عادي
واقع منتشر على نطاق واسع

المساعدون الشخصيون الرقميون«جواسيس» في بيوتنا

03:53 صباحا
قراءة 7 دقائق
تحقيق: ميرفت الخطيب

يطلق عليهم: «المساعدون الشخصيون الرقميون الافتراضيون الذكيون»، وأشهرهم سيري، والكسا، اللتان أصبحتا مرافقتين يوميتين في حياتنا، ومعيشتنا، وصولاً إلى غرف نومنا، ومجرد أن تنادي باسميهما تجدهما حاضرتين لتقديم المساعدة، في طلب أرقام الهواتف، وإيقاظنا، وتذكيرنا بمواعيدنا، إلى معلومات حسابية جغرافية اقتصادية بيئية إلخ.. كأن هذه الخدمة «انسكلوبيديا» جامعة.
ولكن إذا ما التفتنا إلى الجوانب الأخرى السلبية نجد العديد من الملاحظات التي يجب التوقف عندها، وأولاها أنها تهدد خصوصية البيانات المخزنة، وتتعرف إلى اتجاهاتنا ورغباتنا الشرائية ما يجعلها تتحكم فيها.
فسيري، وبحكم وجودها كخدمة مجانية في عدادات هاتفك الخليوي، تسمع أحاديثك طوال الوقت، وفي أي وقت، طالما الخدمة مفتوحة، وسمعنا في الآونة الأخيرة الكثير من القضايا حول العالم التي وضعت علامة استفهام كبيرة على المساعدين الرقميين، واعتبرها الكثير خرقاً لخصوصيتنا، بل وتقوم أيضاً بتسجيل الكلام.
وبينت التقارير التي تناولتها كبرى المؤسسات الصحفية، وبحسب دراسة ميدانية أجريت، أن 68% من مستهلكي المساعدين الشخصيين الرقميين الافتراضيين في أمريكا أكدوا أن تلك الأجهزة تستمع إيلهم، وهم غير مدركين، أو منتبهين لها، وأن بياناتهم تتم مشاركتها مع الشركات المشغلة لتلك الخدمات، معبرين عن قلقهم من اختراق تلك الأدوات الذكية لخصوصياتهم، بينما أشار 32% إلى أنهم لا يشعرون بهذا التهديد للخصوصية حين تعاملهم مع تلك الأجهزة. جاء ذلك في استطلاع لPCMag شمل 2075 مستهلكاً.
وجاءت حجة الشركات المعنية أن هدفها هو تطوير وتحسين خدماتها للعملاء، بل لم تنف أنها تقوم بالتسجيل لمعالجة الصوت، وبالتالي وأمام هذا الواقع الذي نعيشه تتباين الآراء حول الحكم على المساعدين الافتراضيين الأذكياء.
وعلق البعض بأن حياتنا تتحول إلى كل ما هو ذكي: المدينة الذكية، البيوت الذكية، الهواتف الذكية، خاصة ونحن نلج الثورة الصناعية الرابعة، والى ما يسمى بالجيل الخامس، وأن كل تقدم لا بد أن يكون له ضريبة، وأن هذه الخيارات أمامنا أصبحت واقعاً، وليس خياراً، فإما أن نركب القطار، وإما ندعه يسبقنا، أما الرأي الآخر فكان رفضه كلياً لهذه الخدمات، ولتذهب إلى الجحيم إذا كانت تخترق خصوصيتنا.


