عادي

صحوة الموت

23:25 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

تشتد سكرات الموت على بعض الناس، وبعض آخر تخف عندهم سكرات الموت، وأقصد المؤمنين بالله وبالرسول من البشر.
وسكرات الموت لا علاقة لها بصلاح الإنسان من عدمه؛ إذ لو كانت لها علاقة بصلاح الشخص، لما عانى الرسول صلى الله عليه وسلم من سكرات الموت.
ففي الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يتوعك، فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكاً شديداً»، قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم»، قلت: ذلك بأن لك أجرين، قال: أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيآته، كما تحط الشجرة ورقها». (رواه البخاري).
وسكرة الموت معناها غشيته، والسكرة هي الشدّة التي تغشى الإنسان قبل موته بفترة قصيرة كانت أم طويلة، تجعل الإنسان يعيش في حالة بين الوعي واللاوعي. 
وسكرات الموت ثابتة بالقرآن الكريم والسنة النبوية، قال تعالى: «وجاءت سكرة الموت بالحق». (الآية 19 من سورة ق). ومن السنة حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي سبق ذكره، وهو حديث صحيح رواه البخاري.
ويقال إن سكرات الموت هي الحد الفاصل بين الحياة والموت، فمتى دخل الإنسان في حال الاحتضار فلن يعود إلى الحياة مرة أخرى؛ لذلك فإنه ساعة الاحتضار لما بعد الحياة الدنيوية، وعند سكرات الموت يرى المقبل على الموت ما لا يراه الإنسان العادي، حيث يرى الملائكة ببصره الخارق للعادة، وربما يرى الجن أيضاً.
ومن علامات سكرات الموت، كما ذكرها العلماء، برود الجسد لا سيما أطراف الإنسان مثل القدمين واليدين، ومن علاماتها أيضاً، التفاف الساق اليمنى على اليسرى، وارتخاء الفك السفلي واضطرابات القلب.
ومن أشد المواقف التي يمر بها المحتضر أنه يرى ملك الموت، وهو ينزع روحه؛ لذلك فإنه يفقد وعيه بسبب الهول الذي يصيبه.
ومن علامات سكرات الموت واحتضار الروح، شخوص البصر، وقد ورد في الحديث أن الروح إذا قبضت تبعها البصر.
نعم. ومن علاماتها أيضاً انقطاع النفس، وميل الأنف، وانخساف الصدغين، وربما تظهر على المريض مرض الموت، علامات أخرى مثل: ضعف الشهية وكثرة النوم، وحب العزلة، وانخفاض ضغط الدم، وتغيير لون البول، وضعف العضلات، وارتباك الدماغ، والهلوسة، فيرى أناساً قد ماتوا يمرون من أمامه، أو أنه يتحدث مع شخص غير مرئي.
وسألني بعضهم عن صحوة الموت ما هي؟ هل هي سكرة الموت؟ فأقول للسائل: صحوة الموت هي أن المريض الذي أشرف على الموت تتحسن حالته قبل الموت بأيام، لدرجة أن أهله يخرجونه من المستشفى ويستبشرون بعودته إلى ممارسة حياته، من أكل وشرب ونوم وحديث، ولا يدرون أن هذا التحسن المفاجئ هو مقدمة الموت.
أقول: وصحوة الموت هذه، ربما هي آخر فرصة يمنحها الله لمن يشاء، لكي يعود إلى رشده ويراجع حساباته مع الله ومع الناس، فالناس يختلفون في أعمالهم، فمنهم من يرتكب المعاصي استهتاراً، ومنهم من يرتكبها إنكاراً، حتى لا يبقى بينه وبين الموت إلا فترة قصيرة، فيبدل الله حاله إلى حال، ويشرح قلبه للإيمان والتوب إلى الله، فيتوب ويبرئ ذمته ويرد حقوق العباد المتعلقة برقبته، وعندئذ لا يحاسبه الله على ما أسلف من ذنب طول حياته؛ بل يحاسبه على ما ختم به حياته؛ لذلك فإننا لا نسرع في الحكم على مرتكب المعاصي بالكفر وهو لا يزال حياً وفي كامل صحته؛ لأن القلب بين أصبعي الرحمن، كما ورد في الحديث، فربما يوفّقه الله فيتوب قبل موته بلحظات ويقبل الله توبته، فيسبق إلى الجنة من قضى عمره كله في الطاعة، فالعبرة بالخواتيم، ولا ندري أي الأعمال أحسن قبولاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"