعضها وبخاصة ما يتعلق بالإصلاحات.

* رئيس قسم العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"