قطار إذا لم تركبه فاتك


الدكتور فادي علول أستاذ ورئيس قسم علوم وهندسة الكمبيوتر في الجامعة الأمريكية في الشارقة، لا ينصح أبداً بالتخلي عن التكنولوجيا الذكية بحجة أنها ربما تشكل خطراً، بل باتخاذ الحذر، خاصة ونحن نلج الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي، بمعنى أن كل ما من حولنا سوف يتحول إلى «ذكية»، أي الاعتماد اعتماداً مطلقاً على التكنولوجيا، فنرى اليوم المدينة الذكية، والبيت الذكي، بمعنى أن كل الخدمات سنجدها بكبسة زر، أو بكلمة ننطق بها، وتتحقق لنا الخدمة، وهي خدمات قدمتها شركات مثل «جوجل» و«أمازون» و«أبل»، و«فيس بوك»، ومايكروسوفت، وهؤلاء يتنافسون اليوم بشدة في السوق كي يثق بهم المستهلكون، والغلبة ستكون للذي يكون أكثر تطوراً وذكاء، لأن البيوت ستكون كلها ذكية، ومحتوياتها من ثلاجات ومكيفات وأفران ومايكروويف، بما في ذلك الأبواب، وهي مفيدة للأطفال تساعدهم في العمليات الحسابية وبالمعلومات بسرعة وفي كل الأوقات بل 24 /24 ساعة.
وبالتالي فخيار التعامل مع التكنولوجيا لم يعد خياراً، بل واقع علينا التعايش معه، وهو مثل القطار إذا لم تركبه فاتك، وسبقك.
وتعد المساعدات الافتراضية من ضمن هذه الثورة التي نعيشها، بل وأكثرها انتشاراً والتي لم تعد جديدة، أو مستهجنة، بل كل من يحمل نقالاً ذكياً يجدها موجودة ضمن الخدمات المتوفرة على جهازه. وأما الجديد فيها، فهو تنافس الشركات التي ذكرتها آنفاً على تجويد خدمتها وتحسينها بوسائل كثيرة، منها ما يكون عليه علامات استفهام، أو تمر بشكل عادي، وهذه الإجراءات تتعلق بمعالجة الصوت، وتعني تعرّف سيري وألكسا، وغيرهما، إلى اللهجات، واللكنات، وليس اللغات فقط، لتقدم كما يبرر مديروها خدمات أفضل الخدمات، إلا أن ما تحتاجه لإتمام هذه العملية هو جمع أكبر قدر من الكلام، وبالتالي يتم تسجيل معظم الكلام الذي يتم التقاطه من دون أي شعور منك، وتبرر الشركات بأن الهدف ليس التنصت، وإنما تحسين الخدمة للاستحواذ على السوق.


الخوف من جهات أخرى


أما الدكتور محمد لطايفة أستاذ مساعد في قسم علوم الحاسوب بكلية الحوسبة والمعلوماتية في جامعة الشارقة، فيقول إن هذا الجهاز يسجل الكلام بشكل متواصل لدى سماعه بالكلمة العلمية المتعارف عليها بكلمة «الاستيقاظ»، والتي طرحتها ست شركات كبرى في مجال التكنولوجيا، أبرزها «الكسا» من أمازون، وسيري من أبل، وجوجل هوم من جوجل، وإلا فلن يسجل الكلام، وهو بهذه المناداة يشبه المربية المنزلية تنتظر أن يأتيها النداء باسمها لتلبيه، وهو يسمع، ولا يسجل.
ويشترك الدكتور لطايفة مع الدكتور فادي علول، بأنه يجب التعامل معه مثل العامل، أو المساعد في المنزل، أو المكتب، وعدم التحدث أمامه بالخصوصيات. فهو بديل للخادم ومساعد في المنزل لتسهيل المهام المنزلية.
ومن الأفضل إطفاء الخدمة من عدادات الجهاز إذا لم تكن بحاجة له، وإعادة تشغيله لدى الحاجة.
ويضيف لطايفة، أن الجهاز إلكتروني ويستخدم بطريقتين فجوجل على سبيل المثال، وأمازون، وأبل، تأخذ الكلام لتسمعه حتى تحسن خدماتها وتطورها، وهذا ما يبررون به بالإشارة إلى أنه لا يعمل إلا بكلمة الاستيقاظ، إنما فعلياً هذا الكلام غير منطقي لكونه يعتاد على الصوت ويميزه، ويتعرف إليه، وثانيا، خاصة لدى ذكر الأسماء، إذا فليس الأمر آمناً دائماً. وهنا يجدر القول إن الخوف ليس من الشركات المصنعة لهذه الخدمة، بل من جهات غير موثوقة وآمنة تستطيع اختراق البريد الإلكتروني للشخص، أو المؤسسة، والتعرف إلى البيانات وسرقتها، وبالتالي يجب توخي الحذر.
وهنا تكمن المعضلة في الإشكالية الأخلاقية للأشخاص الذين يعملون في هذه الشركات الذين يكلفون بالاستماع إلى الكلام، وتسجيله، حيث تبين إن هذه الشركات تلجأ الى متطوعين للتعرف إلى اللهجات، أو اللكنات المتنوعة، فمن يضمن أخلاقيات هذا المتطوع من عدم استغلاله لما يسمعه، كما حصل في إحدى الدول الأجنبية؟ وعليه على الإنسان أن يكون واعياً مع أي تصرف رقمي في جهازه إن كان موبايل، أو كمبيوتر، خشية من حركات «التصيد»، أو اختراق وسرقة البيانات، ومن ثم الابتزاز الإلكتروني.


