تصدع الاتحاد الأوروبي

00:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
مارتينا بيت

مارتينا بيت *

في وقت سابق من هذا الشهر، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن فرنسا تولي اهتماماً خاصاً بمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أنها لن تقبل صفقة لا تحترم مصالحها على المدى الطويل. وقد أكد هذا الموقف الأسبوع الماضي مساعد الرئيس، كليمنت بون، الذي حذر من أن باريس ستستخدم حق النقض ضد اتفاق التجارة «غير المرضي» حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وطمأن بون صيادي الأسماك بأن أي اتفاق يتعارض مع مصالح الشعب الفرنسي سيواجه بالنقض حتماً. ونظراً لأن ماكرون يواجه تهديدات داخلية لإعادة انتخابه، فإنه يفضل أن يرى المحادثات تفشل بدلاً من الاتفاق على صفقة قد تُغري دول الاتحاد الأوروبي الأخرى بمغادرة الكتلة.

ولا شك في أن شعارات حماية قوة أوروبا في وجه المنافسين العالميين الرئيسيين، ومن الأوبئة والأزمات الاقتصادية والهجرة، وتغير المناخ، تعطي دفعاً انتخابياً قوياً لماكرون في الانتخابات الرئاسية لعام 2022، في مواجهة منافسته العنيدة، زعيمة التجمع الوطني مارين لوبان، التي تغلب عليها في انتخابات عام 2017.

أما الآن وقد تم الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على مرحلة ما بعد «بريسكت»، فإن المواقف قد تتغير؛ إذ إن فرنسا كانت تصر على ضرورة الخروج باتفاق يلبي طموحات الشعب الفرنسي.

والموقف الذي يتمسك به ماكرون ليس مفاجئاً أو مثيراً للجدل، حيث حاولت باريس أكثر من مرة ونجحت في التأثير في قواعد عمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بحيث تتناسب مع مصالحها الخاصة.

ففي مقابلة صحفية سلط آلان وينترز، مدير مرصد السياسة التجارية في جامعة ساسكس، الضوء على سجل فرنسا الطويل في رفض المساومة في المحادثات التجارية. وقال إن حكومة المملكة المتحدة وافقت على استبدال الجنيه الإسترليني باليورو، تجاوباً مع مصالح الاتحاد على الرغم من أن العديد من الاتفاقيات التجارية على مدى الثلاثين عاماً الماضية، شهدت انقسامات وخلافات في المواقف كالتي نشهدها حالياً، وكان لابد من تسويتها من خلال تعديلات في السياسات الداخلية.

وسجل فرنسا في الاتحاد حافل بالاعتراضات التي كثيراً ما تخللتها تهديدات باستخدام الفيتو، ثم يتم حل تلك الخلافات بالمفاوضات. ولعل مشكلة تقاسم المناصب العليا في مؤسسات الاتحاد، هي الأكثر حضوراً في ذاكرة كل الدول الأعضاء.

ففي عام 1994 عطل الفرنسيون تبني قانون الخدمات السمعية والبصرية؛ لأن باريس عارضته بشدة ولا تزال، ما اضطر المفوضية الأوروبية إلى الرضوخ لتهديدات الفيتو الفرنسي. وحتى اليوم لا يمكن طرح هذا القانون على مؤسسات الاتحاد؛ لأن فرنسا لا توافق عليه، بدعوى أن ثقافة هوليوود تهدد النسيج الاجتماعي الفرنسي والثقافة الفرنسية.

وأكد ماكرون العام الماضي أن فرنسا ستضمن استبعاد القطاع السمعي البصري الأوروبي من أي اتفاقية للتجارة الحرة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد.

وطرحت فرنسا لأول مرة مفهوم الاستثناء الثقافي خلال مفاوضات «الجات» عام 1993 أو الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة، والتي قامت على أنقاضها منظمة التجارة العالمية في عام 1995.

وبموجب هذا المبدأ، يتم التعامل مع السلع والخدمات الثقافية بشكل مختلف عن المنتجات التجارية، ما يمنح البلدان الصلاحيات الكاملة لدعم وحماية قطاعاتها الثقافية بالشكل الذي تراه مناسباً، من خلال منح الإعانات أو تقنين الحصص والالتزامات.

وتدعي باريس أنها حامية «التنوع الثقافي وحرية التعبير»، لكنها في الوقت ذاته، أول من يعترض على الانفتاح الأوروبي نحو الثقافات الأخرى، خاصة الأمريكية، لكنها من جانب آخر تدعم جهود التوصل إلى اتفاق الشراكة عبر الأطلسي الذي عطلته إدارة الرئيس ترامب بعد مفاوضات شاقة، كما كانت سبباً في تجميد مفاوضات اتفاقية شراكة الاستثمار بين دول المجموعة.

ويمثل هذا الموقف الفرنسي إحدى صور التصدع في الكتلة الأوروبية التي تتجاذب قراراتها، التكتلات والمحاور التي تضع مصالحها فوق كل اعتبار، ما يعرقل استكمال بناء مؤسسات الاتحاد وتطويرها.

* كاتبة عمود في «ديلي إكسبريس»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة عمود في «ديلي إكسبريس»

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"