عادي

كاراباخ.. انتهت الحرب

23:29 مساء
الصورة
1

إعداد: بنيمين زرزور

بعد ثلاث هدن لم تصمد في إقليم ناجورنو كاراباخ بين الفريقين المتحاربين، أذربيجان التي تحظى بدعم تركي لا محدود، وأرمينيا التي تحظى بتعاطف من روسيا. تم الإعلان، أمس، عن اتفاق لوقف إطلاق النار بجهود من موسكو، اعتبره الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف «هزيمة» لأرمينيا التي أقر رئيس وزرائها باشينيان بأنه وقع «اتفاقاً مؤلماً».

الاتفاق الذي تم توقيعه أمس برعاية روسية وقعه الرئيس الأذربيجاني ورئيس الوزراء الأرمني، على أن تقوم قوات روسية بحفظ السلام في المنطقة، وأعلن الطرفان على الأثر وقفاً لإطلاق النار بعد معارك ضارية استمرت ثلاثة أسابيع تم خلالها استهداف العديد من المدن، وحققت القوات الأذرية نجاحات عسكرية باحتلال العديد من القرى في الإقليم

 الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أعلن أن أرمينيا وأذربيجان، توصلتا برعاية بلاده إلى وقف إطلاق نار شامل في إقليم ناجورنو كاراباخ وإنهاء كل العمليات العسكرية، وفي الوقت ذاته أعلن رئيس وزراء أرمينيا أنه وقع اتفاقاً مؤلماً مع كل من روسيا وأذربيجان لإنهاء الحرب، فيما قال الرئيس الأذربيجاني الهام علييف إن الاتفاق «وثيقة استسلام» تم إرغام يريفان على توقيعها، ووصف رئيس الوزراء الأرمني باشينيان ب«الجبان» لأنه لم يوقع الاتفاق علناً، وأوضح أن الاتفاق يرتدي «أهمية تاريخية» لأنه ينص على أن تسحب أرمينيا قواتها من الإقليم خلال مهلة زمنية قصيرة، وعلى أن تشارك روسيا وتركيا في تطبيق بنود الاتفاق.

 ويقضي الإتفاق بأن يحتفظ طرفا النزاع بالمواقع التي يسيطران عليها، ما يعني تكريس الانتصارات التي حققتها القوات الأذربيجانية، وخسارة الأرمن على أجزاء واسعة من الإقليم. وجاء اتفاق وقف إطلاق النار بعيد إعلان القوات الأذرية السيطرة على مدينة شوشة الواقعة على بعد 15 كيلومتراً من عاصمة الإقليم ستيباناكرت، ويعتبر سقوط هذه المدينة الاستراتيجية نقطة تحول في الحرب كونها عقدة على الطريق بين كاراباخ وأرمينيا.

 غضب أرمني

 وفور الإعلان عن الاتفاق تدفق آلاف المتظاهرين الأرمن الغاضبين إلى المقر الحكومي في يريفان العاصمة؛ حيث تم اقتحامه وعاثوا خراباً فيه، وحطموا زجاج نوافذ المبني، وأطلقوا هتافات منددة برئيس الوزراء، من بينها «نيكول خائن».

قبل التوصل إلى هذا الاتفاق كانت صدرت دعوات متكررة لجماعات حقوق الإنسان بالتوقف الفوري عن استخدام الأسلحة المحظورة في النزاع الدائر بين الطرفين.

 معلوم أن إقليم ناجورنو كاراباخ جيب جبلي صغير يقع داخل أراضي جمهورية أذربيجان السوفييتية السابقة، ومعترف بها بموجب القانون الدولي كجزء من تلك الدولة. غير أن الأرمن الذين يشكلون الأغلبية العظمى من سكان الجيب؛ حيث يقدر عددهم بنحو 150 ألف نسمة، يرفضون حكم باكو، ويديرون شؤونهم بدعم من أرمينيا منذ طرد قوات أذربيجان من المنطقة في حرب التسعينات. وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار عام 1994، لكن تفجر اشتباك عنيف عام 2016 سقط فيه ما لا يقل عن 200 قتيل.

 مواقف سابقة

 بعد هدوء استمر نحو عقدين من الزمن، اندلعت الأعمال العسكرية بين القوات الأرمنية، والأذربيجانية، مجدداً، جراء الخلاف على منطقة كاراباخ؛ حيث تدعم أنقرة أذربيجان في الصراع بتقديم دعم عسكري، ولوجستي، ومرتزقة تم استقدامهم من شمال سوريا.