اقتحام للخصوصية


الدكتور عطا حسن عبدالرحيم عميد كلية الاتصال في الجامعة القاسمية، لا يتوافق مع الرأي السابق، بل اعتبر أن المساعدات الافتراضيات هي وبشكل حاسم مرفوضة تماماً، ويعتبرها شكلاً من أشكال اقتحام الخصوصية، ويكون مستخدمها عرضة لتسريب بعض المعلومات الخاصة للآخرين «الغرباء»، وبالتالي يمكن استخدامها لإيقاع الضرر بالشخص نفسه، أو من يتحدث معهم، وهناك مساءلة قانونية، وليست في مصلحة الأفراد، والمؤسسات إلا في حالة التقنية، أو أن يستأذنك بالدخول والاستماع.
كما يؤكد أن الحجة التي يراد بها التضليل، وهي تحسين جودة المحتوى والخدمات، إنما هي ادعاء مراد به سلب إرادة الآخرين والمفروض بالتطور التكنولوجي عدم المساس بحرية الفرد، وإلا فلتذهب إلى الجحيم، حتى ولو اتهمنا بالرجعية فهي ليست مبررة.
فعلى سبيل المثال هل يمكن اعتبار الألعاب الإلكترونية التي أودت بالكثير من الأطفال والناشئين وحتى الكبار إلى الانتحار وارتكاب الجرائم تطوراً؟ الجواب عندكم.


ماذا أضافت لحياتنا؟


التطور المستمر أساس الحياة، وليس هناك من شك في الدور الكبير الذي تؤديه التكنولوجيا لحياتنا، ومن إمكاناتها الفائقة للدفع بحياتنا لآفاق أكثر رحابة وتطوراً، ويسراً، بحسب المستشارة ريم عبيدات مستشار حكومة دبي، ولكنها تستطرد بالقول: لكني أتساءل هل نحن بحاجة لكل هذه الخدمات والتطبيقات والمنصات والبرامج، لنعيش حياتنا اليومية؟ هل تعقدت حياتنا للحد الذي نجد أنفسنا مضطرين لتفعيل كل هذه الخدمات، التنبيهية والتذكيرية والتسجيلية والتعليمية على مدى الطريق طوال اليوم؟
وتعقب بالقول: قد يقول البعض إن التطور هو شريعة الحياة، والمواكبة هي ترياق هذه الشريعة، ولكن الأمر ليس في موضوع المواكبة والاستخدامية المنطقية للتطورات التقنية المختلفة، والريادة في التفكير والتنفيذ والاستفادة من خلاصات التجارب العلمية والنتائج لخدمة جودة الحياة، وتحسين حياة الناس والرفع من الرفاه بمعانيه المختلفة، لكن هل الاستخدام المتواصل، واللهاث من تطبيق لآخر، ومن نسخة إلى تحديثها إلى ما لا نهاية، يضفي أية قيم متزايدة على التجربة الحياتية للكائن؟
إننا نلهث بين التطبيقات والأجهزة والبرامج، وقد لا يكون لدينا أية حاجة إليها، وقد يكون توفرها في بيوتنا، وعلى طاولاتنا وفي أيدينا، وعلى أجهزتنا لا تقدم أية خدمة حقيقية للحياة، بل تسلبنا الكثير من الهدأة والصفاء.
وتتساءل: أليس في الأمر ضياع للهوية الإنسانية، وفقدان للمعنى الوجودي الحقيقي للحياة؟ ألا يغنينا توفر المشروع الشخصي والعائلي الحياتي العميق وطويل المدى والنبيل الغايات والمتجاوز لشروط الحياة اليومية بصورتها الإجرائية عن الكثير مما نلهث له ولأجله؟ ألن يغنينا توفر الهدف العالي والبعيد للحياة، عن اشتراطات المنافسة واللهاث في واضح المغزى، والمكان، والزمان؟
وترى أن هذه البرامج ذات تحسسية مرتفعة، بمعنى أنها ذكية جداً، وتحيط بالإنسان في لحظاته المختلفة، وقادرة على فهم حالته ومزاجه وحالته الصحية والمزاجية والنفسية، بل والقدرة على معرفة أفكاره أيضاً، وما دمنا جعلناها الرفيق والصديق الدائم والأزلي. ولكن، أليس في الأمر بعض من انتهاك قوي لكل تفاصيل الخصوصية الإنسانية؟ فهذه البرامج والتطبيقات الملحقة بالجهاز علمت عادات أصحابها، وتقدم وباستمرار حلولاً لتحدياتهم واقتراحات من أجل تبسيط المهام عليهم.


