عادي

العقوبات الإسلامية.. سياج منيع يحمي أمن المجتمع

23:33 مساء
قراءة 6 دقائق
الدين الحياة

تضمن القرآن الكريم كثيراً من العقوبات الشرعية التي قررها الخالق سبحانه لهؤلاء الذين ضلوا طريق الهداية، وارتكبوا من الجرائم ما يهدر حقوق الآخرين، ويلحق الضرر بالمجتمع، وهذه العقوبات العادلة وصفها بعض الجهلاء بالقسوة، فماذا يستهدف القرآن بهذه العقوبات؟

يقول د. محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة: لا شك في عدالة تشريعات القرآن، فهي من لدن حكيم خبير يعلم ما يصلح الإنسان وما يفسده، كما أنها من لدن رب رحيم رؤوف بعباده، وما أكثر النصوص القرآنية التي وردت في تأكيد ذلك، ولا شك في أن غياب المقاصد الشرعية للتشريعات المتعلقة بالعقوبات هي السبب في وصف بعض الجهلاء لتشريعات القرآن العقابية، بالقسوة، ولو سأل هؤلاء أهل الذكر في هذا الأمر وهم علماء الشريعة، ووقفوا على مقاصد الشريعة في عقوباتها ما حاولوا النيل من هذه العقوبات.

ويؤكد د. غنايم أن كل العقوبات الشرعية التي وردت في القرآن الكريم لمواجهة كل أشكال الجرائم والانحرافات، هي عقوبات عادلة بشهادة أساتذة وخبراء القانون المنصفين في العالم، ووصف هذه التشريعات بالقسوة وإهدار حقوق الإنسان لم يأت إلا على لسان أناس سطحيين لا علاقة لهم بالتشريع الإسلامي، ولم يفهموا مقاصده، ولم يقفوا على فلسفته.

إجراءات وقائية

ويضيف: لو استعرضنا تلك العقوبات واحدة واحدة، لوجدنا أنها تتسم بالعدل والحكمة الإلهية، فالهدف من كل عقوبة، مواجهة الجرم الذي ارتكب وفيه إهدار لحق من حقوق الله، أو حق من حقوق الإنسان، أو حق من حقوق المجتمع الذي يجب أن يعيش في أمان واستقرار، بعيداً عن الجرائم والانحرافات التي يبدع المنحرفون في ارتكابها، متحدّين ما قرره الخالق سبحانه من تشريعات تحمي الفرد والمجتمع.

من هنا يرى د. غنايم ضرورة اعتماد هذه التشريعات في قوانين العقوبات المطبقة في البلاد العربية والإسلامية، لمواجهة الجرائم المتنوعة التي تؤكد الإحصاءات أنها في تزايد مستمر وتهدد أمن وسلامة المجتمع.

ويتساءل د. غنايم: ما العقوبة العادلة لمن قتل إنساناً عامداً متعمداً؟ وهل عندما يقرر القرآن الاقتصاص منه يكون قاسياً؟!

ويقول: القرآن في عقوباته لا يستهدف مجرد توقيع عقوبة على مجرم، كما هو حال التشريعات القانونية المطبقة الآن في كل المجتمعات الإنسانية؛ بل هو قبل توقيع العقوبة يرشدنا إلى اتخاذ العديد من الإجراءات الوقائية، لكي نحمي المجتمع من الجرائم والانحرافات المتعددة التي تهدد أمنه واستقراره. كما أن شريعتنا العادلة تبحث دائماً عن الحقيقة، وتتخذ كل الأدلة والبراهين التي تحمي الإنسان من وقوع ظلم عليه بعد تقرير العقوبة، ففي جريمة القتل العمد مثلاً، نجد القرآن يرهب من قتل الإنسان ظلماً وعدواناً، وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تحرم تحريماً قاطعاً قتل إنسان إلا بالحق. يقول سبحانه: «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً».

فالله سبحانه وتعالى يتوعد في هذه الآية، كل إنسان يقترف جريمة القتل لغيره ظلماً وعدواناً بجملة من العقوبات هي: الخلود في جهنم، وغضب الله على هذا القاتل، وحلول اللعنة عليه، وتعرضه لعذاب عظيم في الآخرة.

عدل ورحمة

إن القرآن لا يعاقب إلا بعد التحذيرات المتكررة والترهيب المتواصل للإنسان من اقتراف الجريمة حتى إذا ما جاءت العقوبة الرادعة لم يكن للإنسان عذر، فالإنسان الذي لا يستجيب لنداء خالقه الذي يريد صالحه في كل تشريعاته، ويتجرأ على إزهاق روح بريئة، يكون قد ارتكب جناية من أقبح الجنايات، فمن يقتل فرداً واحداً يعتدي على الإنسانية كلها، كما يقول الله تعالى: «أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً».

ويمضي د. غنايم قائلاً: يجب أن يصمت هؤلاء الذين يطالبون برعاية القتلة في السجون، وعدم تطبيق عقوبة القصاص منهم، لأنهم بذلك يهدرون حق الإنسان في حماية حياته من المجرمين الذين يستخفون بالأرواح، ويستهينون بضحاياهم، وعليهم أن يدركوا أن العقوبة العادلة التي قررها الخالق سبحانه لجريمة القتل العمد، هي القصاص، وهو ما يطلق عليه في القانون الوضعي «الإعدام». فالله سبحانه وتعالى يقول: «يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم. ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون». 