وكان رئيس أذربيجان، إلهام علييف، قال في وقت سابق إنه لن يقبل أي دعوات لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، وسط استمرار القتال مع الجارة أرمينيا.

وفي كلمة متلفزة نقلتها وكالة «بلومبيرج»، قال علييف إنه يتعين على أرمينيا الموافقة على سحب قواتها من أراضي أذربيجان المعترف بها دولياً، من أجل إنهاء الأعمال القتالية.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتعهد فيها الطرفان بالتزام هدنة، لكن الإعلان الأمريكي شدد على أن الوزيرين، جددا التزام بلديهما بتنفيذ وقف إطلاق نار إنساني والتقيد به.

 تصعيد خطِر

 وقد تجاوز القتال في حجمه، وسعة نطاقه، التصعيدات الدورية التي كانت تحدث في السنوات الأخيرة؛ إذ شمل استخدام المدفعية الثقيلة، والدبابات، والصواريخ، والطائرات المسيرة.

وقد ضُربت مناطق مأهولة بالسكان في منطقة ناجورنو كاراباخ بالصواريخ، وقصفت بالقنابل للمرة الأولى منذ التسعينات. كما ضُربت أهداف مدنية أيضاً في كل من أرمينيا، وأذربيجان، بهدف الضغط لفرض الحل العسكري.

 طبيعة الدور التركي

 تقدم تركيا تقليدياً دعماً دبلوماسياً ومعنوياً لدولة أذربيجان الشريك الجيواستراتيجي لها، والمشابهة لها عرقياً في كون سكانها من العنصر التركي. وقد تكثفت اللقاءات بين مسؤولين عسكريين من البلدين في أعقاب اشتباكات يوليو/تموز التي أعقبها إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين.

ومنذ اندلاع القتال، أعلنت تركيا دعمها غير المشروط لأذربيجان، ويبدو أنها تواصل تزويد باكو بمختلف القدرات العسكرية. وهناك مؤشرات على نشر تكنولوجيا طائرات عسكرية مسيّرة تركية، إضافة إلى آلاف المرتزقة الذين أتت بهم من شمال سوريا، ويعملون هناك بإمرتها.

وهناك من يتعاطى مع الدور التركي في كاراباخ من منظور تصاعد الدور الذي تسعى أنقرة للعبه على الساحة الإقليمية بعد سوريا، وليبيا، وشرق المتوسط، لتظهر بؤرة توتر جديدة في القوقاز تتصادم فيها مصالح القوتين الإقليميتين روسيا، وتركيا.

 وتعتبر منطقة كاراباخ ساحة خلاف تاريخية، وبؤرة توتر دائم. وإذا كانت أنقرة تدعم تاريخياً أذربيجان، وموسكو تدعم أرمينيا، فهذه هي المرة الأولى في تاريخ الصراع التي تعبر فيه تركيا عن دعم صريح وشامل لأذربيجان. فقد أكد أردوغان في تغريدة على «تويتر» أن «تركيا ستقف جنباً إلى جنب مع أشقائها الأذربيجانيين».

وقال الخبير الألماني في شؤون القوقاز ستيفان مايستر، من مؤسسة «هاينريش بول» الألمانية: «ظهرت ملامح دور تركيا الجديد في وقت مبكر من شهر يوليو/تموز الماضي. فلأول مرة، دعمت تركيا أذربيجان بشكل علني. لقد بلغ هذا التحيز الواضح بعداً جديداً».

وتأتي هذه التطورات في وقت باتت فيه سياسة أردوغان الخارجية أكثر هجومية. وظهر ذلك في سوريا، وليبيا، وفي الخلاف على احتياطيات الغاز بشرق البحر المتوسط. وها هي أنقرة الآن تنخرط بشكل واضح في منطقة القوقاز. 

ولا شك في أن البعد السياسي على الصعيد الداخلي للتورط التركي في كاراباخ، يجعل من الصعب على أردوغان التراجع قيد أنملة في تصعيده، خاصة أن القضية مرتبطة بالإرث الثقافي والتاريخي للشعب التركي، وهو ما يراهن أردوغان على استثماره في الانتخابات المقبلة.