تعطيل «سيري»


يرى خالد محمد مهندس وصاحب محل لبيع الهواتف المتحركة، أنه في حال كنت من المتشككين في مدى احترام سيري لخصوصيتك فإن الأمر بسيط، ويمكنك تعطيل هذه الخدمة من على جهاز «أبل» الخاص بك، عبر الذهاب إلى الإعدادات، ومن ثم «سيري والبحث» لتوقف «Listen for Hey Siri»، و«Press Home for Siri» ما يعطل الخدمة، كما يمكنك وفي ذات الصفحة الاستغناء عن سيري في المقترحات بحيث لا تظهر لك مجدداً.


آراء الشباب


وللشباب رأي آخر، حيث يستبعد الطالب عمر سامح في الجامعة الأمريكية بالإمارات، أن شركة كبرى مثل «أبل» بسمعتها ومصداقيتها، تغامر بمصداقيتها، ما يكبدها الكثير من الخسائر في حال أقدمت على استخدام سيري في تهديد الخصوصية، والتسجيل والاستماع لعملائها.
أما ديانا الحكيم، طالبة بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا، فتقول عن المساعدين الرقميين، يجب الحذر في حال استخدامها لكونها قد تتنصت علينا، سواء بقصد، أو من دونه، كما سمعنا الكثير منها حول العالم، ما يجعل من مخاطرها أكثر من فوائدها، خاصة أن الحياة تسير بها، أو من دونها.
وترى مايا وهبه، طالبة هندسة كمبيوتر في الجامعة الأمريكية بالشارقة، إنها خدمة ممتازة خاصة خلال الانشغال في السياقة، أو خلال الدراسة، أو تدبير المنزل، وتفيدنا في هذه الأيام خوفاً من الإمساك بالهاتف في زمن «كورونا»، فنقوم بطلب الأرقام من دون الحاجة للإمساك بالهاتف خاصة خلال التسوق.


تعليق «سيري»


علقت «أبل» العمل بنظام سيري لفترة في 2019، بعدما استمع بعض من موظفي الشركة لمحادثات سيري مع العملاء في إطار تطوير عملها بحسب أبل، بينما عدّه البعض اختراقاً صريحاً للخصوصية.


محادثة زوجية


سجلت «اليكسا» من تلقاء نفسها محادثة لزوجين أمريكيين، وأرسلتها لصديق لهما من دون علمهما، ما حدا بهما إلى إلغاء كل أجهزة اليكسا من منزلهما، وسط اعتذار «أمازون» عن الأمر، معتبرة أنه حالة نادرة للغاية.


موسيقى


اقتحمت الشرطة الألمانية شقة بعدما انبعث منها صوت موسيقى عال للغاية لتكتشف أن «اليكسا» هي من شغلت تلك الموسيقى من تلقاء نفسها.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"