يحدث مع ليبيا لأول مرة

04:52 صباحا
الصورة
صحيفة الخليج
سليمان جودة

ما أثار غضب أنقرة وأفقدها أعصابها اتهام شركة تركية بتهريب أسلحة إلى ليبيا، باعتبار أن القرار إدانة لها في ملف الإرهاب

وافق الاثنين ٢١ من هذا الشهر أول أيام فصل الخريف، ولكنه وافق في الوقت نفسه، أول مرة يتم فيها فرض عقوبات أوروبية على ثلاث شركات انتهكت حظر السلاح على ليبيا.

وكانت منظمة الأمم المتحدة قد أصدرت قرارها رقم ١٩٧٠ لعام ٢٠١١، بحظر بيع أو توريد السلاح إلى ليبيا.. ومنذ ذلك التاريخ يتجدد القرار في كل سنة، وتخاطب به المنظمة ١٩٣ دولة تتمتع بعضويتها، داعيةً إياها إلى الالتزام بتنفيذ القرار.

ولكن الحقيقة القائمة على الأرض تقول إن تطبيق القرار ظل منذ صدوره يواجه عقبات كثيرة، وأن السلاح يتسرب إلى الأراضي الليبية قادماً من دول أعضاء في الأمم المتحدة، وقد جاءت لحظة على غسان سلامة، المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا، بلغ فيها انزعاجه من استمرار تدفق السلاح على الشواطئ الليبية، إلى حد أنه صرخ محذراً من عواقب وجود ٢٥ مليون قطعة سلاح في أيدي الليبيين.

ثم تبين يوم الجمعة ١٩ سبتمبر، أن تركيا هي إحدى الدول التي لا تلتزم بالقرار، وأن شركة تتبعها تتولى توريد السلاح وتهريبه إلى ليبيا، وأن مع هذه الشركة شركتين أخريين.

في هذا اليوم اجتمع الاتحاد الأوربي في مقره في بروكسل على مستوى السفراء، وقرر فرض عقوبات على الشركات الثلاث، فلما جاء اجتماع الاثنين ٢١ سبتمبر بعدها بثلاثة أيام، تبنى الاتحاد قرار قرض العقوبة على مستوى وزراء الخارجية، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها تفعيل القرار١٩٧٠، وتحويله من مجرد قرار مثل عشرات القرارات التي تصدر على ورق من الأمم المتحدة في مقرها في نيويورك إلى واقع حي نلمسه ونراه.

وكانت هذه أيضاً هي المرة الأولى التي تتمكن فيها العملية البحرية «إيريني» التي أطلقتها أوروبا على الحدود الليبية، من ضبط الدول التي تتكلم عن السلام أمام العالم، ثم تفعل في ذات الوقت ما من شأنه إشعال نار الحرب بين الأطراف الليبية المتصارعة.

وحقيقة الأمر أن وجود شركة تركية على رأس الشركات الثلاث التي جرى ضبطها متلبسة، هو من نوع تحصيل الحاصل في الملف الليبي بكامله، لأن أنقرة لا تخفي إرسال عناصر الميلشيات والمرتزقة إلى حكومة فايز السراج في طرابلس غرب البلاد.

ليس هذا وفقط، ولكن علينا أن نتذكر دائماً أن يوماً قد جاء على رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو، قرر فيه توجيه خطاب عبر الصحافة إلى اردوغان على طريقة: إياك أعني واسمعي يا جارة.

مما قاله أوغلو إن العالم إذا أراد في أي وقت أن يفتح ملف الإرهاب في هذه المنطقة، فإن وجوهاً فيها سوف لا تجد الشجاعة الكافية للخروج على الناس.

وكان القصد أن صفحة الرئيس التركي في هذا الكتاب ليست بريئة ولا هي بيضاء، وأنه لذلك لن يقوى على مواجهة أهل المنطقة، إذا ما قررت في أي يوم أن تفتح الملف!

ومن يدري؟ ربما تكون هذه الشركة التركية هي أول الخيط الذي يقود العالم إلى ما سواه، وربما تكون هي الدليل المادي الذي يأخذ بيد العالم إلى الكثير من الدلائل المادية وغير المادية، في عمليات أرهقت المنطقة وأسالت دماء أبنائها على مدى سنين وسنين.

وكان من الطبيعي أن تصف تركيا قرار ضبط شركتها، بأنه خاطئ ومؤسف وبلا قيمة، والحقيقة أن ما أثار غضب أنقرة وأفقدها أعصابها، أن القرار إدانة لها في ملف الإرهاب على مرأى من العالم.

عن الكاتب: