سان فرانسيسكو تضعف ولا تموت

22:45 مساء
قراءة 3 دقائق
سان فرانسيسكو

مات روسوف *

على مدى الأشهر القليلة الماضية، هاجر العديد من المستثمرين والمديرين التنفيذيين والشركات من منطقة خليج سان فرانسيسكو، متجهين إلى أماكن مثل ميامي وأوستن في تكساس.

جاء ذلك لعدة أسباب منها ممارسات الحكومة الخاطئة هناك، بحسب قولهم، وتغاضيها عن انقطاع الكهرباء أثناء الطقس العاصف، وقوانين تقسيم المناطق التقييدية التي تجعل المساكن الجديدة باهظة الثمن، ويصعب بناؤها. وتم وصف ولاية كاليفورنيا بأنها تُدار بشكل غير صحيح وعلى نطاق واسع.

انتقد إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة «تيسلا»، لوائح «كوفيد  19» المحلية التي أوقفت التصنيع مؤقتاً في مصنع الشركة في فريمونت في كاليفورنيا. وصرح أليكس كارب، الرئيس التنفيذي لشركة «بالانتير» التي نقلت مقرها الرئيسي إلى كولورادو هذا الصيف، بأن الشركة غير متوافقة مع الأخلاق والخطاب في وادي السيليكون. وقال: «أصبحت مشاريع البرمجيات مع وكالات الدفاع والاستخبارات في بلادنا، التي باتت مهمتها في الحفاظ على سلامتنا، محل جدل كبير، كما أن الشركات القائمة على الدولارات الإعلانية أصبحت شائعة».

من جانبها انتقلت شركة إدارة الأمن والأنظمة «تانيوم» إلى إحدى ضواحي سياتل. وانتقد رئيسها التنفيذي أوريون هنداوي، الذي كان يعيش سابقاً في منطقة الخليج، قضايا الحوكمة الحقيقية في الولاية، مع الإشارة إلى أن قوانين العمل من المنزل سمحت للعديد من موظفي الشركة بالانتقال إلى مدن أخرى مسبقاً، حيث يشعرون بالسعادة أكثر.

وفي السياق ذاته، انخفضت إيجارات المنازل في سان فرانسيسكو، وسط ازدياد المخزون وندرة الطلب، وعلى الرغم من عمليات الإغلاق الشديدة في المنطقة، لا يزال انتشار فيروس كورونا مستمراً. كاليفورنيا اليوم لديها واحد من أسوأ معدلات الإصابة الجديدة في البلاد، والمستشفيات شبه ممتلئة، والشركات المحلية متوقفة نسبياً.

كل هذه الانتقادات صحيحة ويشاركها الناس في المدينة، ولكن حين نتحدث عن صلة سان فرانسيسكو وكاليفورنيا المستمرة بصناعة التكنولوجيا، فهناك بعض الأشياء يجب أن يعرفها الجميع.

إن أكبر شركات التكنولوجيا لها جذور عميقة في وادي السيليكون والولاية عموماً. فمثلاً، توظف شركة «ألفابت» وشركة «سيلزفروس»، حوالي 30 ألف عامل في منطقة الخليج، وأنشأت مئات آلاف الأقدام المربعة من المساحات المكتبية في سان فرانسيسكو وحدها. كما تقوم ألفابت بإعادة تطوير كبيرة لوسط مدينة سان خوسيه وخصصت مليار دولار لبناء مساكن ميسورة التكلفة في المنطقة، في حين أنفقت «أبل» المليارات على مجمع مكاتب فائق التقنية في كوبرتينو، وخصصت 2.5 مليار دولار للإسكان الميسور التكلفة. قد تتيح شركة «فيسبوك» للموظفين العمل من المنزل إلى الأبد بعد انتهاء الوباء، لكنها أنفقت هي الأخرى مليارات الدولارات لبناء حرم جامعي ضخم في مينلو بارك، وبصدد توقيع عقود إيجار جديدة عبر الخليج في فريمونت.

ربما تسعى هذه الشركات إلى التوسع في مكان آخر، ولكن سيكون من الجنون اقتصادياً إنهاء العمليات هنا على المدى القصير، بعد جولات الاستثمار الضخمة على مر السنين الماضية.

أضف إلى ذلك عشرات الشركات العامة الأصغر حجماً التي ظهرت مؤخراً مثل «تويليو» و«زووم» و«إير بي إن بي»، و«دورداش»، والتي يخطط العديد منها للبقاء في منطقة الخليج واجتذاب بعض الموظفين ممن يتمتعون بفكر وخبرة كبيرة في ريادة الأعمال.

وبالحديث عن ذلك، فإن جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا، هما من ضمن مؤسسات تعليمية عليا وعلى مستوى عالمي ولديهما شبكات محلية واتصالات قوية بصناعة التكنولوجيا.

تتمتع التكنولوجيا بسلطة سياسية مناسبة، على الرغم من محدوديتها، في سان فرانسيسكو. ومن أغرب كلام الأشخاص الذين غادروا المدينة، أن صناعة التكنولوجيا لم تكن موضع تقدير وغير قادرة على ممارسة السلطة السياسية للتغيير المنشود هناك، إلا أن هذا الادعاء ليس دقيقاً. 

ففي عام 2011، كان عمدة سان فرانسيسكو إدوين لي، مدعوماً من قبل شخصيات بارزة في صناعة التكنولوجيا مثل المستثمر رون كونواي، والرئيس التنفيذي السابق لشركة ياهو ماريسا ماير، وأشخاص مثل كونواي ومارك بينيوف الرئيس التنفيذي لشركة سيلزفورس هما من سكان سان فرانسيسكو منذ فترة طويلة ولديهما روابط اجتماعية وسياسية عميقة.

تعاني كاليفورنيا بالفعل، بعض المشاكل الشائكة التي تسبق صناعة التكنولوجيا. يشير النقاد على سبيل المثال، إلى عدم قدرة سان فرانسيسكو على حل مشكلة المشردين على مدار العقد الماضي، لكن المشكلة تمتد إلى فترة طويلة قبل ازدهار الإنترنت. أما بالنسبة للأشخاص في صناعة التكنولوجيا، ممن يعتقدون بطريقة أو بأخرى أن وجودهم أو غيابهم له أي تأثير على هذه المشاكل، فهذا ضرب من الغرور. 

فقد توافد العمال والشركات التقنية على منطقة الخليج عندما كان الاقتصاد مزدهراً، على الرغم من هذه المشاكل. ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذه المشاكل نفسها ستبعدهم عندما ينتعش الاقتصاد مرة أخرى.

صناعة التكنولوجيا متأصلة ولها جذور عميقة في سان فرانسيسكو، وشكاوى النقاد والمعارضين ليست جديدة ولا مقنعة.

* «سي إن بي سي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"