انتفاضة طرابلس

04:25 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج
كمال بالهادي

تشهد العاصمة الليبية طرابلس وعدة مدن أخرى انتفاضات شعبيّة ضد الفساد المستشري في أجهزة الدولة وبسبب تردي الأوضاع المعيشية لشعب كان إلى وقت قريب من أغنى شعوب المنطقة والعالم. حكومة الميليشيات في طرابلس لم يتسع صدرها ولو لوقت قصير للاستماع إلى مطالبهم، بل سارعت إلى إطلاق الرصاص عليهم لإسكات كل صوت يعارضها.
صحيح أنّ بعض التظاهرات التي خرجت تأتي في إطار صراع الأجنحة بين حكومة الميليشيات، وصحيح أيضاً أنّ العصمة تقبع تحت سيطرة مجموعات وعصابات مسلحة لا تقدر حتى أجهزة السراج على ردعها. واتضح أنّ بعض المدفوعين إلى الخروج إلى الشارع كانوا بأوامر من وزير الداخلية فتحي باش آغة المتمرّد في الآونة الأخيرة على السراج. ولكن في كل الأحوال فإنّ خروج الناس إلى الشوارع للتنديد بالفساد وضد السراج، سيتلوه خروج الناس غداً ضد عصابات باش آغة، وضد خالد المشري وضدّ جماعة الإخوان وميليشياتها ومرتزقتها.
هناك مثل قديم يقول إنه إذا تخاصم السارقان ظهر المسروق، وفي حالة ليبيا إذا تخاصم فاسدان، ظهر فسادهما الكبير. إن الشعب الليبي الذي كان يصنف إلى وقت قريب من أثرى شعوب العالم، بات اليوم واحداً من أفقر شعوب العالم، فضلاً عن كونه يعيش في أسوأ الظروف الاجتماعية والاقتصادية من حيث تردي الخدمات أو انعدامها.
الشعب الليبي بات من الشعوب المسحوقة، والفساد يستشري في كافة مفاصل الإدارات المركزية في العاصمة طرابلس، ويكفي أن نشير إلى أن منظمة الشفافية الدولية قد صنفت ليبيا ضمن الدول العشر الأوائل الأكثر فساداً في العالم. حيث إنّ البعثة الأممية في ليبيا قد باشرت عملية تدقيق في حسابات البنك المركزي الليبي، غير أنّ أطرافاً محليّة ليبية في طرابلس تعرقل المباشرة في التدقيق، وقد سبق أن اتهم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمة سابقة إلى مجلس الأمن، «مسؤولين محليين» لم يسمهم بعرقلة التقدم في عملية مراجعة المصرف المركزي، مؤكداً ضرورة تنفيذ هذا الإجراء. وقال رئيس لجنة أزمة السيولة بالمصرف المركزي في البيضاء شرق ليبيا رمزي رجب الآغا «إن الأطراف المعرقلة لعملية التدقيق في حسابات المصرف المركزي هم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين الذين يسيطرون على ديوان المحاسبة بقيادة خالد شكشك وكذلك الذين يديرون المصرف وعلى رأسهم الصديق الكبير وعلي فتحي عقوب، بالإضافة إلى رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، متحججين بقوانين محلية».
طرابلس انتفضت، وكان القمع شديداً، كما في مدينة الزاوية غرب ليبيا عندما انتفض مقاتلون ضمن حكومة الوفاق، على سياسة التمييز ضدهم، والمحاباة التي يفرضها الأتراك لصالح الدواعش الذين استقطبتهم أنقرة من بؤر الإرهاب في سوريا. هذه أمثلة صغيرة عن حجم العدائية التي يحملها عناصر الوفاق تجاه الشعب الليبي. لقد أتوا لإسقاط بلد وتركيع شعب وليس لإسقاط نظام. إنهم تخريبيون بامتياز، وقد مروا من التخريب إلى النهب. وكل من لا يقف في صفهم هو عدو وجب تحييده. فالحملات التي يشنها خالد المشري وفتحي باش آغة ومفتيهما المعزول الصادق الغرياني، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ هذه الطغمة الجاثمة على طرابلس الليبية إنما هي طغمة إرهابية، فاسدة وقذرة.
لقد قال المشير حفتر في ذات الأيام، إنّ الشعب الليبي سينتفض يوماً ضدّ هذه الميليشيات وإنه سيخرجها ويحرر عاصمته من كل إرهابي وغريب، ويبدو أن التوقعات تصدق هذه الأيام، فالمنتفضون لم يعد لديهم ما يخسرونه، لأنّ الدماء أريقت والأعراض انتهكت، والفقر بلغ منتهاه. وحدهم من آذوا الشعب الليبي، ومن انتهكوا حرماته، ومن سرقوا قوتهم، عليهم أن يخافوا اليوم وغداً من ثورة الشعب المقهور، سواء في طرابلس أو في غيرها من مدن ليبيا.

belhedi18@gmail.com

عن الكاتب:
كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس