جذور الاتحاد ورهاناته اللّاحقة

23:49 مساء
قراءة 3 دقائق

عبد الحسين شعبان

أهداني الصديق الدكتور محمد عمران تريم الشامسي كتابه الموسوم «دولة الإمارات العربية المتّحدة: الجذور التاريخيّة للتأسيس ورهانات الاتحاد»، وهو يعكس خبرته وتجربته العمليّة التي حاول توظيفها في بحثه الأكاديمي، وهكذا جاء الكتاب حصيلة دراسة وتأمّل عميقَين للجذور التاريخيّة للاتحاد، إذْ لا بدّ للباحث أن يتوقّف عند المشهد السياسي العربي السائد آنذاك، والذي كان يميل للتباعد ، تارةً تحت عنوان «الهُويّة» وأخرى باسم «الخصوصيّة»، ولذلك فإنّ توجّه الإمارات نحو التقارب والاتّحاد كان عكس التيّار، وهذا بحدّ ذاته يُعتبر تحدّياً كبيراً للواقع القائم. 

يمكن القول إن تأسيس الاتحاد كان أقرب إلى المغامرة، حيث لم تكتمل مؤسّساته بعد ولم يمتلك الخبرة الدستورية والقانونية والإدارية الكافية، ولكن قوّة الإرادة وروح الحكمة وبُعد النظر هي التي قادته للتوحّد، دون أن ننسى التحديّات الخارجيّة التي كانت تواجه إماراته منفردة، فقبل ثلاثة أيام فقط من إعلان تأسيس الاتحاد، قامت إيران باحتلال ثلاث جزر إماراتيّة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، ولعلّ الأطماع الإيرانية قديمة بشأن هذه الجزر، وظلّت تحوم حولها حتى تحقق لها ما أرادت؛ وفشلت جميع المساعي والوساطات لإعادتها إلى دولة الإمارات التي ما تزال تطالب بعودة السيادة الإماراتية إليها.

هكذا بعد 3 سنوات من إعلان بريطانيا الانسحاب من المنطقة، قام صرح الاتحاد الإماراتي ليعلن عن نفسه بثقة كبيرة، لاسيّما في ظلّ انقسام العالم إلى معسكرَين أحدهما شرقي واشتراكي والآخر غربي ورأسمالي، وسياسة أطلق عليها «الحرب الباردة»، و«صراع أيديولوجي» حاد ومنافسة شديدة على جميع المستويات السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة.

لقد امتلك الشيخ زايد آل نهيان رؤيةً استشرافيّةً واسعةً وقدرات تدبيريّة وإداريّة حكيمة، بوضعه تصوّراً مستقبليًّا لدولة الإمارات العربية المتحدة، عاملاً على توظيف إمكاناتها الماديّة، ولاسيّما لدى إمارة أبو ظبي لتكون مرتكزاً للدولة وعاصمة لها، وذلك في إطار تحقيق التقارب بين الإمارات السبعة التي تكوّنت منها في ظل دستور جامع أقرب إلى النظام الفيدرالي أو صيغة نوعيّة جديدة منه، وذلك في إطار ديناميّة وحيويّة لكل إمارة من جهة، وتوجّه اتّحادي عام تتلاقى فيها الإمارات كوحدة قانونيّة وسياسيّة موحّدة من جهة أخرى.

وقد انطلقت الدولة الجديدة لا من الاعتماد على اكتشاف النفط فحسب، ولا من الخبرة التي وفّرها الغرب، بل برؤية جديدة أساسها كما يقول الباحث «فرضيّة انتماء الإمارات جغرافيّاً وحضاريّاً إلى منطقة الخليج التي أدّت أدواراً أساسية في التاريخ، إذْ لا ينحصر هذا الدور على المنطقة باعتبارها موقعاً جغرافيّاً فقط، بل ربطنا الأمر بمساهمتها في التاريخ الإنساني»، ولعلّ الأساس في ذلك التوجّه هو تحقيق مجتمع الوفرة والرّفاه الاقتصادي للمواطن لسدِّ حاجاته الأساسية في العمل والصحة والتعليم والضمان. وليس غريباً أن تتأسّس وزارة للسعادة وأخرى للتسامح لتأكيد العيش المشترك، حيث تلتقي على أراضي دولة الاتحاد أكثر من 200 قوميّة وجنسيّة ودِين.

ومنذ التاريخ القديم كانت المنطقة جسراً يربط بين الشرق والغرب ومحطّة للتلاقي بين الحضارات، وبالطبع فإنّ الموقع الجغرافي والبحر خصوصاً، كان عاملاً مساعداً وإيجابيّاً، حيث اعتاد السكّان على الغوص واستخراج اللؤلؤ الطبيعي الذي كان قبل اكتشاف النفط المحرّك الأساسي للاقتصاد، وفتح الموقع الجغرافي شهيّة الدول الأوربيّة للاهتمام بالإمارات، وهو ما حاول د.محمد عمران تريم الشامسي الرجوع إليه من خلال دراسة التاريخ حين يتناول الجذور التاريخيّة، إضافةً إلى علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع والجيوبوليتيك، خصوصاً بتسليط الضوء على أهمّ ما كُتب في هذا المجال بما يتعلّق بدولة الإمارات باللغتين العربية والإنجليزية، إضافةً إلى الوثائق العديدة في المركز الوطني للوثائق والبحوث في أبوظبي ومركز الشارقة والعديد من مراكز الأبحاث والدراسات.

وقد قسّم الشامسي بحثه إلى بابين وستّة فصول، فخصّص الباب الأول بفصوله الثلاثة للجذور الجيوسياسيّة للنظام السياسي للاتحاد ابتداء من تجاذبات القوى الأجنبية القديمة، وخصوصاً البرتغاليين والهولنديّين، إضافةً إلى بريطانيا التي كان لها القدح المعلى، وتناول وضع الإمارات في النصف الأوّل من القرن العشرين لغاية مرحلة الاستقلال.

وكان الباب الثاني قد خصّصه لميلاد الاتحاد وعالج بثلاثة فصول أيضاً الأسس المؤدّية إلى الاتحاد وميلاده الفعلي والنظام السياسي الذي تأسّس على أساسه. 

ويختتم الباحث كتابه باستنتاجات مفادها أنّ «معجزة» قيام الاتحاد تحقّقت بفضل الحنكة السياسية وسِعة الأفق وفرادة رؤية الشيخ زايد ونظرته الثاقبة بحيث أصبح اليوم واقعاً ملموساً، حيث ستحتفل الإمارات في 2 ديسمبر/2021 بالذكرى الخمسين لتأسيسها في ظلّ منجز اقتصادي واجتماعي وثقافي، يعكسه كتاب الباحث الذي يُعدّ مرجعاً تاريخيّاً مهمّاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"