ومن خلال هذا النص القرآني يتضح لنا أن الإسلام جمع في تشريعه الحكيم لعقوبة القتل بين العدل والرحمة؛ إذ جعل القصاص حقاً لأولياء المقتول إذا طالبوا به، لا ينازعهم في ذلك منازع، وهذا عين الإنصاف والعدل، وجعل الدية عوضاً عن القصاص إذا رضوا بها باختيارهم، وهذا عين الرحمة واليسر.

ثم بيّن الحق سبحانه أن في تطبيق عقوبة القصاص حياة للأبرياء، فمن يعرف أنه إذا ما قتل إنساناً فسيقتل مثله، لن يقدم على اقتراف هذه الجريمة النكراء، وبذلك نحمي أرواح الجميع.

ومن هنا يتضح أن عقوبة القصاص لها مقاصد نبيلة، وهي الحفاظ على حياة الإنسان وكرامته، وعلى صيانته من كل سوء، وعلى حماية المجتمع من كل أشكال وصور الإجرام، فقد شرع الله هذه العقوبات لمنع انتشار الجرائم والانحرافات التي تفسد حياة الناس، وتحول أمنهم واستقرارهم إلى فوضى.

جريمة الزنا

وفي جريمة الزنا جاء القرآن بعقوبة كفيلة بحماية المجتمع الإنساني من كل صور وأشكال العبث الأخلاقي، التي تعانيها البشرية الآن، والتي تسربت للأسف إلى مجتمعات المسلمين بسبب ضعف الوازع الديني وانتشار وسائل الاتصال والتواصل، وعدم وجود حواجز بين ثقافات الأمم والشعوب.

يقول د. حامد أبو طالب، أستاذ الشريعة الإسلامية، عضو مجمع البحوث بالأزهر: القرآن الكريم جاء بكل ما يحمي المجتمع بكل أفراده من جميع أشكال الإجرام والانحراف السلوكي التي عرفتها المجتمعات الإنسانية، ولذلك عاش المسلم وغير المسلم أيضاً في ظل تشريعات القرآن عندما طُبقت، آمناً على عرضه وشرفه، ووفر القرآن بعقوباته الرادعة الأمن والطمأنينة للمجتمع من هؤلاء المستهينين بالأعراض، وشهدت المجتمعات التي التزمت بأحكامه وأخلاقياته أماناً أخلاقياً ما بعده أمان.

ويضيف: لقد واجه القرآن جريمة الزنا بشكل عملي عن طريق الدعوة إلى الزواج والترغيب فيه، باعتباره أسلم طريقة لتصريف الغريزة الجنسية، وهو الوسيلة المثلى لإخراج سلالة يقوم على تربيتها الزوجان ويتعهدانها بالرعاية، فمن يلتزم بتوجيهات هذا الكتاب الحكيم ويتزوج ويعف نفسه بالحلال، فقد نجا بدينه وضمن استقامة دنياه، ومن تولى ورفض الاستجابة لنداء الحق، وسلم نفسه للشيطان، وعبث بالأعراض، ودنس الشرف، فإن الشريعة العادلة المستندة للقرآن تعاقبه على جريمته، باعتبارها جريمة أخلاقية تترتب عليها مفاسد كثيرة، لا يتوقف خطرها على العابثين وحدهم؛ بل يتعدى العبث حياة وسلوك هؤلاء المجرمين ليلحق الضرر بالمجتمع كله.

إن عقوبات القرآن رادعة في مواجهة جريمة الزنا لما لها من عواقب وخيمة وتداعيات خطرة على المجتمع كله، فضلاً عن أن الزنا محرم في كل الشرائع السماوية، وتشديد عقوبة الزناة في الإسلام دليل على حرص الشريعة على نظافة المجتمع وحماية الأعراض من هذا العبث الأخلاقي، ومنع انزلاق باقي أفراد المجتمع في هاوية الفاحشة.

حرمة الأموال

وكما حمى القرآن الأعراض من المستهترين بها، حمى الأموال من اللصوص المتربصين بها، وجعل لها حرمة تقترب من حرمة النفس، وحماها من كل صور العدوان: كالسرقة والغصب والاختلاس والخيانة والغش والتلاعب بالكيل والميزان والرشوة، وفرض عقوبات رادعة لكل من يتورط في جريمة من هذه الجرائم، وذلك حرصاً على حقوق العباد ومنعاً للنزاع بين الناس.

يقول د. أبو طالب: تقدير القرآن للمال لم يأت من فراغ، فهو عصب الحياة، وهو زينة الحياة الدنيا إلى جانب الأولاد، ومن أجله يضحي الإنسان بكل غالٍ ونفيس، ولذلك فإن حماية هذا المال ومنع كل صور العدوان عليه، يوفر للإنسان الأمان النفسي والاقتصادي ويحقق للمجتمع الاستقرار، حيث تتعدد وتتنوع الجرائم التي تحدث في كل مجتمع بسبب العدوان على المال، سواء أكان مالاً عاماً أو مالاً خاصاً.

من أجل ذلك قرر القرآن عقوبة مغلظة لمن يتورط في جريمة سرقة، وهي قطع يد السارق، وحكمة التشدد في هذه العقوبة، مواجهة كل أشكال الفساد الاقتصادي الذي يترتب على سرقة الأموال، وإهدار حق أصحابها فيها، والهدف من هذه العقوبة كما يقول علماء الشريعة، هو «الزجر»، فكل من يعلم أن يده ستُبتر إذا ما سرق، سيفكر مليون مرة قبل الإقدام على هذه الجريمة، مهما كانت نوازع الشر في داخله، وعقوبة المرتكب لجريمة السرقة حددها القرآن الكريم في قول الحق سبحانه: «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم. فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"