عادي

دفعة صينية قوية لاتفاق باريس للمناخ

21:19 مساء
قراءة 4 دقائق
الصياد

د. محمد الصياد *

في إعلان مفاجئ أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء 22 سبتمبر/ أيلول 2020، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إن الصين ستتبنى «سياسات وتدابير أكثر قوة لزيادة هدفها المتعلق بالمناخ، والوصول إلى ذروة انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030». متعهداً في الوقت ذاته، بالانتهاء من مهمة بلاده المتمثلة في مساهمتها في الاحتباس الحراري وتحقيق حياد الكربون بحلول عام 2060، وذلك في خطوة اعتبرها المناخيون نقلة نوعية هائلة في العمل المناخي العالمي.

معلومٌ أن «حياد الكربون»، هو مصطلح حديث دخل قاموس أوكسفورد في عام 2006، ولم تتم الإشارة إليه بالنص في اتفاق باريس لتغير المناخ، على الرغم من اتكاء الأوروبيين في إشاعة استخدامهم للمصطلح وأغراضه والتوسع فيه، على البند الأول من المادة الرابعة من الاتفاق الذي ورد فيه ما نصه «...من أجل تحقيق توازن بين الانبعاثات البشرية المنشأ من المصادر وعمليات إزالتها بواسطة البواليع (أقنية تصريف الكربون) في النصف الثاني من القرن...». وهو يستخدم لوصف حالة شركة أو خدمة أو منتَج أو حدث، حيث تتم بموجبه موازنة انبعاثات الكربون الناتجة عنهم عبر تمويل كمية مساوية من وفورات الكربون في أماكن أخرى من العالم. بكلمات أخرى، إنه يعني التوصل إلى بصمة كربونية صافية، أي تحقيق صافي انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون من خلال موازنة انبعاثات الكربون مع إزالة الكربون (في كثير من الأحيان عن طريق تعويض الكربون)، أو ببساطة، القيام بإزالة انبعاثات الكربون تماماً، بما يفضي للانتقال إلى «اقتصاد ما بعد الكربون». بمعنى أن الهدف من استخدام تعويضات الكربون هو تحييد حجم معين من انبعاثات غازات الدفيئة عن طريق تمويل المشاريع التي من شأنها أن تتسبب في تخفيض مماثل لانبعاثات غازات الدفيئة في مكان آخر (هذا هو التوازن المقصود تحقيقه بالتعويض)، عبر غرس الأشجار مثلاً، عملاً بفرضية «التقليل أولاً ما أمكن من الانبعاثات، ثم القيام تالياً بالتعويض عن تلك الانبعاثات التي لا يمكن تفاديها». ويمكن إجراء التعويض إما عن طريق دعم مشروع لخفض الكربون، أو بشراء تعويضات الكربون أو أرصدة الكربون.

الرئيس الصيني، وخلال تقديمه لهذا الالتزام الجديد، أشار إلى أن اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، قد خط مسار العالم للانتقال إلى التنمية الخضراء والمنخفضة الكربون. معتبراً أن الاتفاق قد وضع الحد الأدنى من الخطوات التي يجب اتخاذها لحماية كوكب الأرض، وطننا المشترك (كما قال)، ويجب على جميع الدول اتخاذ خطوات حاسمة لاحترام هذه الاتفاقية، واغتنام الفرصة التاريخية من جائحة كورونا للابتكار العلمي والتكنولوجي واستعادة البيئة الخضراء.

في السياق، فإن المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية، جو بايدن، كان قد تعهد، بدوره، خلال حملته الانتخابية، بأنه سيحقق هدف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050 إذا تم انتخابه.

العديد من الأوساط المناخية، رحبت بالخطوة الصينية المتقدمة؛ فاعتبرتها أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، «خطوة مهمة في كفاحنا العالمي ضد تغير المناخ»؛ كما اعتبر تود ستيرن، المفوض الأمريكي السابق للمناخ ومهندس اتفاق باريس، التعهد بحيادية الكربون، «خبراً مهماً». أما جون مورتون، سفير المناخ في المملكة المتحدة لمحادثات الأمم المتحدة للمناخ في جلاسكو (مقر استضافة مؤتمر الأطراف 26 للمناخ الذي سيعقد العام المقبل)، فقد غرد بأنه «إعلان هام». واعتبرت جينيفر تولمان، مستشارة السياسة وخبيرة دبلوماسية المناخ في مركز الأبحاث E3G، أن هذه الخطوة تمثل «تحولاً اقتصادياً كبيراً»، باعتبار أن وعد كل من الصين والاتحاد الأوروبي - أكبر سوقين في العالم - بالانتهاء من مساهماتهما في تغير المناخ في مواعيد قريبة، نقلة نوعية في الاقتراب من تحقيق هدف اتفاق باريس.

والحال، أن هذا الالتزام الصيني الجديد، قد أدرجته الصين، ضمن خطتها الخمسية الرابعة عشرة، والتي ستشمل أهداف التنمية التفصيلية من 2021 إلى 2025. وبحسب وكالة بلومبيرج، فإن الصين تخطط لخفض حصة الفحم في مزيج الطاقة لديها من 57.5% في 2020 إلى 52% في 2025. وتخطط، خلال نفس الفترة، لإنتاج 20% من الطاقة، من مصادر الوقود غير الأحفوري. وهذا من شأنه أن يرفع طاقة إنتاج الكهرباء في الصين من مصادر الطاقات المتجددة والطاقة النووية، من 32% إلى 42% بحلول عام 2025، بحسب وحدة تحليل البيانات في بلومبيرج.

الصين، اليوم، هي أكبر مصدر للانبعاثات في العالم؛ كما أنها أكبر ممول لمشاريع الطاقة، وأكبر سوق للطاقة في العالم؛ ولذلك فإن قراراتها الأخيرة الداعمة لعملية التحول الطاقوي، من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، سوف تلعب دوراً رئيسياً في رسم مسار التقدم الذي ستسير عليه بقية أعضاء منظومة الأسرة المناخية الدولية.

بيد أن تعهد الصين بتحقيق حياد الكربون قبل عام 2060، وإن اعتُبر أهم تطور في سياسة المناخ العالمية منذ إبرام اتفاق باريس للمناخ قبل خمس سنوات، إلا أنه قوبل أيضاً بتساؤلات جوهرية يتعين على الصين الإجابة عليها. وإجابتها تنطوي بالضرورة على سياسات لها ارتدادات على شكل وجوهر قطاع الطاقة العالمي بمجمله، وهي ارتدادات ستتمظهر في العشرية القادمة، في حال نفذت الصين هذه السياسات التي سنحاول الإضاءة عليها في المقالة القادمة.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"