الصراع في لبنان وعليه؟

03:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عصام نعمان

الصراع في لبنان لا يقتصر على قوى الداخل، بل يشمل قوى الخارج، تحديداً بين الولايات المتحدة وفرنسا.

في السياسة والاقتصاد، الخارج متداخل بالداخل في لبنان ويبدو أحياناً أن له اليد العليا. في الثقافة، الغرب بما هو عماد الخارج، في حالة غزو دائم للبنان.

الخارج، في غالبه الأشد تأثيراً، كان فرنسياً من سنة 1920 عندما أقامت فرنسا «دولة لبنان الكبير» إلى سنة 1943 عندما سهّلت بريطانيا إعلان استقلاله وشاركت فرنسا في إدارته لغاية 1958.

منذ سنة 1958 أصبح الخارج معقود اللواء للولايات المتحدة، تشاركها في إدارته، بدرجات متفاوتة من النفوذ، سوريا والسعودية وإسرائيل لغاية إقرار اتفاق الوفاق الوطني في الطائف سنة 1989. بعد ذلك، بات لبنان تحت وصاية سوريا لغاية اغتيال رئيس حكومته رفيق الحريري سنة 2005.

بضغط من أمريكا، اضطرت سوريا إلى الخروج من لبنان. غير أن النجاح في تفشيل حرب إسرائيل على لبنان سنة 2006 أدّى إلى تعديل ميزان القوى في الداخل، فأصبح للقوى المعادية لأمريكا تأثير أكبر في الشأن العام.

إذ اضطرب الوضع الأمني وتراجع النشاط الاقتصادي باطّراد طوال ما يسمى «الربيع العربي» من 2011 لغاية 2017، اشتدّ الصراع في لبنان وعليه بين قوى سياسية متنافسة في الداخل وأخرى متحالفة ومتنافسة من الخارج إلى أن تكامل الانهيار المالي والاقتصادي مع كارثة الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020.

سارع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في 7 أغسطس إلى زيارة لبنان والاجتماع إلى كبار مسؤوليه الرسميين ورؤساء أحزابه وتكتلاته البرلمانية، ثم عاد بعد ثلاثة أسابيع ليتفق وإياهم على تأليف حكومة جديدة من اختصاصيين غير سياسيين، مهمتها تنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة قبل 15سبتمبر/أيلول 2020 تحت طائلة اضطرار فرنسا إلى فرض عقوبات على لبنان ومسؤوليه السياسيين.

قوى الخارج لم تكن متوافقة على ما يجب عمله في لبنان. صحيح أن الرئيس الأمريكي ومساعديه أبدوا رضاهم عن مساعي ماكرون لمساعدة لبنان، ثم ما لبث وزير الخزانة الأمريكي أن أعلن فرض عقوبات على وزير المالية السابق واليد اليمنى لرئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى وزير الأشغال العامة السابق واليد اليمنى للزعيم الشمالي سليمان فرنجية بحيثيات باتت معروفة.

بري فسّر الأمر بأنه لإرهابه بغية التراجع عن موقفه المتصلّب ضد إسرائيل بشأن ترسيم حدود لبنان البرية والبحرية مع فلسطين المحتلة. فرنجية فسّر الأمر بأنه محاولة لفك تحالفاته في الداخل.

العقوبات الأمريكية أفسدت مساعي التوفيق والإصلاح الفرنسية وتسبّبت في تراجع بري وحلفائه عن قبولهم بحكومة اختصاصيين مستقلة وعودتهم إلى الإصرار على تأليف حكومة سياسية يكونون ممثلين فيها وبأيديهم حقائب وازنة كوزارة المالية.

قوى الداخل، كقوى الخارج، غير متوافقة بل متنافسة. بعض قوى الداخل المحافظة صعّدت معارضتها للمنظومة الحاكمة ودعت إلى إزاحتها وعززت ذلك بعروض عسكرية فاقعة. المكلّف بتأليف الحكومة الجديدة د. مصطفى أديب وجد نفسه محرجاً. فهو مؤيد للمبادرة الفرنسية، لكنه حريص على عدم مجافاة التكتلات البرلمانية المؤيدة لرئيس الجمهورية ميشال عون ولبري وحلفائهم لكونها تمتلك الأكثرية البرلمانية اللازمة لمنحه الثقة.

قد ينجح الوسطاء في الداخل والخارج في التوصل إلى تسوية بين الأطراف السياسيين المتصارعين على تأليف الحكومة وتركيبتها أو قد لا ينجحوا. المهم والخطير في المسألة أن الصراع في لبنان لا يقتصر على قوى الداخل، بل يشمل قوى الخارج، تحديداً بين الولايات المتحدة وفرنسا. فقد بات واضحاً أن الرئيس دونالد ترامب مصمم على البقاء في البيت الأبيض مهما كان الثمن. وهو، في هذا السبيل، يسعى إلى ما يعتبره انتصارات تعزز وضعه الانتخابي. أبرز ما يبتغيه في لبنان الرضوخ لخطة ترسيم الحدود البرية والبحرية للبنان تكون مؤاتية لإسرائيل.

كل ذلك في وقتٍ تزداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان تفاقماً ومعها الهجرة، بحراً وجواً، إلى الخارج، كما عودة عناصر الإرهاب الداعشي إلى النشاط في شمال البلاد.. الصراع في لبنان وعليه مستمر ومتفاقم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مُجاز في الحقوق ودكتور في القانون العام ومحام منذ السبعينات .. أستاذ محاضر في القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية زهاء عشر سنوات .. نائب ووزير سابق .. له مؤلفات عدة وعديد من الأبحاث والدراسات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"