مستقبل الرأسمالية بعد الوباء

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

نيل إيروين*

تدور في أروقة صنع القرار ومراكز الدراسات السياسية في الغرب، نقاشات مطولة حول دور الرأسمالية كنظام سياسي في مواجهة الكوارث والأزمات بعد أن طرحت مواجهة كورونا الفاشلة في عدد من الدول الغربية، أسئلة ملحة حول جاهزية تلك الأنظمة في حال تكرر المشهد مستقبلاً.

 وتكشف مجموعة من الحوادث عن البعد الأخلاقي والسياسي للتقصير الذي كشفت عنه الجائحة. فبعد إعلان شركة «فايزر» عن تحقيق نتائج أولية مشجعة للقاح الذي طورته، سارع مسؤولو إدارة ترامب إلى ربط النجاح بمشروع تحفيز «وورب سبيد» الذي قدم التمويل والدعم التنظيمي لتطوير لقاح،بينما أصر المسؤولون التنفيذيون في شركة «فايزر» على أن الشركة طورت اللقاح بمواردها الخاصة وليس بمنح حكومية.

 هذا الخلاف لا يعني أن أياً من الطرفين ليس محقاً. فخلال الصيف، توصلت الشركة إلى اتفاقية شراء مسبقة بقيمة 1.95 مليار دولار مع حكومة الولايات المتحدة، ما يضمن لها تعويضاً جيداً لتقديمها في نهاية المطاف 100 مليون جرعة من اللقاح. بعبارة أخرى، على الرغم من أن الحكومة لم تمول تطوير الأدوية بشكل مباشر، إلا أنها أوجدت الأساس الذي يمكن أن تنفق فيه شركة الأدوية أموالاً طائلة على الأبحاث.

 قد يبدو الأمر وكأنه حالة عابرة لشركة وإدارة يدعي كل منهما الفضل في بعض الأخبار السارة. لكنه يكشف عن حقيقة أعمق أكدها الوباء – وهي هشاشة النظم الرأسمالية، وفشل نظام السوق الحر وحده في حل مشاكل كبيرة.

 لقد أظهرت الأشهر التسعة من الوباء أنه في الدولة الحديثة، يمكن للرأسمالية أن تنقذ الموقف - ولكن فقط عندما تمارس الحكومة سلطتها لتوجيه الاقتصاد والعمل كمصدّ نهائي للمخاطر. الدرس المستفاد من رأسمالية كورونا، هو أن الشركات الكبيرة تحتاج إلى حكومة كبيرة، والعكس صحيح.

 لقد حققت الشركات في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم إنجازات ملحوظة على جناح السرعة، خاصة شركات التكنولوجيا الحيوية وشركات الأدوية التي تحاول مكافحة الفيروس. ونجحت سلاسل التوريد في الحفاظ على أرفف متاجر البقالة ممتلئة حتى مع تعطل قدر كبير من آليات معالجة وتوزيع الطعام، وإعادة تهيئة المصانع لإنتاج أجهزة التهوية ومعدات الحماية الشخصية.

 لقد وفر برنامج «وورب سبيد» ​​مزيجاً من الحوافز المالية لإقناع القطاع الخاص بالاستثمار في تطوير اللقاح على نطاق واسع وبسرعة لا يمكن أن تتوفر له لو عمل بمعزل عن الحكومة. وقد سنّ الكونجرس تشريعات لدعم الملايين من الشركات الصغيرة، والتي كان العديد منها مهدداً بالإغلاق، كما وجه المساعدات إلى الأمريكيين العاديين للمساعدة في منع انهيار الإنفاق الاستهلاكي. وأعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنه سيكون على استعداد لشراء مئات المليارات من الدولارات في شكل سندات وأصول أخرى، ما يضمن حصول الشركات الكبيرة على رأس المال حتى في ظل انهيار السوق.

 وكانت الجيوب العميقة أحد مفاتيح التصعيد السريع لجهود مكافحة الفيروس، والتي تحولت خلال أسابيع قليلة من المجهول إلى تهديد عميق للحياة والاقتصاد العالمي في أن واحد.

 وقد يتمكن عبقري بمفرده أو حفنة من الباحثين العاملين في المختبر أن يطوروا فكرة أصبحت أساساً لدواء مفيد. لكن إنتاجه يتطلب مجموعة من الموظفين والمقاولين وشركات الأدوية للحصول على هذا الدواء من خلال جولات متعددة من التجارب السريرية، ولتحليل البيانات لإثبات أنه فعال وآمن بما يرضي هيئات التنظيم، فضلاً عن تصنيعه وتوزيعه حتى يصل إلى المرضى.

لقد أثبتت تجربة مواجهة الوباء أن الشركات الكبرى والحكومة القوية تمارس أدواراً حيوية في استمرار دوران عجلة الاقتصاد الحديث،كما أكد الوباء حاجة كل فريق للفريق الآخر ومدى اعتماده عليه.

* كاتب صحفي ومؤلف كتاب«ذي أبشوت».(نيويورك تايمز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي ومؤلف كتاب«ذي أبشوت».(نيويورك تايمز)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"